هدى المبارك: الشعر هو الإنسان

هدى المبارك
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
حاورها: حسام معروف
يتجه الشعر دوما نحو نقطة مركزية في عمق الحدث، تسليط مكثف من المشاعر نحو بؤرة الشيء، تقليب واكتشاف، تخليق  وإعادة تدوير، هذا الميكانيزم هو ما يحدد مستقبل المرء مع هذا الكوكب الدائم التغير، وكذلك الإنسان. معركة هادئة هو الشعر، بلا ضحايا أو قتلى، لكن هنالك  مجانين دوما مصطفين على الأرصفة، يصفقون لاختراق ذواتهم.
عن تجربة الشعر ومشاويره الغامضة كان لنا هذا الحوار مع الشاعرة السعودية هدى المبارك، حول تجربتها الشعرية.

●كيف يمكن اعتبار ما قبل البدء في الكتابة مرحلة إعداد للشاعر؟ هل هذا موضوعي؟ أم أن الكتابة تنطلق بالصدفة.

الإنتاج الإبداعي لا يهّيئ بل يوجّه هذا إن أردنا اعتبار الشاعر منتجا إبداعيا، أما على صعيد الحصيدة اللغوية واللون فمرحلة التهيئة تكمن في القراءة والمشاهدات المبكرة، والتلقي العام المحيط بالناشئ والدعم الذي يتلقاه. وحقيقة لا أستطيع القول إن الكتابة تّخلق بالصدفة أم تَخلقها؟ بل السؤال هنا هل الكاتب مرّ بصدفة جعلته يكتشف أنه كاتبا وما هو المناخ؟ عن تجربة شخصية المنزل الذي ترعرعت فيه كان مهيئ لي المناخ المناسب للاطلاع على أدب الطفل في مرحلة الطفولة وتجارب شعرية وأدبية متعددة في فترة ما بعد الطفولة، وبعد مقدرتي على الكتابة ظهرت براعم الملكة على التعبير ودمج الخيال بالكتابة، الصدفة التي مرّت بيّ هي تواصلي مع والدي الراحل من خلال أشعاره التي بدأتُ بقراءتها في يومياته. 
● صوتك الشعري ملتصق جدا بجوهر الإنسان، هل قيمة الشعر تتحدد بقربه أو بعده عن الإنسان؟ أم أن الهوامش أيضا تمتلك ذات العمق؟ 
الشعر هو الانسان، كيف يوثّق الشعور حول موضوع معين سواء كان هامشي أو غيره وكيف تأثيره على نفس المتلقيّ، فما هو أساسي بالنسبة لشاعر معيّن ربما يكون هامشي للمتلقي أو حتى لشاعر آخر، والعكس صحيح. ولهذا كل هامش مكّن الشاعر من كتابة قصيدة أو حتى شذرة فهو يستحق الاهتمام. 
● تقولين في قصيدة “ركن القمر” في مجموعة “انزلاق” الصادرة عن دار رواشن 2018 : “أنا فتاة بحذاء عال/ لا تستطيع حمل حقيبة/لا تستطيع صعود السلم/ نكبر وهذا العالم يكبر/وحشة تكبر”. كيف تكون الكتابة فعل ضعف؟ وكيف تكون فعل قوة؟
تكون الكتابة فعل ضعف ان قننها الشاعر في مواضيع تخدم غايات سطحية لا صلة لها بالنتاج الإبداعي وللأسف هذا محسوب على الشعر نفسه. يكون فعل قوة عندما يكتب الانسان بشموليته، ويضيف طعما مختلفا للحياة ترتفع فيها الروح لمكان سامي حتى لو بيّن فيها الشاعر ضعفه. 
●ماذا أضاف العالم الافتراضي للشعر؟ وماذا انتقص منه؟
تقارب المجتمع الشعري بحيث يسهل على الشاعر الوصول والتعارف على أصوات جديدة من كل بقاع العالم، تسهيل العمل المشترك بين لغات مختلفة “الترجمة”، تبادل الآراء حول القصيدة التي تساعد على تطوير النص ونضوجه كما لو كنّا في مهرجان شعري غير منتهي، وهذا ما شهدناه في جائحة كورونا، إذ أن المجتمع الثقافي أصبح أكثر تقاربا ونشاطا، ومكّن من حضور شتى الأمسيات والمشاركين بطريقة أسهل وأكثر فاعلية من أرض الواقع كمثال على ما أضافه العالم الافتراضي، مهرجان رواشن للشعر، والملتقيات الشعرية وغيرها..  حقيقة أنا جيل العالم الافتراضي فلا أدري كيف كان العالم الشعري قبلها وماذا انتقص منه، لكن أستطيع القول مثل ما انتقص من كل عالم آخر غير عالم الشعر، الرسائل الورقية وخط اليد! 
●كيف تأثر الشاعر باحتكاكه بالجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي؟ 
الشاعر بطبيعته يجد ذاته حول الشعر، احتكاكه بالجمهور جعله يخرج قليلا من هذه الطبيعة، ربما التفاعل الذي يجده من الجمهور قد يرفع معنوياته في يوم عصيب، تجعله يشعر بالطاقة الجميلة التي تكتسي أي انسان عندما يشعر بالإنجاز والحب فيدفعه لتقديم أفضل ما لديه. 
●من الملفت أنك تخليت عن صوت المرأة كأيدولوجية فكرية في نصوصك، وتناولتِ الإنسان بعموميته في معملك الشعري، ماذا عن النسوية الشعرية؟
الشعر من الفنون الانسانية، النسوية في معناها الحقيقي قائمة على مبادئ إنسانية بحتة، لا يمكن للصوت أن ينسل من صاحبه ولا يمكن للصوت أن ينحصر بأيدولوجية معينة لمجرّد أنه صوت تابع لجنس معين، اللغة للجميع، والشعر في كل لغة. 
●تعتمدين على الشعر بحالته التسريدية أحيانا، لكن دوما هنالك جملة مختزلة تشعل نصك، هل هذه التعددية تلغي مقولة: “الشعر فن الحذف”، أي التكثيف الدائم؟.
لديّ نفس سرديّ تلقائي، وإن كانت قصيدة النثر تعتمد على التكثيف، السرد باعتمادي عليه غيمة تحمل النص من تكثيف إلى آخر بنسب متفاوتة تخدم النص شعرا وفكرا. 
الفكرة في نص هدى المبارك على الدوم تخليقية، كيف تتشكل ثروة الشاعرة مع الأفكار؟ ما هي أدواتك لتخليق فكرة جذابة؟ 
الثروة تشحذ كصورة ذهنية لأحداث، وذكريات، الأحلام لها جزء كبير أيضا، أغنية أو معزوفة، اندماج الإحساس الداخلي مع منظر طبيعي، النداء الداخلي لمشاعر تكوّنت في لحظة ما. أما أدواتي فهي دمج المشاعر مع الحدث أو الشيء بعد الاقتناص بتمهّل واخضاعه للمعنى المراد، والحفاظ على بساطة الفكرة واعطائها مساحة للنضوج! 
● هل مسابقات الشعر في العالم تعطي للشعر مكانة إضافية؟ أم ان الشعر يدور في فلكه الخاص؟
الإنسان يحتاج التقدير وهذا ما أضافه للمجتمع الشعري وأيضا هي وسيلة إعلامية في تسليط الضوء على الشاعر واظهاره على نطاق أوسع للعالم. عن تجربة شخصية مشاركتي وترشحي في بداياتي في إحدى المسابقات أعطتني الثقة بأني في المسار الصحيح، وأعتقد أن أي شاعر واعد يطمح أن يحصل على تربيت كتف تشجيعية.  فلك الشعر يدور حول أفلاك الحياة كلها دون أن يُدرك وجوده كـ كيان مستقل. 
● في نهاية مجموعة انزلاق هناك نص خاص جدا تقولين فيه “تم حذف الرسالة”. هل يعجز الشعر أحيانا عن قول شيء داخل الإنسان؟ ومتى ذلك يكون؟

دائما هناك كلام لا يقال بل يصل. وقد يختار الشاعر نفسه بأن لا يقوله لأسباب مختلفة، يكون عندما تتزاحم المشاعر فلا تستطيع اختيار الأنسب لك، أو الأفضل للنص.

……………….
يذكر أن هدى المبارك حصلت على المركز الثاني في مسابقة الشعر المنبرية عام 2009، ونشر لها قصائد في العديد من الصحف العريية، كما وترجمت قصائدها للسويدية بعد مشاركتها في يوم الشعر العالمي 2015. كما وصدر لها مجموعة بعنوان “ضبابية متعمدة في كاميرا المحمول”عام 2014 ومجموعة “انزلاق”عن دار رواشن للنشر عام 2019. 

مقالات من نفس القسم