عن دار روايات بالإمارات العربية صدرت رواية رايات الموتى لكاتبها هاني القط, وهي رواية مصائر إنسانية متقاطعة, تتخذ من حادثة الأقصر عام 1997تكئه, تتوزع أماكنها ما بين غرب وشرق. بلغة سردية شفيفة يقود القدر شاعر إنجليزي يدعى “ويليام سميث” إلى خضم الحادثة, وتبدأ الرواية في تضفير شخصياتها لتضيء شيئًا فشيئًا, فيظهر جليًا أثر الأحداث في تشكل المصائر, ومن خلال السرد تؤثر كل شخصية في مسار حياة الشخصية الأخرى دون أن تدري, ويظهر ذلك في بداية الرواية من مكالمة موظف الاستقبال في الفندق لويليام, حيث ستلقي تلك المكالمة بويليام سميث في المذبحة دون أن يقصد الموظف!
ترصد الرواية قصة القاتل سعيد, منذ ضبطته الشرطة في قضية تحرش, والتي كانت السبب في تجنيده داخل الجماعة الاسلامية لمعرفته بالقيادي أبي مصعب, حتى الليلة التي قام فيها وستة آخرون بالحادثة. وذلك بالتوازي مع قصة الشاعر ويليام سميث لتشتبك الحكايتان والعالمان من خلال تفاعل الشخصيات. فتتزوج زينب تلك الفتاة التي خاصمها الفرح من سعيد, ويُجَنِد الشيخ مصعب سعيد في الجماعة الإسلامية, وتتفاعل جاسمين بريان مع موظف الاستقبال الذي سيمدها بمعلومات عن الحادثة, إلى جانب حكاية متقاطعة أبطالها أحمد الرفاعي مرشد الفوج وحبيب زينب القديم, وكذلك جانيت زوجة الشاعر وأيضًا البروفيسور مالك الإدريسي الجراح المشهور, لتدور الأحداث ما بين القاهرة ولندن والأقصر تنسجها خيوط حرير بين كل الأبطال.
الرواية تتحدث عن بشر ولا تتحدث عن حادثة, فقط اتخذت من الحادثة ذريعة لخلق عالم الرواية, فتكشف عوالم الرواية وشخوصها عن عالم أكبر, وعلى الرغم من كل التوقعات بموت أحد الأبطال فإن القدر ينجيه ليكتب قصته وقصة الآخرين كاملة.
من أجواء الرواية ” في صحن المدينة الجنائزية غرب طيبة, بعد ساعتين من عبور الشمس خارج بوابات الظلام؛ اخترقت طلقة نارية كتف الشاعر الإنجليزى “ويليام سميث”, الواقف يتملى بدهشة المقابر المنحوتة في الصخر. مهابة المكان هيَّأته للمفاجأة. البهاء الصامت من حوله, لفه ضوء شفيف, راح يتأرجح بين الأعمدة ويبرق في النقوش, لتنعكس ألوانه أحدَّ من النصال. أحس ويليام أن أطرافه ثقيلة, وسرت الحرارة من النقطة التي اخترقتها الطلقة, حتى امتدت في كامل جسده, لتفر الدماء منه, لائذة بالرمل الشره.
بشيء من الوعي, استطاع التقاط أطيافٍ مما يدور حوله. الوجوه تصرخ بلا جدوى, البعض أُغشي عليهم, والبعض وضعوا أكفهم المرتعشة على رؤوسهم من الذهول, وبعيونهم فتيل من الأمل في النجاة, تمدد الباقي على الرمال مذعورًا من صوت الطلقات المجنونة, التي انهمرت من فوهات الرشاشات الآلية. الوجوه التي قنصها الموت؛ تناثرت هنا وهناك مثل الفراش المبثوث.”
ومن أجواء الرواية أيضًا
” تخفف العنبر من كل صوت ومن أي ضجيج. الزائرون اختفوا من المكان والمرضى تفرقوا مابين نائم من التعب وما بين مهادن للألم, لأول مرة يحمل الهجير كل هذه الطمأنينة. لاتزال أظافره تنشب في جسدها دون إحداث ألم, ثمة نسمة عابرة تلوح لها بالفكرة, تحرك مؤشر الراديو فيصدح الشيخ عبد الباسط في أعذب مايكون الوجع:
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ…نسيم رطب يهب على جوانح الروح.
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ… الأصابع القاسية ترتخي.
فِيهَا مِصْبَاحٌ…الروح المأزومة تنفلت.
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ… الرنين الحاد يخفت ثم يستحيل إلى مس رفيق.
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ… تنظر إلى النافذة البعيدة.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ…مالك الحزين يهجر الشجرة إلى الأرض, يلتقط من عشبها شيئًا, يقرقر في إثره ما فوق حوصلته ثم يخطر رشيقًا في حديقة الممشى.
زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ… جسدها يخف.
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ…يورق وينير.
وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ… المحب مطمئن لحبيبه.
نُورٌ عَلَى نُورٍ…يتبدى وجه رجل أبيض ودود يشع طمأنينة.
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ…تبكي.
وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ…تسكت.
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ… تضحك, ثم ترفل كالطفلة تهمس في أذن واحدة بأمنية أخيرة, تخص ما تبقى من قلب تخفف من كل حمل.
.