ترجمة: خالد النجار
- مساء
كانت اذ تسقي الزهور تسمع الماء يتقاطر من
الشرفة
تبللت الألواح تعفّنت وبعد غد
إذا ما انهارت الشرفة، فسوف تظلّ هي معلقة في الهواء
هادئة، جميلة، ماسكة بين يديها
أصصي الجيرانيوم الكبيرين، وابتسامتها.
***
- بياض
حصى أبيض يمتد إلى بعيد، صفاء النهار
والذّاكرة، ولا أحد
هنا، إنّه البحر، وأنا أدري أنّي سوف أجلس
هنا
فوق هذه الصّخرة ـ قال وجلس فوق الصخرة
أثبت نظره في العمود الذي قبالته، إنّه إعلان حداد
كم هم متوحدون الأموات في عزّ الشمس.
***
- حكاية عابرة
قبّعة بحّار مبتلة
كانت تتأرجح فوق الأمواج
مثل خبز أسود ملقى
في زمن كان الناس فيه جوعى
إنّه زمن الحرب.
***
- المساء نفسه
عندما أضاء نور غرفته، أحسّ
في نفس اللحظة
أنّه هو نفسه حقيقة، في مجاله الخاص، ومنتزعا
من المطلق، ومن أغصان الليل الطويلة.
توقف امام المرآة ليبحث فيها عن شئ يؤكد ذلك
ولكن تلك المفاتيح
التي تتدلّى من عنقه، أكانت حقا مشدودة بخيط متسخ.
***
- الصيّاد العجوز
الآن قال ـ سوف لا أذهب إلى الصّيد
سأظلّ جالسا في المقهى أتطلع عبر النافذة إلى
الصيّادين الشبان وهم يدخلون بسلالهم
ويجلسون، يشربون ويثرثرون، ومن وراء الزجاج
يبدو للأسماك وميض آخر، بي رغبة أن اقول لهم
ذلك
وأن أحدّثهم عن ذاك الحوت، وعن خطاف
الصيد
المرشوق في ظهره، عن ظله ذي الصواري الثلاث
المنعكس في قاع البحر، عند الغروب. لم أحدّثهم
عن هذا
فهم لا يحبّون الدّلافين. وزجاج النافذة هذا
المتسخ بالملح، يجب تنظيفه.
***
- فنان ذاهل
رسّام.. في المساء رسم قطارا
انفصلت العربة الخلفية عن الورقة
وعادت لوحدها إلى المستودع.
داخل هذه العربة تحديدا
كان يوجد الرسّام.
***
- تبادل
وضعوا العربة في الحقل
وحملوا الحقل إلى المنزل
كان هناك تبادل لا نهائي يصيغ
دلالة الأشياء
المرأة تبادلت المكان مع السنونوة
استقرّت في العش وشرعت تزقزق
وجلست السّنونوة مكان شغل المرأة ونسجت
نجوما وعصافير واسماك وزهورا
وقوارب شراعيّة
لو تعرفين كم هو جميل فمك
لقبلتني في عينيّ حتّى لا اراه.
***
- المرأة الزّرقاء
غمست يدها في البحر
فصارت يدها زرقاء
وأعجبها ذلك
ألقت بجسدها كله في البحر
فصارت زرقاء
أزرق صوتها وصمتها.
المرأة الزّرقاء
كثيرون الذين أعجبوا بها
ولا أحد احبّها.
***
- ملمح إغريقي
بحر معتم، لا يحسّ تنفّسه في
الليل
القوارب الخاوية، مشدودة بالحبال ـ سرّها العميق
في صمت الألواح المبلولة، رجل ما
حكّ عود ثقاب
أشعل سيجارته، فتجلت ملامح
شاب في العشرين واقفا على المركب منذ ثلاثة آلاف سنة
نحن نعرفه (نفس تسريحة شعره
المردود إلى الخلف)
انزلقت نجمة وراء الصّواري المعتمة، اشتعلت
فأضاءت زهرة البحر المنحوتة وأضاءت الشعثة.
***
- صوت من الغرفة الأخرى
بطرس، نادته: أحضر مصباح النفط
لقد مرق عصفور إلى الغرفة، اسمعني
لم تكن الستارة، وقد رفعتها الريح
ولم يكن يشبه الماء في المغسلة
كان شيئا أكثر بياضا، أكثر بياضا، أكثر بياضا
بلحظة، لا مس خدّي فارتعبت
والآن ما العمل؟ أطفئ مصباح النفط.
***
- الحساب الأخير
يجيئون ليلا في صفّ طويل أولئك
الذين قتلناهم
يتطلعون حواليهم يجربون المفاتيح ويفتحون
الباب
يدخلون البيت، يتلمسون في الظلام
ولا يجدون شيئا
وأنت تحت السرير، ذاك السرير
الذي عليك أن تنام فوقه، ها أنت
تحمله فوق ظهرك، وخلف الستارة
يقف ظلّ النافذة مصلوبا
والأموات لم يعودوا يدركون لماذا ماتوا.
***
- معجزة
قبل أن ينام، وضع ساعته تحت
المخدّة
ثم ّنام، في الخارج كانت الرّيح تعصف، وأنت الذي
يدرك
الترابط العجيب للحركات البسيطة
تعرف
أنّه رجل، وساعته، والريح، ولا شيء آخر.
***
- رقّة
الشمس تتوارى، وزورق يدخل الميناء
لون ورديّ وذهبيّ وهدوء متبخّر مجداف
يلتمع، سلم حبال، مرجان
كلّ الأشياء بلا ثقل ـ حتّى الحجر والخشب
ومائل الحاجب الفضي للقمر، ونحيلة
اذ التمعت ثلاث أزرار في قميصك
والموت لا يكاد يوجد من شدّة اثيريّة الأشياء.
***
- ضوء القمر
شئ غريب ـ عندما نفخت الرّيح
ضوء القمر هذا
الجامد والسرّيّ
ورقــة مثقوبة
مشدودة في سلك الأفق، السلك الحديدي للأفق
عبرت مصفّرة الليل بأكمله.
***
- في التقريب يكمن الشعر هل تراه
يمسك في يديه اشياء مختلفة
حصى،
آجره مكسورة، علبتي كبريت محترقتين،
المسمار الصّدئ للجدار المواجه
ورقة الشجرة التي مرقت من النافذة، والقطرات
التي تتساقط من أصص الزّهور المرويّة، والقشّ
الذي حطّته رياح البارحة في شعرك ـ هي
التي ترفعه
وهناك، في الباحة، هناك تنبت ـ تقريبا ـ شجرة
وفي هذا ” التقريب ” يكمن الشّعر، هل تراه؟
***
- الشعر
وراء أشياء بسيطة اتخفّى
لكي تجدونني
وإن لم تجدوني هناك، فستجدون الأشياء
وتتلمسونها تلك التي لمستها يداي
وعبرها تتحد بصمات أيدينا
قمر آب يسطع في المطبخ
مثل قدر مقصدر (حتّى من خلال هذا احاوركم)
ويضئ المنول الخاوي، والصمت المقيم في المنزل
يظلّ الصّمت قائما
وكلّ كلمة هي منفذ
نحو لقاء كثيرا ما يفشل
وتكون كلمة حقيقيّة
عندما تنجح في تأكيد التّواصل.
***
- ليل قديم
في الأعلى خيّم الليل باكرا، ليل
شفّاف
أكثر اتساعا من النهار ـ غابة الزيتون غائمة الحدود
والاعشاب حرقتها الشمس بين الرخام.
والمسرح عار معلق في السفح وفوق الأرض
درع كبيرة ملقاة على ظهرها، لو تنزل الأمطار،
فستمتلئ بالماء، وعندها سيأتي السنونو، والزرافة،
والأسد، والثور، وكريزوتيموس، وكلاب حارس الغابة الثلاثة
والقمر كلهم ليشربوا منها.
***
- وداع
غرف شاسعة لقصور الاقطاع في الأرياف
مليئة بصفير البواخر البعيدة مليئة
بصليل النواقيس الهامدة وبالدقات العميقة
للساعات الجدارية القديمة. لا أحد يسكن هنا
سوى الخيالات وكمان معلق في الجدار
والأوراق النقدية التي لم تعد صالحة للاستعمال منثورة على الأرائك
في الليل
يهبط القمر يحاذي المرايا المتعبة
وبحركات شديدة البطء يوظب وراء البلور
صفارات وداع البواخر التي غرقت.
***
- نعود إلى ما تركنا
نعود إلى ما تركنا
إلى الذي تركنا وفي أيدينا
حزمة من المفاتيح لا تفتح
لا بابا ولا درجا ولا حقيبة
كنا نرج المفاتيح فترن في أيدينا وكنا نبتسم
لم يكن لنا أحد نخدعه
ولا حتى أنفسنا
***
- في أيام البرد القارس
في أيام البرد القارس
لا موقد ولا سجائر
بعود ثقاب أشعلوا النار في مخطوطاتهم
وأشرق الموت