لم أعتز بمجايلة كاتب قدر اعتزازي بهاني عبد المريد ، هكذا نتهامس نحن أصدقاءه – نقول دائما في حضرة هاني أو غيابه “الولد ده كاتب كبير“.
لهاني رواية أخرى غير” كيرياليسون “هي ” عمود رخامي في منتصف الحلبة” صدرت عام 2002 ، تحكي عن شاب ينتظر حبيبته في ميدان بجوار عمود رخامي ، الرواية تبدأ هناك وتنتهي هناك في حوار من طرف واحد يسمعه الذي يقوله ونتلصص نحن عليه ، وعلى عالمه .
رواية بسيطة وممتلئة بالجمال والتفاصيل والألم ، تماما كما كانت ” كيريالسيون لبطل وحيد في مكان مغلق يتحدث موجها كلامه لأحد غير موجود .
الغياب والتيه ، والمأزق المكاني والنفسي حاضر عند أبطال هاني ، يتسرسب بقوة وعفوية لنا ، يحتجزنا ويشعرنا برهاب العزلة والوحدة .
بطل جديد ، غير مستهلك، يخصه ، يخرج من روحه صادقا وحقيقيا وجديدا.
رغم ضعفه وارتباكه ، يشير لنا على جروحنا ونقاط ضعفنا ، يلقى امامنا بشر من لحم ودم ، وأزمات ، وحكايات سخية ، متماسكة ومؤلمة .
ثمة حياة في هذه الكتابة ، لم أجد مثل تنوعها وثراءها وصخبها في كتابة احد آخر من هذا الجيل ، خاصة في المجموعات القصصية .
لهاني عبد المريد مجموعتين هما “شجرة جافة للصلب” ، “إغماءة داخل تابوت “
أنا احب شجرة جافة للصلب ، رغم انها أول أعماله المنشورة بسلسلة الكتاب الأول ، لكنها بدت تجربة أولى مكتملة بلغة راقية ، مجموعة بها تجريب كاتب محترف ، بدءا بقصة الخلق الذي ابتدعها في مفتتح المجموعة حيث بوكا الذي لم يبك ابدا ، وكان اول شعبه ، مرورا بالأزرق الانهائي الذي كان في الأصل جمال إمرأه ..
بينما تصل مجموعته الثانية ” إغماءة داخل تابوت” ، ممتلئة بالحكايات والرسائل نصفها كتبه على الورق وجزءها المختفي تركه لنا لنعيد كتابته ونختار ما يناسبنا من نصوصه تلك .
تنسكب روح هاني ، وشجنه المختفي في طيات روحه على الورق ، ينسكب كتابة جميلة ، وشجن شفيف يملأ أرواحنا بخدوش لا يداويها شئ .
لهاني مجموعة جديدة على وشك الصدورو هي ” أساطير الأولين” عن دار ميريت للنشر ، وهي حكايات لبشر آخرين، متماسكة وشجية وممتعة ككل ما كتبه .
تفيض عذوبة وإنسانية، لم أعرف بعد ما الذي كتبه في تصديرها كإهداء
لا يعرف هاني اني أحب تصديرات كتبه ، وانه كان صديقي منذ وقت طويل ، لكنه أصبح صديقي أكثر لأجل إهداءات كتبه تلك.
نحن نطمئن عندما يكون لنا اصدقاء يملكون ذلك الصفاء لكتابة إهداء كتاب لإخوة أحتملوا إضاءة نور الحجرة ليلا ، ولأم واب ولرفيقة درب وزوجة.
صديقي الذي من لحم ودم وكلمات ، يتعايش بنبل وصبر مع كونه كاتبا ، يحتمل ارق الكتابة وأوجاعها دون أن يلحظ أحد ممن حوله ذلك ، يتظاهر بانه يشبه كل من يتعامل معهم في الحياة ، ويخفي سره الصغير، حتى يكتمل قمرا وكتابا جديدا، لحظتها يمارس لعبته كساحر قديم ، ويبوح دون أن يقصد بقصة الخلق التي تبدأ عنده وتنتهي عندنا محبي كتابته وعوالمه الشديدة الطيبة مثله.
…………
* نشرت في مدونة كراكيب بتاريخ 15أكتوبر 2011