والأب الضليل هنا هو ألكسندر دوماس الأب، مؤلف العشرات من المسرحيات والروايات، اشتهر منها الكونت دي مونت كريستو والفرسان الثلاثة، الذي كان نجماً ساطعاً، على أيامه، تتواري إلى جانبه أسماء مثل فيكتور هوجو، أو بلزاك، الذي التقاه يوماً دوماس الأب على سلم المسرح، فقال له بلزاك إنه سيتجه إلى كتابة المسرح حين يشعر أن موهبته قد نضبت، فنصحه دوماس أن يبدأ في هذا على الفور إذن. الهالات الأسطورية تتبدد شيئاً فشيئاً مع كل صفحة تقريباً، حتى لو تغاضينا عن الصفات الشخصية العجيبة في صورة الأب، من تبجح وغرور وإهمال لطفليه ونسائه، فكيف يمكن أن نغفر اعتماده على مجهود بعض شباب الكتّاب والمؤرخين لسنوات طويلة وشراء أعمالهم وبيعها باسمه، إذ لم يكن أصحاب الصحف يثقون في اسم أي شاب جديد، ويعتبرون مجرد وجود اسم دوماس الابن على عمل هو ماركة مسجلة تضمن له الرواج.
غير أن الأكثر إثارة للتأمل في هذا الكتاب القديم الجميل ليس الفضائح والحكايات الجانبية العجيبة لشخصيات هذا العصر، بل هذا الامتزاج العجيب بين ظلال الفن وأصلها في الحياة، وكيف تؤثر الأحداث السياسية على ارتفاع نجم هذا الفنان أو تلك الممثلة، وكيف انعكست صورة ألفونسين بليسيس، في مسرحية غادة الكاميليا، لتصير أسطورة حيّة ونموذجاً على عصر بكامله، ثم كيف تبتعد تلك الصورة في تكاثرها عن الأصل شيئاً فشيئاً، حتى تكاد تذوب الحكاية الأصلية تحت طيّات الأوهام والأقوال وألعاب الفن. في هذا الكتاب تسافر المؤلفة في الاتجاه العكسي، فتزيل تلك الطيّات وتكشف حقيقة الأوضاع المخزية للمحظيات في ذلك العهد، ولعبة المجد التي ترفع وتخفض على عروش المسرح الفرنسي في لمح البصر، وحسب تعبير يحي حقي في مقدمته القصيرة المضيئة: “فاقرأ هذا كله وأنت تبتسم لضعف الإنسان وهوانه ولو كان على رأسه هالة من المجد.”