محمود أحمد على
(1)
فور أن جاءك خبر موتهما لم تستطيع أن تصدقه..
– يا الله..
رحت تقولها في حسرة وألم وأنت تحدق بشدة في خشبتي النعش، الواقفين على حيلهما أمام باب مستشفى فاقوس العام..
النعشان.. لا يفصل بينهما..
نعم..
لا يفصل بينهما سوى حوالي خمس أو عشرة سنتيمترات على الأكثر..
تمامًا مثلما كانا في الدنيا لا يفصل بينك وبينهما أي فاصل..
– برافو عليك أيها الموت..
رحت تقولها ساخرًا .. دامعًا وعيناك على الخشبتين..
– برافو عليك أيها الموت.. لقد نجحت نجاهًا باهرًا في أن تفرق بيني وبينهما.. ولكن لماذا أخذتهما هما تجديدًا..؟!
رغم أنك تعلم أنه لم يكن يفرق بيننا سوى ساعات النوم القليلة..
ورغم أنك تعلم أنهما كانا في طريقهم إلي، حتى يأخذاني معهما في السيارة، فلماذا أردت أن تنقلب بهما السيارة وحدهما..؟!
لماذا لم تتمهل قليلاً حتى أركب معهما..؟! لنموت سويًا، كما كنا في الدنيا سويًا ..
أجبني أيها الموت..
لماذا أخذتهما في هذا التوقيت تحديدًا..؟!
ولماذا هما تحديدًا..؟!
أنا لا أستطيع أن أعيش بدونهما..
لن يكون للحياة طعمًا أو رائحة جميلة بعد فراقهما..
تعود لصمتك تاركًا دموعك تنساب على خدك، ولحيتك الخفيفة..
وصدرك يعلو ويهبط، وكأنك في مارثون..
والسيجارة في يدك لم تطفأ منذ مجيئك، فقبل أن تموت السيجارة بين أصابعك، على الفور تخرج أخرى لتشعلها.. ظنًا منك أن ما تفعله يطفئ بركان غضبك المشتعل؛ من جراء موتهما المفاجئ، أو على الأقل يهدئ من روعك..
– ماذا أفعل..؟!
رحت تحدث بها نفسك في حيرة من أمرك..
– ماذا أفعل..؟! دقائق وسوف يخرجون بعد غسلهما.. دقائق وسوف تتحرك الخشبتان كلٌّ في اتجاه مغاير لدفنهما..
ترى من منهما أسير معه..؟!
وماذا سيكون حال صديقي الثاني..؟!
أنا لن أستطيع أن أتحمل نظرات حزنه ..
ماذا أفعل..؟!
الحيرة تقتلني..
هل أتوارى عند خروجهما، حتى أتجنب السير وراء أحدهما دون الآخر..؟! حتى لا أغضب أحدهما..
هذا حل جميل، ولكن كيف أتركهما دون أن أسير بجوارهما لأودعهما الوداع الأخير..؟!
كم أنت قاس أيها الموت..
كم أنت قاس أيها الموت في حكمك.. وفي قولك الفصل، الذي لا يقبل حكمًا آخر أو قولاً آخر..
أهالي وأقارب أصدقائك الواقفون بجوار النعشين ينظرون إليك وإلى حزنك وألم عن قرب..
(2)
داخل حجرة الغسل..
وقف المغسل في ذهول..
فمنذ دخولك عليهم، علت السعادة الغامرة وجهي صديقيك..
رحت أنت وصديقاك تتبادلون النظرات في سعادة غامرة..
(2)
النعشان صارا ثلاثة..
نعم ثلاثة..
صدمة حزنك الشديد لفراق الصديقين، جعلتك تسقط مكانك.. وفور الكشف عليك..
أعلن الطبيب سبب موتك المفاجئ بسكتة قلبية..
لقد فعلها الموت..
أسرع الموت ليقدم لك الحل..
الحل الوحيد لحيرتك، بعدما أبكته كلماتك لأول مرة.