القصة القصيرة في مصر.. تحولات النقد والإبداع

خالد عاشور
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د.خالد عاشور

لم يحظ نقد القصة القصيرة  في مصر بما يستحقه من رصد وتأريخ ونقد، فيما يعرف بـ”نقد النقد” ((Meta criticism ، وذلك على الرغم من اتساع دائرة النشاط النقدي حول ذلك الفن، منذ استنباته في تربة الإبداع المصري في بديات القرن الماضي، متأثرًا باتجاهات النقد الأدبي السائدة على مدى هذا التاريخ.

وعلى عكس القصة القصيرة حظي نقد الأجناس الأخرى بدراسات عديدة، مثل كتاب اتجاهات نقد الشعر في مصر للدكتور عبد الواحد علام، وكتاب “نشأة النقد الروائي” للدكتور علي شلش، وكتاب “نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر” للدكتور أحمد إبراهيم الهواري، وغيرها من الدراسات والرسائل العلمية في الجامعات المصرية.

من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الجديد للإعلامي الدكتور خالد عاشور بعنوان: “نقد القصة القصيرة في مصر .. تحولات النقد والإبداع” الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في مائتين وخمس وسبعين صفحة من القطع المتوسط. مشتملًا على ثلاثة أبواب، يحتوي كل باب على فصلين.

ترصد هذه الدراسة النشاط النقدي الذي دار حول فن القصة القصيرة في مصر منذ مطلع ستينيات القرن الماضي حتى مطلع التسعينيات منه، وهي الفترة التي شهدت تبلور فن القصة واكتماله، كما شهدت تبلور ونضج الحركة النقدية المصرية خاصة تلك التي دارت حول فن القصة القصيرة.

ولقد استعان المؤلف على رصد تحولات الإبداع القصصي ونقده عبر هذه السنوات، بالرجوع إلى الصحافة الأدبية الصادرة آنذاك والتوثيق المباشر منها، قبل أن تتحول الدراسات المنشورة على صفحاتها إلى كتب مستقلة قد لا يلمس قارئها طزاجة وآنية اتصالها بالواقع الأدبي والثقافي كما يلمسه عند قراءة الدراسة أو المقالة على صفحات المجلة وقت صدورها. وهذا ما يفسر عنوان الكتاب: “تحولات النقد والإبداع”؛ إذ تظهر هذه التحولات جلية عند رصدها من خلال الصحافة الأدبية وتفاعلها النقدي مع مسيرة القصة القصيرة إبداعًا.

وعبر صفحات الكتاب نمضي مع القصة المصرية القصيرة ونقدها في رحلة أدبية ونقدية كاشفة لمنحنيات الإبداع الأدبي ونقده وللعلاقة الجدلية بينهما التي لا تعني دائمًا أن الإبداع سابق للنقد، وأن النقد عملية تابعة للإبداع؛ فلقد سجل التاريخ الأدبي للنقد لحظات كثيرة كان فيها سابقًا على الإبداع، ومستشرفًا لتيارات أدبية، ومبشرًا بمذاهب أدبية. وهو ما نتعرف عليه من خلال “نموذج” القصة القصيرة كنموذج نقدي.

في مطلع الستينيات سادت النظرة الاجتماعية للقصة التي تجعل موطن توكيدها الأول هو موقف القاص من مشكلات مجتمعه وقضايا وطنه دون اهتمام كبير بفنية التعبير الأدبي، وهو ما ظهر جليًا في نقد غالي شكري وفؤاد دوارة ورجاء النقاش ويوسف الشاروني وأنور المعداوي وغيرهم. في حين تصدى عدد من نقاد هذا الاتجاه للإسراف النقدي في إعلاء “مضمون” القصة، وكان على رأس هؤلاء: عبد القادر القط الذي اتسم منهجه بالتوازن النقدي بين الفكرة ومعالجتها الفنية خاصة عندما يتعلق الأمر بفن رهيف مثل القصة القصيرة.

كذلك يرصد الكتاب جهود يحيى حقي في نقد القصة التي ركزت على اللغة الفنية ومنها انطلق الناقد إلى أفاق أخرى داخل النص عبر لغته، وكذلك جهود شكري عياد التي اتسمت بالتركيز على الشكل الفني للقصة القصيرة.

ثم يتعرض الكتاب للحلقة الذهبية في تاريخ القصة القصيرة ونقدها في مصر وهي الحلقة التي شهدت إبداع جيل الستينيات أو ما يطلق عليه جيل “جاليري” الذي ارتبط بإصدار مجلة “جاليري 67” وهي المرحلة التي أخرجت لنا أسماء خالدة في الإنتاج القصصي مثل: يحيى الطاهر عبد الله وعبد الحكيم قاسم وجمال الغيطاني وإبراهيم أصلان ومحمد حافظ رجب وإدوار الخراط وغيرهم من الأصوات التي كانت تبحث عن طريق جديد للقصة القصيرة، عقب هزيمة 67 وهي الحركة التي خلقت حولها حركة نقدية واسعة، رادها وبشّر بها من قبل نقاد مثل: صبري حافظ وإدوار الخراط ويوسف الشاروني وعبد الحميد إبراهيم وعبد الرحمن أبو عوف وغيرهم.

غير أن هذا النشاط النقدي لم يدم طويلًا، إذ ساد الركود النقدي فيما بعد 1973 وخفتت الأصوات النقدية التي واكبت جيل جاليري، ولم تعد القصة القصيرة مثار اهتمام النقاد على نحو واسع كما كانت.

وهنا يلفت المؤلف النظر لصوت نقدي بدا استثناءً وسط ذلك الركود النقدي وهو القاص ضياء الشرقاوي، الذي يكشف الكتاب عن وجه آخر له وهو ضياء الشرقاوي ناقدًا للقصة القصيرة، ويقدم عبر نصوص – لم يُسلط الضوء عليها كثيرًا – جهوده النقدية المتميزة في نقد القصة القصيرة في حقبة السبعينيات.

ويخصص الباب الأخير لنقد القصة القصيرة في مطلع الثمانينيات والذي شهد عودة الروح للنقد الأدبي وتدفق الدم في شرايين الحياة الأدبية بسبب ظهور صحافة أدبية متميزة حاولت – ونجحت إلى حد كبير- أن تنقذ الحياة الأدبية في مصر من حال الضعف المسيطرة عليها من خلال الترجمة والمتابعة والتغطية والدراسة، وغير ذلك من ألوان النشاط النقدي والأدبي، الذي كان نصيب القصة القصيرة منه وافرًا.

ولقد تجلى ذلك في ظهور عدد من المجلات الأدبية والنقدية المتميزة على رأسها: “فصول” و”إبداع” و”أدب ونقد” وغيرها . وهي المنابر التي تَركَّز جهدها النقدي على تحديث أدوات النقد والنقاد وهو ما ظهر في المناهج الحديثة للنقد الأدبي التي حاولت أن تُقرب النقد في منهجيته وأدواته من العلوم التطبيقية والإنسانية.

ولقد أسفر ذلك الالتحام بين النقد وتلك العلوم عن ظهور اتجاهات نقدية جديدة مثل الاتجاه النفسي والاتجاه اللغوي والذي أفاد النقد من تطبيقاتهما كثيرًا، موظفًا معطيات تلك العلوم على نقد القصة القصيرة، وهو ما نراه واضحًا في كتابات شاكر عبد الحميد وفرج أحمد فرج وعز الدين إسماعيل النقدية. وكتابات سيزا قاسم وحسين حمودة وغيرهم.

 

مقالات من نفس القسم