ياسمينة وفرج

منة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

منة شتـا 

تعودنا رؤية الأشياء في مكانها. الأسماك بالماء. الطيور تحلق. الفاكهة على الشجر أو تقع على الأرض.

ماذا لو انقلب كل شيء؟ طار السمك، وعامت الطيور، وطفت الفاكهة كراود فضاء!

صدمة… أليس كذلك؟

يمكننا إذن تخيل صدمة أشجار الحديقة حين أعلنت شجيرة الياسمين الصغيرة أنها تريد أن تكبر لتصبح رحالة. هل سمع أحد بهذا؟

شجرة تسافر؟

“أنتِ آخر من يتحدث عن السفر”

هكذا سخرت منها الأشجار.

كانت تفرد فروعها في الهواء. تتمايل مع الرياح يمينًا ويسارًا وتضحك مغنيةً أنها تسافر وتطير.
تراها أمها فتردد: لماذا أنا يا ربي موعودة بهذه الشجرة العبيطة المتمردة؟ ثم تستغفر ربها سريعًا. عبثًا حاولت نصحها وإفهامها.
لكن ياسمينة الصغيرة – لاتزال طفلة  ولديها خيال الأطفال المجنون وعنادهم – تمسكت بأحلامها أكثر. لمَ لا؟ هي ترى زوار حديقة النباتات من السياح يأتون من كل بلد، لكلٍ منهم لون ولهجة وملابس وأشكال مختلفة، لماذا لا ترى العالم؟ يبدو مسليًا.

فرج الصغير أيضًا يحكي لها حكايات عن بلده. يأتي كل يوم ليبيع النايات التي يصنعونها في البيت. في أوقاتٍ أخرى يعود ومعه بعض الحلوى. عمره خمسة يعدها على يد. وجهه أسمر حلو يضحك لها.

تحدثت معه أول مرة أتى فيها يبيع النايات. للناي لحن حزين يحن إلى الشجر ويناديه، وفرج طفل… له روح أصفى من الفجر ومن نداء الناي. يفهم الشجر… والأحلام. تحدثا عن أحلامهما.
فرج أيضًا يحلم بأن يسافر ويطير. يحلم بأن يطارد النهار في كل بلد. فهو لا يحب الليل. في النهار يخرج ويلعب ويحدث الناس. أما في الليل فيتكوم في حجرة ضيقة مع اخوته وقد لا يكفيهم الطعام. في الليل يخاف ويبكي وينتظر الصباح.

تمر السنوات وفرج وياسمينة أصدقاء. حتى لو لم يعد طفلاً ولم يعد يسمعها.
يطير حولها طائرته الورقية ويحلم. قال لها سأصبح طيارًا. سأرى العالم وآخذك معي.
انتظرته طويلاً. جاءها ذات يومٍ حزينًا. أفلت طائرته ولم يتكلم. فهمت أن أحلامهما بعيدة. انتظرته وقتًا أطول لكن حضوره أصبح أقل. شهورًا متقطعة ثم سنوات. ذبلت حزنًا بانتظاره. تمنت قبل الموت أن تسافر معه. تحس بملمس الهواء ولا يهم ما بعد ذلك. وجاء.. اندهشا لرؤية بعضهما في هذه السن. كان هذه المرة مصممًا. معه رفشه وأدواته. نقلها بحرصٍ من الجذور إلى عربة نقل وتسللا. في الصباح الباكر كان فرج وياسمينة يطيران بالعربة وقد أحسا بملمس الأحلام أخيرًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون