يوم عادي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رشا عوالي

البوابة تغلق

الصوت المعدني يزعجك

تشكر الله أنك لست مصاباً بالتوحد

أو لعلك مصاب بالتوحد لكن أحداً لم يشخصك جيداً

تحدق في وجوه المجتمعين

بعضهم يشبهك

تذكر نفسك أنهم أعداء

تريد أن تقول لنفسك انهم جاؤوك من بلاد أخرى

لكنك تعرف أنك من جئتهم

ملعونة هي الساعة جئتهم بها

ملعونة كلعنة هذه الأرض التي لا تزهر بغير الدماء

العجوز أمامك ترمقك بنظرة تخترقك

تذكرك بنظرة السيدة في الصورة التي تعلقها أمك في غرفة الجلوس

أمك تقول إن السيدة في الصورة هي جدتك، وأن الصورة التقطها طبيب أسنان فرنسي كان مكلفاً بانتزاع الأسنان الذهبية من الجثث في اوشفتز

حين انتهت الحرب لم يتم إعدامه لارتكاب جرائم حرب

 لأنه استطاع إقناع الحلفاء أنه كان مجرد طبيب اسنان

 طبيب أسنان يا أبناء القحبة! كيف أقنعكم أن النازيين كانوا قلقين على صحة أسنان أولئك الذين يكدسونهم في غرف الغاز  

 هكذا تقول أمك و تقول إن جدتك لم تكن تملك أية أسنان ذهبية

 ولهذا ربما بقيت على قيد الحياة 

 لكنك لا تصدقها

 هل السيدة في الصورة هي جدتك حقاً

لطالماً راودتك الشكوك  

فأنت تعرف كم تحب أمك المبالغة

مثلاً حين كان عليك قضاء بعض الوقت في معبر إيريز

أخبرت العائلة أنك التحمت مع المخربين من مسافة صفر

رغم أنك في الواقع لم تلتق أياً منهم

كان حظك جيداً إذ اقتصرت مهمتك على القيام بجولات لحراسة الحدود من المهاجرين الأفارقة

طوال خدمتك في ايريز لم تلتق أيا من العرب

 المرة الوحيدة التي التقيت بها بعض منهم كانوا ضباطاً مصريين

 عرض عليك أحدهم لفافة من الحشيش، كنت أجبن من أن تأخذها

أمك تقول إنك بطل

الجميع يظن أنك بطل

العجوز لا زالت تتأملك، تعض على أصابعها وتراقبك 

تضغط بيدك على السلاح الذي تحمله

في محاولة لتذكيرها أنك من يملك السيطرة

مع أنك تعرف أنك لا تحتاج سلاحاً لقتلها

فهي أشبه بجثة مهترئة أغفلها الموت

يكفي أن تنفخ عليها لتتناثر كغبار مومياء فرعونية

تشكل تشكل البوابة تفتح تدلف منها فتاة

تذكرك بفتاة شاركتك سيارة اجرة من مطار رونالد ريغن حين ذهبت لزيارة اقارب لك في ارلنغتون، فعرضت عليها تقاسم سيارة الأجرة حين سمعتها تخبر أحدهم ان ينتظرها عند دوبونت سيركل

 طوال الطريق لم تتبادلا أرقام الهاتف ولا أطراف الحديث هي لم تحاول اختلاس نظرة منك وبدا أن نظراتك تزعجها ثم سمعتها تحدث رفيقها بالعبرية عن الأحمق المريب ذو الرائحة السيئة الذي قاسمها سيارة الأجرة، ولم يتوقف عن التحديق بها، حين هاتفك قريبك حرصت على الحديث معه بالإنجليزية فآخر ما تريده أن تعرف أنك فهمت كل كلمة قالتها عنك .

لا فرق كبير بين الفتاتين

لكلاهما نفس الطول ونفس الامتلاء غير أن الأخيرة تغطي رأسها بمنديل

 تشكل تشكل

 فتاة أخرى تمر هذه لا تشبه أياً منهن

  لعلها تشبهك

 لديكما ذات الشارب

 تبتسم للفكرة

 العجوز لا تزال تنتظر وتتمتم بكلمات لا تفهمها

 تستطيع أن تخبرها أن لا جدوى من الانتظار فهي لن تمر بأي حال

 لكن لماذا تخبرها

 هي لن تصدقك

 لو كانت جدتك لما صدقتك

 العجائز كلهن متشابهات

 الفتاة تسرع الخطى

 تلتحق بالفتاة قبلها، تلتفت إحداهما ناحيتك

 تلوح

 لفتاة قادمة 

تصيح بالعربية

تسرع الفتاة الخطا تجاهك

 العجوز تضحك

 وتسمر نظرها ناحيتك

 تلوح بسلاحك وتطلق الرصاص وكأنك في تدريب روتيني

حين تتوقف تجتاحك نوبه من الهلع

المزيد من الصراخ

المزيد من الرصاص

لماذا أطلقت الرصاص

كيف يكون انتزاع الحياة سهلاً لهذا الحد

ثلاث رصاصات، أربع رصاصات، لم تكن تعد

ثمة صفير في أذنك

لا تعرف هل تسبب به الرصاص أم الصراخ

الكثير من الجنود حولك

الفتاتان تصرخان

زميلك يصوب سلاحه تجاههما

يخبرهما أنهما ستلتحقان بالفتاة المسجاة إذا لم تخرسان

هما لم تخرسان، استبدلتا الصراخ بنشيج حاد وشهقات مكبوتة

العجوز تعض على كفها

جندي يجذبك من ياقتك

ينتزع سلاحك منك

ثم يدفعك باتجاه غرفة التفتيش

تجلس على الكرسي

تسمعهم يتحدثون لكنك تصغي بصعوبة

فالصفير يمنعك من الإصغاء

يضعون أمامك كوباً من الماء

وأنت ترتعد

لم يسبق لك أن شعرت بهذا القدر من الخوف

يعود أحدهم ليخبرك أن تغادر

تقول إلى أين

يقول المنزل

في المنزل

تشاهد نشرة الأخبار تتحدث عن فتاة هاجمت جندياً بسكين فقام بإطلاق الرصاص

يعرضون بضعة صور للسكين

يقولون ثلاث رصاصات

تتذكر أنها كانت  أربعاً

تنظر لصورة جدتك

تحدق فيها مطولاً

تتمنى لو أنها امتلكت أسناناً ذهبية.

 

مقالات من نفس القسم