وخَلقنا نحن؟!

حاميد اليوسفي

يُروى والعهدة على الرواة، أن فقيها ورعا يؤم الناس بمسجد إحدى القرى النائية، ويُعلم أبناءهم القراءة والكتابة، ويُحفظهم القرآن الكريم.. يُغسل أمواتهم، ويُصلي عليهم، ويحتكم إليه الناس في قضايا الإرث والطلاق والزواج والمنازعات.. رغم أن ما يتقاضاه من أجر هزيل لا يسد الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة، فلم يروا منه سوى الخير..

حلّ وقت الانتخابات الجماعية، واتفقوا أنه لا بد أن يُقدموا مرشحا، ينطق بلسان حالهم، ويدافع عن مصالحهم، ويرفع مشاكلهم إلى الجهات المسؤولة..

تقدم مرشحان رفض أي منهما التنازل للآخر، فانقسمت حولهما القرية.. ولتجنب ما سيُخلفه هذا الانقسام من جروح وعداوة في المستقبل، أجمعوا على اختيار الفقيه، ورأوا بأنه خير من يمكن أن يقوم بهذا الدور، فكلّفوا ثلاثة منهم ليفتحوا معه الموضوع..

رفض الفقيه في البداية الفكرة، لكنهم ألحّوا عليه، فطلب مهلة للتفكير.. عادوا إليه في اليوم الموالي، وأمام الضغط، لم يجد بُدّا من قبول مقترحهم..

أعدّ الفقيه ملفّ الترشيح، ودفعه للجهات المختصة.. ثم بحث عن معلومات أولية حول مهام المستشار الجماعي.. مرت الحملة بسرعة، وجاء بعدها التصويت..

تفاجأ الفقيه يوم إعلان النتائج، بحصوله على صوت واحد هو صوته.. لم يصدق ما حصل.. قرر يوم صلاة الجمعة أن يُعدّ خطبة حول أخلاق أتباع الديانات السماوية الثلاث، يُلقيها على أهل القرية الذين خدعوه..

حج الناس إلى مسجد القرية وقت الصلاة.. منهم من يرتدي جلاليب خفيفة مختلفة الألوان، وإن كان أغلبها يميل إلى اللون الأبيض الممزوج بقليل من حمرة التراب التي لم ينفع معها أي مسحوق تصبين، ومنهم من يرتدي ثياب العمل.. أما النساء فقد بقين في البيوت يُحضّرن وجبة الكسكس..

بعد البسملة، وقراءة الفاتحة، وآيات من الذكر الحكيم، والتذكير ببعض نصوص الحديث الشريف التي تصف هذه الطوائف من نواح عدة، رأى أنه من الصعوبة تصنيف أهل القرية ضمن أي طائفة من أصحاب الكتاب، فقال:

ـ إن الله  خلق اليهود والنصارى والمسلمين وخلقنا نحن؟!

هذه المرة صدق حدسه.. فبعد نهاية الصلاة، لم يستضفه أحد لتناول طعام الكسكس، كما جرت العادة بذلك كل يوم جمعة..

.

مراكش 06 ماي 2024