وضع الشيخ النحيف منحني الظهر العصا على الباب من الخارج بعد غلقه، ذهب ليقضى بعض حوائجه تاركًا الصغار يرددون آيات القرآن بين جنبات الكتاب، صوتهم بالداخل كطنين النحل، الكل يجتهد في حفظ النص القرآني المكلف به.
يأتي من الخارج متكئا على عصاه ،وضعها بجانبه،بعد أن استوى على الحصير، واعتدل في جلسته، يمسك بالمنديل القماش، يبصق فيه البلغم اللعين الذي تمتليء به رئتاه، وبجانبه العصا، يغفو للحظات وأمامه حفيده يسمع له النص، يتعثر؛ يجد العصا قد هوت على جسده؛ فيأخذه العجب الشيخ قد أخذته سنة من النوم، فكيف عرف أنه أخطأ؟!
بعد أذان الظهر ينصرف الصغار إلى بيوتهم إلا هو في بعض الأحيان يظل ليكمل حفظ النص الذي تعثر في حفظه، يسرح بخياله، ويتمنى أن يكون جده تاجرًا أو موظفًا ليس شيخًا يجلس في الكتاب، يُحفظ القرآن للصغار، ويرغمه على حفظه.. آه لو كنت حفيدًا لتاجرٍ؛ لذهبت معه إلى محل تجارته، واستمتعت باللعب والحلوى، ورؤية الباعة والناس.
ينظر للعصا؛ فترتعد فرائصه، يعرفها جيدًا. فجسده يمتلئ بآثارها. يكرهها لأنها سبب تعاسته، وعدوه اللدود الذي يوشى به دائمًا للشيخ، ويخبره عن كل صغيرة وكبيرة في غيابه وحتى في حضوره وأثناء نومه.
عقد العزم على التخلص منها، بعد انصراف الصغار إلى بيوتهم، ذهب الشيخ لأداء صلاة الظهر، الآن الفرصة مواتية للتخلص من تلك اللعينة إلى الأبد، الشيخ قد تركها ع الحصير، ينظر إليها من بعيد، يقترب منها شيئًا فشيئًا، وهو يرتعد، الغرفة قد تلاشت أمامه، لا يرى إلا العصا تقف منتصبة، وقد نبتت في أعلاها عين وتشعب من جانبيها يدان، وخرج منها لسان، رجع الشيخ من صلاته، فيجده واقفًا لا يتحرك وكأنه زرع في هذا المكان، وعيناه شاخصتان إلى العصا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص مصري
صدر له عمى العدسات – مجموعة قصصية – مركز همت ﻻشين للثقافة واﻹبداع – 2013 مصر
القصة من مجموعة (سفر التدني) تصدر قريبًا عن روافد