ياسر عبد اللطيف: مكتسبات ثورة 25 يناير لا تتناسب مع دم الشباب الذي أريق

ياسر عبد اللطيف: مكتسبات ثورة 25 يناير لا تتناسب مع دم الشباب الذي أريق
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره ـ مصطفى رياض

يقيم الكاتب ياسر عبد اللطيف في كندا منذ عامين تقريباً، حيث يعمل في مجال الترجمة هناك، وهو شاعر، وقاص، وروائي مصري عمل في التلفزيون منذ عام 1998 في مجال كتابة البرامج، وله ديوانان شعريان ناس وأحجار، وجولة ليلية، ورواية بعنوان قانون الوراثة، وصدرت له مؤخراً مجموعة قصصية يونس في أحشاء الحوت، وكتب سيناريو الفيلم التسجيلي مواطن صالح من المعادي الذي عرض في أكثر من مهرجان في مصر وفرنسا وبلجيكا، وكتب سيناريو الفيلم التسجيلي طريق النسر عن الروائي المصري ادوار الخراط، وحصل على المركز الأول في جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري في الرواية والقصة القصيرة في عام 2005 .

حاوره ـ مصطفى رياض

يقيم الكاتب ياسر عبد اللطيف في كندا منذ عامين تقريباً، حيث يعمل في مجال الترجمة هناك، وهو شاعر، وقاص، وروائي مصري عمل في التلفزيون منذ عام 1998 في مجال كتابة البرامج، وله ديوانان شعريان ناس وأحجار، وجولة ليلية، ورواية بعنوان قانون الوراثة، وصدرت له مؤخراً مجموعة قصصية يونس في أحشاء الحوت، وكتب سيناريو الفيلم التسجيلي مواطن صالح من المعادي الذي عرض في أكثر من مهرجان في مصر وفرنسا وبلجيكا، وكتب سيناريو الفيلم التسجيلي طريق النسر عن الروائي المصري ادوار الخراط، وحصل على المركز الأول في جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري في الرواية والقصة القصيرة في عام 2005 .

 من كندا كيف ترى المشهد العام في مصر الآن؟

– ربما يستطيع الشخص الموجود في مكان بعيد فعلاً أن يرى المشهد على اتساعه، لكن مشاعره تكون أكثر اضطراباً وقلقاً من الشخص الموجود في قلب الأحداث، والمشهد في مصر الآن شديد العنف والغموض؛ فهناك قوى رجعية عدة تقود الثورة المضادة في مواجهة ثورة الشباب، وذلك أيضاً بدعم من قوى دولية وإقليمية، وهم يقفون بكل قواهم وأموالهم ضد الثوار ومطالبهم، فالمكتسبات التي تحققت حتى الآن لا تكافئ الدم الذي أريق والتضحيات التي قدمت، كما أن العديد من الأماكن التي تدور بها الأحداث في القاهرة تعني لي أشياء شخصية؛ فقد رُبيت في بيت جدي في حي عابدين بالقرب من مقر وزارة الداخلية، ومدرستي في الابتدائية كان بابها على شارع محمد محمود، وبعد أن تخرجت في الجامعة عملت في مبنى التلفزيون في ماسبيرو لذلك تنتابني مشاعر متشابكة جداً حين أرى تلك الأماكن التي تخصني وقد تحولت إلى ساحات لمذابح يموت فيها شباب في عمر الزهور لا يطالب سوى بالعدالة والحياة الكريمة بينما أتواجد الآن على بعد آلاف الأميال .

في مجموعتك القصصية يونس في أحشاء الحوت تحدثت كثيراً عن مكان عملك في مبنى الإذاعة والتلفزيون ماسبيرو . . فكيف ترى ما يحدث بداخله الآن وخارجه أيضا؟

– يعرف الجميع أن الدولة الأمنية تسيطر بقبضتها الحديدية على منظومة الإعلام، سواء أكان حكومياً أم خاصاً، وقد رأيت في ماسبيرو أثناء عملي أفضل العقول في جيلي تعاني من الإفقار والتهميش لصالح أصحاب الحظوة من الناجحين بمنطق السوق أو المقربين من الأجهزة، ولا يزال بالطبع الوضع كما هو بعد الثورة، ولم يحدث أي تغيير حقيقي داخل المبنى حتى الآن، للأسوأ، ووجود التلفزيون المصري بشكله الحالي بالطبع مستفز للجماهير، ولكن ثق أن خلف العشرات ممّن يروجون للأكاذيب عبر شاشاته هناك آلاف العاملين المقموعين من الصادقين والشرفاء .

في المجموعة ذاتها هناك اهتمام واضح بالذكريات، وكأن المجموعة عبارة عن حكايات البطل/ الراوي أو المواقف التي مر بها في حياته؟

– كل قصص المجموعة مكتوبة بضمير المتكلم، فتبدو كأنها مقاطع من سيرة ذاتية بينما هي ليست كذلك نهائياً، ومن الممكن أن تقول: إن هناك نسيجاً روائياً يمر عبر قصص المجموعة، أو أن هناك خلفية تبدو مشتركة بين بعض القصص، وهي تستند إلى تفاصيل قد تكون حقيقية بالفعل ولكن أكثرها مختلق ومتخيل، فعلى سبيل المثال يرد في الكتاب أن الراوي يعمل في التلفزيون المصري بماسبيرو، وهذه حقيقة واقعية في حياتي، لكن ما أرويه عن ماسبيرو في القصص ليس واقعياً بالمرة وأكثره من الخيال، واستخدمت صيغة ضمير المتكلم لأنني كنت أفضل الكتابة بها دائماً، ولأنها كانت الأنسب لنوع النصوص التي عالجتها في هذا الكتاب .

قصة إحراز الهدف من المجموعة هل نستطيع أن نقول إنها تعبر عن جيل تائه لم يكن يأبه قبل الثورة لشيء سوى الانعزال عن كل ما هو خارج ذاته؟

– ربما يكون هذا هو تفسيرك للقصة في ضوء قراءتها في أعقاب الثورة التي لا تزال مستمرة، لكن هذه القصة كُتبت قبل الثورة بنحو عام . وهي تحتمل هذه القراءة وإن كنت أفضل قراءتها بشكل مختلف، ولا أميل للقراءة السياسية القسرية لعمل أدبي، بمعنى أنك تريد أن تجد المعنى السياسي المباشر خلف العمل حتى لو لم يكن فيه، وذلك في ضوء الظرف التاريخي الذي نعيشه، ما أريد قوله هو أن كل نص في النهاية بإمكانه أن يكون وثيقة تاريخية عن لحظة ما، لكنها تكون تالية للقراءة الأدبية .

قصة أمثولة الكلب الأبيض أقرب لكتابات جاك لندن، فهل ترى أنه يوجد الآن من يهتم من القراء بالكتابات الرمزية التي يكون بطلها حيواناً؟

-لا أعرف كتابات جاك لندن، ولكن أعرف عشرات الكُتاب غيره ممن تناولوا موضوع الحيوان في أعمال أدبية بدايةً من كليلة ودمنة مروراً بحكايات لافونتين، وفي العصر الحديث تجد رواية كاملة لبول أوستر عن كلب، وحتى في أدبنا المصري المعاصر هناك حكاية على لسان كلب ليحيى الطاهر عبد الله، ولصديقي الشاعر الراحل أسامة الدناصوري قصة جميلة بعنوان كلبة العمروسية . وقصتي أمثولة الكلب الأبيض يمكنك أن تعتبرها قصة عن المدينة، أو عن جانب من المدينة أكثر منها أمثولة أو قصة رمزية، هي لا تأخذ من الأمثولة إلا الشكل الخارجي فقط كحجة لتحكي عن أشياء أخرى، وهي لا تحتوي على الطابع التعليمي للأمثولة .

بعض القصص تحوي في داخلها أكثر من قصة بعناوين فرعية كقصة لقاءات قريبة من النوع الرابع، لماذا؟

– العناوين الفرعية في بعض قصص مجموعة يونس في أحشاء الحوت تشير إلى نقلة واسعة في زمن ومكان الحكي؛ مثلاً في قصة أروى على الهواء هناك مقطع بعنوان المعادي شتاء 1985 يليه مقطع آخر بعنوان الجيزة خريف 1987 وهكذا، وهي تقنية استخدمتها في قصتين أو ثلاث فقط من قصص المجموعة العشر .

جيل السبعينات وما تلاه من أجيال يتهمون جيلك بأنه مغرق في الذاتية أو بمعنى آخر يكتب سيرته الذاتية، ما رأيك؟

– سأستعير فقرةً من كتاب الكاتب وكوابيسه للكاتب الأرجنتيني الكبير أرنستو ساباتو الذي يقول في هذا الصدد: ليس ثمة أمر أكثر خطأ من مطالبة الأدب بشهادة اجتماعية وسياسية، أن تكتب بكامل الحرية فهذا يعني ببساطة الكتابة من دون أي مطالب أخرى، وإذا كان الفنان يمتلك العمق فهو لا شك يعطي الشهادة على ذاته والعالم الذي يحيا فيه، وعلى المصير الإنساني، ولأن الإنسان مخلوق سياسي واقتصادي واجتماعي وميتافيزيقي فإن العمل الفني سيكون، وبالعمق الذي يناسبه بالشكل المباشر أو غير المباشر، علانية أم خفية وثيقة الكينونة في زمان ومكان محددين .

تكتب القصة القصيرة والرواية والشعر وسيناريوهات لأفلام تسجيلية ألا تجد أن هذا مرهق بالنسبة لك، أليس من الأفضل أن تتخصص في أحد الألوان الأدبية؟

– الكتابة هي الكتابة عندي أياً كان الشكل الأدبي، وقد سبق أن قلت في هذا الصدد إن هذا التنقل بين الشعر والسرد هو نزوع لاستخدام آليتين مختلفتين في الكتابة . وقد بدأتُ كتابة القصص القصيرة في مطلع التسعينات، ومنها جنحت نحو كتابة القصائد في وقت كان الشعر المصري يشهد تحولاً نحو قصيدة أكثر انفتاحاً على السرد، بتقليص النفس الغنائي المجازي ولعبة التشكيل اللغوي، وقلت في ما سبق إن فعل الكتابة نفسه يختلف من النص السردي للقصيدة، ففي السرد للّغة وظيفة واضحة ومحددة وهي أن تسرد، أما في الشعر فلّلغة دور أكبر وأعقد من ذلك، كما تعتمد الكتابة السردية على تراتبية منطقية تحكمها علاقات السببية في الأغلب، وهذا لا يكفي لصنع قصيدة، فأنت في الشعر تقارب الحدس وإيجاد علاقات لغوية جديدة، وإن كنت أشعر في النهاية باتصال بين نصوصي الشعرية والسردية كما ترتبط الأواني المستطرقة ببعضها عبر قناة تحتية، ومسألة ممارسة أكثر من نوع أدبي في الوقت نفسه لا أجد فيها أي غرابة، وكثير من الكتّاب فعلوا ذلك .

أما عن الكتابة للفيديو والأفلام التسجيلية فهي عملية ممتعة جداً، وقد مارست ذلك فترة طويلة أثناء عملي في التلفزيون . كما شاركت في صناعة بعض الأفلام خارج هذا الإطار منها فيلم عن الروائي إدوار الخراط كتبته لصالح قناة الجزيرة . لقد كان ذلك لفترة من حياتي هو العمل الأمثل بالنسبة لي لكسب العيش . وبإمكانك أن تضيف إلى ذلك نشاطي في الترجمة، فلدي العديد من الترجمات عن الفرنسية خاصة في مجال أدب الطفل والناشئة . وأنا حالياً أعيش من عملي كمترجم مستقل .

تكتب قصيدة النثر، ما رأيك في المعركة المطروحة الآن على الساحة الأدبية بين قصيدتي النثر والتفعيلة، وكيف ترى مقولة بعض الشعراء إن قصيدة النثر ماتت جماهيرياً والأفضل لمن يكتبونها العودة إلى التفعيلة؟

– المعركة حول قصيدة النثر قديمة جداً، وهي في الحقيقة معركة من طرف واحد لا تهم سوى أصحاب الاتجاهات المحافظة في الأدب، ممن لا يطيقون وجود خطاب مخالف لخطابهم، وهي آفة الرجعيين عموماً . وعلى العموم تنتظرنا جميعاً سواء كشعراء نثر أو تفعيلة أو كُتاب معارك من نوع آخر وأكثر شراسة . أما عن مقولة إن قصيدة النثر قد ماتت جماهيرياً فأقول إن قصيدة النثر لم تطمح يوماً أن تكون جماهيرية، ولا أن تحرك الجموع في أمسية يحتشد فيها الآلاف على طريقة أمسيات الراحل محمود درويش أو أمسيات الأبنودي، بل هي تستهدف قارئاً منفرداً ومتأملاً؛ وما وجودها في الندوات والأمسيات إلا وجود تكميلي لعملية التلقي .

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم