محمد العبادي
انتهى موسم الجوائز السينمائية السنوي بحفل إعلان جوائز الأوسكار.. انفض الموسم بكل ما فيه من ضجة.
ربما يكون الآن، بعد هدوء صخب الكاميرات وانجلاء الغبار الإعلامي، ربما يكون هو الوقت الأنسب لتحليل موسم الجوائز عموما والأوسكار خصوصا بشكل أكثر هدوءا وحيادية.. ليس تحليل الجوائز من منطلق الفوز والخسارة.. بل الأهم تحليل التوجه العام للجائزة والتطور والتغيرات في “ذائقة الأكاديمية”
فالأوسكار خصوصا لا تكون نتائجه هي انعكاس للجوانب الفنية في افلام السنة فقط.. بل النتائج تعبر بنسبة أكبر عن “التوجهات العامة” للأكاديمية.. هذا العام بالذات شهد تغيرا ملحوظا في التوجهات العامة للجائزة.. ما قد يعني تغيرا في خريطة الرأي العام لأعضاء الأكاديمية.
أكثر عالمية/ أقل محلية: ربما الحدث الأبرز في جوائز هذا العام هو فوز الفيلم الكوري “طفيلي” بأربعة جوائز أوسكار، يتوجها جائزة أحسن فيلم، وهو الفوز الذي اعتبره كثيرون تغيرا كبيرا في وجهة الرأي العام للأوسكار.. من ناحية هو اختيار أكثر “عالمية” بينما دأبت الأكاديمية دوما على تفضيل الأفلام الأكثر “أمريكية” للفوز بجوائزها – وخصوصا جائزة أحسن فيلم – ومن ناحية أخرى لأن اختيار “طفيلي” هو تفضيل لفيلم ذي ميزانية محدودة على أفلام الميزانية الضخمة.. فرغم ميزانيته المليونية إلا أنها لا تتخطى عُشر ميزانية “1917” مثلا.
لكن بالرغم من كل الضجة المثارة على فوز “طفيلي” فلا يمكننا اعتبار نجاحه هو تغيير جذري أو ثوري في ذائقة الأوسكار.. فالفيلم لازال في سياق السينما التجارية ذات الإنتاج الضخم ولا يمكن اعتباره فيلما تجريبيا أو مستقلا.. كذلك دأبت الأكاديمية عبر تاريخها على محاولة تسويق جائزتها على أنها جائزة “عالمية” رغم كونها جائزة محلية أمريكية في الأساس، ربما لهذا خصصت الأكاديمية جائزة مستقلة للأفلام “الأجنبية” منذ مرحلة مبكرة في عمر الجائزة (عام 1947). أيضا لدينا العديد من الفئات التي سيطر عليها غير الأمريكيين .. حتى أننا نجد فائزا أمريكيا واحدا في فئة الإخراج خلال العقد الأخير.
على الجانب الآخر بدا الاهتمام بالروح الأمريكية “باهتا” هذا العام.. فنجد ترشيحات محدودة للأفلام ذات المواضيع الأمريكية.. ربما الأبرز هو “قصة زواج” بست ترشيحات لم يحصل منها سوى على فوز واحد.
نسيان الأقليات:
على مدى السنوات الماضية تصاعدت قيمة الأقليات العرقية والاجتماعية في أفلام الأوسكار.. فبدت مواضيع الملونين والمثليين كما لو كانت أوراقا رابحة للترشح والفوز بالأوسكار في العقد الأخير.. لكن هذا العام شهد انحسارا ملحوظا لنصيب الملونين والمثليين في الجوائز.. ربما يكون هذا انعكاسا لانحسار “المحلية الأمريكية” وصوابيتها السياسية.
ترضية المرأة:
لكن يبقى جانب آخر من صوابية اختيارات الجائزة.. هو ما يمكن أن نسميه بالصوابية الجنسية.. كانت الأوسكار دوما في مرمى الانتقادات بخصوص قلة عدد النساء الفائزات بالأوسكار بالمقارنة بالفائزين.. ربما هذا ما يفسر الاهتمام الإعلامي الكبير بحصول امرأة على جائزة أوسكار أحسن موسيقى تصويرية لأول مرة منذ أكثر من عشرين عاما.. ففوز الأيسليندية “هيلدر جودنادوتر” بالجائزة عن موسيقى “جوكر” هو الفوز الأول لامرأة في هذه الفئة منذ عام 1997 حين فازت آن ددلي بالجائزة عن “كل ما هو مطلوب”. 1997.
لا يعني طرحي هذا أن فوز “جودنادوتر” بالجائزة لم يكن مستحقا.. لكن الحقيقة أنه تم استغلاله اعلاميا على مدى واسع لترسيخ فكرة تقدير الأوسكار للمرأة.. وكأنما الأوسكار هذا العام توقفت عن الخوف من جماعات الضغط للملونين والمثليين, لكن رعبها تضاعف من ضغط النسويين…
تبقى المشكلة الحقيقية هي أن الجائزة لا تذهب بالضرورة للأكثر قيمة فنيا.. بل تخضع الجائزة لحسابات وأهواء جمة.