وحش بنكهة زهرة صبار نارية

وحش بنكهة زهرة صبار نارية
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

تغريد فياض

كان يبكى بحرقة، ودموعه الساخنة تحرق روحه، وهو يتمتم "كيف قتلتها؟ كيف استطعت أن أطفئ نور حياتى، لقد كانت تتسلل إلى قلبى مثل نسمة الفجر فتفتح أقفاله"، استمر فى النواح طويلا، ولم يدرك كم مضى من الوقت وهو فى حداد عليها، حتى لاحظ أن الشتاء قد توارى خلف أشعة الشمس، وخرج من ردائها صيف شقىّ يدندن ويصفّر من بعيد، ويتقافز فوق الغيوم ليبددها، حينها، بكى هو أكثر، لأنه يعلم أن الصيف فصلها المفضل، هى الشقية، المشاكسة، وقبل كل شىء، طيبة.

لم يتصور قط أنه عندما يتخلص منها، سوف ينخلع قلبه الخشبى، الذى كانت تطرقه كل صباح بأناملها الحنون لتوقظه، فينهرها، لأنه يريد أن يغط أكثر فى النوم، كانت صديقته الوحيدة فى الكون، هو العملاق الضخم، بشعر كثيف يغطى جسده، وصوت هادر كموج، كان شعر رأسه كالأشواك، وله أنياب ومخالب ذئب، غير أن له عينان جميلتان، برّاقتان، تمتلآن شغفًا وحنانًا، كانت تلك العينان هما الشىء الوحيد الذى يجعلها تغفر له غضبه، وصوته الهادر، ونوبات الخوف التى تملؤها حين يصرخ مدويًا.

أفاق من غيبوبته ليجد دموعه متيبسة على حدقاته، ليته أنصت إليها حين طلبت منه مرارًا أن يهدأ، ويرى نفسه على صفحة الجدول الوحيد الصغير، الذى كان يمرّ بقربهما، حيث كانا يعيشان فى صحراء قاحلة، وعلى مسافة بعيدة منهما كانت ثلاث واحات، يقصدها فى أغلب الأحيان ليصطاد منها ما يأكله من طيور وغزلان، وكانت هى تبكى كلما جاء بإحدى فرائسه، تقول له “أرجوك كفّ عن صيد المخلوقات والتهامها، يمكنك أن تأكل الأعشاب والثمار البرية التى تحيط بنا، وهى كثيرة”، لكنه كان يجادلها قائلا أن لا شىء يشبعه غير اللحم الطازج، وأنه رحيم جدًا، فهو لا يأكل البشر والأطفال رغم توفرهم بكثرة فى الواحة.

ذات يوم، عاد من إحدى رحلات الصيد، ولم يجدها فى انتظاره، ناداها، لم ترد، كرر نداءه بغضب، وسرعان ما جُنّ جنونه، “أين أنت؟ كيف تجرؤين وتغادرين؟ لن تتصوّرى عقابى عندما أجدك”، فتّشَ عنها فى كل مكان بجنون وشوق، فهو لم يعتد غيابها عن عينيه، دائمًا كانت هناك، تنتظره طوال الوقت، تهدهده بعبيرها الطفولى الفوّاح، وكلما أحسّ بالتعب يسرى فى أوصاله، خدّرته ببشرته المخمليّة الحانية، ومسحت بِرِيقها السكرى جراحه، تلك التى يصاب بها جرّاء المعارك الكثيرة التى يخوضها ليحصل على فرائسه.

يبكى من جديد، يبكى طويلاً، ثم يخفت نحيبه تدريجيًا، وهو يقول “سامحينى، سامحينى، لم أكن أعلم أنكِ حياتى حين قتلتك”، يقولها ويفتح قبضة يده، فيظهر ما بداخلها، كان هو، الوحش، ذو القلب الخشبى، والعينان البرّاقتان، قد قطف تلك الزهرة الأرجوانية مخمليّة الأوراق، من نبتة الصبّار الشوكى الوحيدة، التى كانت تطل على الجدول المائى، حيث كانا يعيشان.

 

 

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال