يوتوبيا شخصية

مهاب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مهاب محمود 

في مخيلتي دومًا تصورات افتراضية لمواقف، وأحداث لم تتم على أرض الواقع، آخرها كان أنني اصطحبت بائعة متجر الكتب في نزهة ليلية، وصارحتها بكياسة شديدة، حين سألتني عن رأيي في الرواية المملة التي رشحتها لي، أن قراءتي المتعجلة هي السبب وراء عدم إعجابي بها، لاعيب في ذائقتها الأدبية.

مع الوقت، خلق تراكم تلك التخيلات الافتراضية، والأمنيات المعلقة، والاحتمالات التي لم نخترها، عالمًا كاملاً برمته متشابك الخطوط يوازي هذا العالم المفزع، والممل.

رسمت الأبعاد التي أفضلها للأشخاص من حولي، ورسمت مصائر متنوعة مختلفة تمامًا عن تلك التي انتهينا إليها. أبدل الشخصيات، والأشكال كما أود، وأتلاعب بالأدوار، في سبيل إنشاء حبكة درامية جميلة، ومثيرة تقضي على رتابة عالمنا الواقعي، وقسوته

حتى تكونت، في النهاية،  يوتوبيا شخصية مُحكمة.

فمثلًا هناك في عالمي الافتراضي الأيام تعالج أحلامنا الصبيانية برفق شديد، دون أن تحطمها، فتحطمنا معها. كما تُعلمنا أيضًا دون أن تصدمنا فجأة بالحقائق المؤسفة مظهرة لنا قدر سذاجتنا.

الأصدقاء هناك، في عالمي الشخصي، يختلفون، ويتشاجرون، وربما يهجرون بعضهم أيضًا لكن بحجج أكثر منطقية.

العشاق يفترقون، ربما للأبد، دون رجعة، لكن بلا حدة أو عداوة.

 القيم، والمبادئ الصالحة أكثر تماسكًا، وصلابةً مما هم عليه هنا. والأفكار الجيدة لها مساحتها المستحقة. المستضعفون، هناك، أكثر صبرًا، وأقوى إيمانًا كأنهم يعرفون بالضبط متى ستكون ساعة نصرتهم.

الثورات هناك غالبًا تنتصر، ولا تلتهم أبناءها تباعًا، لا تلتهم سوى الطغاة، والفسدة.

الذكريات حاضرة حتى الصغير منها لكن بلا زيف أو تجميل بحيث لاننخدع بالحنين إلى الماضي، ونتسلى بها عن المستقبل المنتظر.

الجميع يستشعر روح عمره، ويعيشه كما ينبغي.

الأشياء لا تفقد بريقها سريعًا في أعيوننا. والفرص الضائعة تكرر نفسها حتى يستغلها الحمقى

. الكتب رخيصة، ومتوفرة.

التدخين لايضر بالصحة.

الورود لا تذبل رغم أن فصل الشتاء هناك مُسيطر طوال العام.

الحروب موجودة لكنها ستنتهي لامحالة عما قريب، وإلى الأبد

. الموت أيضًا موجود، والحزن، والخوف كذلك، لكن الإنسان هناك في عالمي الافتراضي أكثر تسامحًا، وتفهمًا مع نفسه، ومع قوانين الحياة المفروضة عليه.

عالمي الإفتراضي الشخصي لا يخلو من الآلآم حيث أنها ضرورية لعملية التوازن، لكن الغلبة تكون دائمًا للخير. الهدف ليس أن نصنع حياة خالية من الآلآم إنما حياة لها مغزى غير تلك التي دمرناها، بحماقة شديدة، حتى فقدت معناها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب مصري

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون