مرزوق الحلبي
(إلى شادن ابنتي في يوم ميلادها)
هيَ الحياةُ أقلّ بكثيرٍ ممّا تقولُ الجدّةُ،
مخاتلةٌ كسنجابٍ في أعلَى الشجرةِ
تُبدّل رأيَها كمَا تُبدّلُ غيمةٌ شكلَهَا
تجري وتجري اللغاتُ وراءَها
دونَ طائلٍ
فلا تصدّقي ما يقولونَه فِي العيدِ
أو في احتفالاتِ المدارسِ
المدائنُ الفاضلةُ في خطاباتهم تعجُّ بالسراديبِ
والجرذانِ
والتعاريصِ
والتافهينَ
وأدعية الذين يحلّلون الحرامَ
***
هي الحياةُ أكثرُ قُبحًا مِمَّا تقولُ أغنيةُ الصباحِ
نَكِدةٌ كرَملٍ مالحٍ يملأ به الموجُ أفواهَنا ويمضِي
ستنتهي الأغنيةُ
ويساومُنا السماسرةُ الواقفون في بابِ البيتِ
علَى جهةِ السيرِ
على خطوِنَا،
وعلَى الوردِ الذي نُربّيه في قلوبِنا للأحبّةِ
يُسجّلونَ فصيلةَ دمِنا فِي السجلّاتِ،
ويرصدون مواعيدَنا
يقيسونَ المسافات ويثبّتون الغيمَ بالمساميرِ كي لا يمرُّ فوقَ حقولِنا
فلا تُصدّقي بعدَ الآنَ الأغنياتِ السعيدةَ
في الصباحاتِ!
**
الحياةُ في العادةِ مقيتةٌ
كرائحةِ المخمورينَ
تسيرُ كمَا يسيرونَ
وتهذِي
فلا تلمّي كلامَها إذا قالتْ إنها تُحبّكِ،
الحبُّ خدعةٌ تُخفي رغبةً في التملّكِ.
ولا تصدّقي إن أعطتكِ من كُحلِهَا،
تُعطِيكِ لتأخذَ عينيكِ!
ولا تصدّقي إذا قالتْ كلامًا طيّبًا
الحياةُ عادةً مشروطةٌ بالموتِ
فلا تذهبِي حيثُ تذهبُ
ولا تنامي حيث تُقيمُ
**
في الحياةِ متّسعٌ لكلِّ شيء
يقولُ لكِ الجالسون على عتباتِ الوقتِ
كي تجلسي مثلَهم
وتألفي القهرَ
والمجازرَ
وصورَ أبطالِهَا
والطوابيرَ إلى الخبزِ
وأرقامَ الذينَ في الأقبيةِ
ولُغاتٍ في مديحِ السلاطينِ
سيُحاولُ كلُّ واحدٍ منهم أن يبيعَكِ
الحياةَ التي في جُعبتِهِ
فهلْ تشترِين حيواتٍ تلفَتْ دواليبُهَا
وأسنانُها؟
**
ها أنتِ رأيتِ كيفَ تسير قصيدَتي منذ البدايةِ إلى طريقٍ مسدودةٍ
أمّا حياتُكِ فهي نصّ مفتوحٌ
على التأليفِ
والتأويلِ
فاحرصي ألّا تكونَ كحياتِنا نحن،
رماديّةً
كالرصاصِ
للتذكيرِ،
في طفولتكِ، كُنتِ مغرمةً بالفساتين الملوّنةِ
وكنتِ تصطحبينَ “يُمنَى” إلى كلِّ مكانٍ
وكنّا نرقصُ معًا على كلِّ إيقاعٍ يأتينا
ونضحكُ.
..
(حزيران)