نصيبك من الحزن غير منقوص
هالة صلاح
غطس في ماسورة ضيقة بامتداد خمسمائة متر. غطس و هو يعلم أنه سيغطس و يعوم في خراء الرجال الذين شهدوا علي تآكل عمره خلف جدران شوشانك*1
لو كل خراء ينتهي بمكونات أحلامنا خارج رؤوسنا نلمسها و نعيشها لتلقفنا الخراء في أحضاننا.
لكنك يا منحوس تمضي أيامك في خراء لا يؤدي و لا يفضي إلا لخراء.
تُفتح زنزانته و يعبر الباب ثم ينزع قبعته من رأسه إلي كفه. في تلك الحجرة خمسة عقول فقط خمسة يحملون معاً مفاتيح قيده. يجلس يبتسم و يبدو كشخص طيب لا ضير منه علي المجتمع. يتحدث و قد استدعي علي ملامحه كل الحمامات البيضاء برغم لونه الأسمر.
يصمت و ينتظر.
"مرفوض"
يعود إلي زنزناته في انتظار عشر سنوات أخري علي فرصته الجديدة.
وصف لم يتطرق إلي ما يدور داخل "ريد" قبل و بعد.
الانتظار , الإستعداد , الإنتظار , إحصاء الأيام, الأحلام , التخيل, شكل اللجنة , علامة القبول علي ورقة تحمل أسمه و صورته , فرحته, إحتفاله, توديع زملاؤه له , خروجه حريته, ماذا سيفعل بحياته , الإنتظار التوتر الترقب الإنتظار الإستعداد التقديم المحاولة المحاولة
الرفض.
العودة إلي ما وراء الجدران ليأكل يشرب و يخرج ينام و يصحو و ليأكل يشرب و يخرج ينام و يصحو ليأكل يشرب و يخرج ينام و يصحو و ينتظر, عشر سنوات جديدة من الإنتظار.
و أخوة يوسف خلف أسوار الكراهية بما يوازي عمر الأرض.
لو كل خراء ينتهي بمكونات أحلامنا خارج رؤوسنا نلمسها و نعيشها, لتلقفنا الخراء في أحضاننا.
لو كل بئر عميق و مظلم ينتهي بقلوب تحت أرجلنا ساجدة, لتلقفنا آبار العالم في أحضاننا.
أنت كأخوة يوسف, ستأخذ نصيبك من الحزن غير منقوص, نصيبك من الشر غير منقوص, نصيبك من الكراهية غير منقوص.
أحب "يعقوب" يوسف و أخاه فغاروا و بأذرع الغيرة ألقوا بيوسف نحو نهايته السعيدة و بأنفسهم نحو نهايتهم المملة.
أنت مخطئ ظالم شرير تبحث عن من يستغفر لك ربه؛ لأن الله خلقك لتكون لمن خلفك آية و عظة, فلا يكونوا مثلك أشرار
أنت "أخوه يوسف" و لست "يوسف"
كالتاريخ حين يتحول "الآن" تاريخاً, سيقول " في العام كذا أسس "مارك" "فيسبوك" جعل من كل البشر كُتاب, ينشرون كتب كما "يُخرجون خراء"
أنت لست مارك و لا يوسف, أنت بين أولئك البشر الكثيرون الذين وجدوا منصة فوقفوا يصرخون معتقدين _بغباء واضح_ أن ملايين الصارخيين علي المنصات حولهم ينصتون.
تُفتح زنزانته و يعبر الباب ثم ينزع قبعته من رأسه إلي كفه, في تلك الحجرة خمسة عقول فقط خمسة يحملون معاً مفاتيح قيده, يجلس يبتسم و يبدو كشخص طيب لا ضير منه علي المجتمع, يتحدث و قد استدعي علي ملامحه كل الحمامات البيضاء برغم لونه الأسمر.
يصمت و ينتظر.
"مرفوض"
"مرفوض"
العودة إلي ما وراء الجدران ليأكل يشرب و يخرج ينام و يصحو و ليأكل يشرب و يخرج ينام و يصحو ليأكل يشرب و يخرج ينام و يصحو و ينتظر عشر سنوات جديدة من الانتظار.
لربما تحمل بصمة منفرده, هكذا تعتقد أنك متفرد و مهم, تنظر بطرف عينك إلي حكايات الآخرين الممثلين المساعدين في فيلمك, تمثل أنك تشاركهم الأفراح التي تراها تافهة بنفس مقدار تفاهتهم كشخصيات جانبية لن تستحوذ علي بؤرة الكاميرا سوا لحظات, و تلك اللحظات أهميتها تكمن فقط في توطيد ركائز حكايتك. ثم تدعي أنك تحزن لأحزانهم و من داخلك تعلم أنك صلب الحكاية و أحزانهم التافهة لن تترك آثر علي المسار.
أما حزنك فهو عميق جميل, حُزن وجد ليجعلك أقوي, سقوط وقتي من بعده نهضة و تحليق إلي ما فوق رؤوس البشر المتشابهة.
تخطر علي عقلك فكرة, فتفتح الأباجوزة إلي جانبك في منتصف الليل لتدونها قبل أن تطير, لا يصح لأفكار العظماء أن تُهدر دون أن يستفاد منها القطيع.
يأتيك حلم فتقول رؤية, تحكيه و تسطره و تصرخ به عليهم علهم يفيقوا, تكتبه في قصة تراها أعظم حكايات العالم أو فيلم تراه "فشيخاً".
تجلس واثقاً, فارداً ظهرك تتنحنح بأصابعك ثم تمن عليهم بسطر فكرتك, تنتهي و تطرقع أصابعك في نشوة ها قد فعلتها تتنهد و تمط جسدك و تغلق غطاء جهازك و تبتعد قد أمطرت بخيراتك علي البشرية و عليهم الآن أن يمطروك بالامتنان.
لكن البشر كلهم قد أمطر خيراته للتو و ابتعد منتظراً الامتنان أيضاً, ألم تعلم ؟ سيقول التاريخ "كانوا" أين اسمك ؟ هو بالداخل لربما "كانوا" من خمسة أحرف إلا إنها تحمل بداخلها زحام سيدركه عقلك بسهولة لو تجولت قليلاً في شوارع بلادك.
هل تعلم أنت أسماء "أخوة يوسف" ؟ اسم كبيرهم أو صغيرهم أو أوسطهم ؟ هل تعلم أحد يعلمه؟ هل يُذكر أحد منهم خارج حدود "أخوة يوسف" ؟ فأنت مثلهم.
ضائع وسط الزحام, و أنت الزحام
غاضب من قرف الآخرون, و أنت الآخرون.
تراهم متشابهين تافهين أغبياء, و أنت "هم"
أنت تقول لماذ ينجبون ؟ أنت تقول لماذا ينجبون أكثر من طفل ؟ أنت تقول لماذا يتزوجون أساساً ؟ أنت تقول لماذا يحبون و ينشئون علاقات ؟ أنت تقول عليهم اللعنة لماذا يعيشون ؟ أنت لست شئ أنت فراغ.
I realized something. I'm a non-person, Sarah. You shouldn't be here, I'm not here. You may see me, but I'm hollow.*2
"لقد أدركت شيئاً, أنا لست شخص يا سارة. لا يجب أن تكوني هنا, أنا لست هنا. لربما تظنين أنك تريني, لكني فراغ." *1
أنت لا تحمل ملامح أنت "كانوا" و لا شئ أكثر من ذلك.
مرفوض
مرفوض
مرفوض
مُكبل بالحزن تتحسس بعض هواء, تمد أنفك متلمساً منه كمقدر نقطة من ماء, خطوط رفيعة حمراء تغزو بياض عينيك, و العالم ضبابي يتموج.
تتساءل أين تذهب و كل الأماكن غارقة في سائل أسود لزج, تيأس و تفكر في المكان الذي يذهب إليه "الفرحانين"
ماذا يفعلون الآن ؟
هل يقفزون من النشوة ؟ هل تلقوا الفرحة بابتسامة مائلة كشربة ماء من صنبور لا تنقطع عنه المياه ؟ واثقون من الفوز !
واثقون من أن الله سيمنح يوسف نهاية سعيدة و تفسير لرؤياه.
واثقون أنهم يوسف !
أين يذهب "الفرحانين" ؟
ماذا يفعلون ؟
تفكر فيهم يشرقون من توالي الفرحة و أنت تشرق من الهم.
تُفتح زنزانته و يعبر الباب ثم ينزع قبعته من رأسه إلي كفه, في تلك الحجرة خمسة عقول فقط خمسة يحملون معاً مفاتيح قيده, يجلس.
لا يبتسم و لا يبدو كشخص طيب, ( أي دونت جيف شيت ) يقول لهم.
الحقيقة أن "ريد" كان في تلك اللحظة يظن حقاً أنه لا يبالي, و ذلك الظن كان مفتاح النجاة, جلس لا ينتظر شئ, لا يترقب , لا يهتم
ذلك اليوم لم يدعي و لم يستدعي حمامات العالم لتحجب عنهم بشرته السوداء
لكنه في لك اليوم عجوز, تآكل عمره و يتبقي القليل.
و أنت, ستأخذ نصيبك من الحزن غير منقوص, نصيب يأكل مع الزمن من عمرك قضمة قضمة لا يبالي.
ثم حين تجلس هنا, أمام اللجنة متبجحاً " أي دونت جيف أ شيت "
ستجد ورقتك, التي تحمل أسمك و صورتك, تحمل أيضاً.
(مقبول).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصّة مصرية
* 1 _ فيلم The Shawshank redemption (1994)
*2 Detachment (2011)
ريد من فيلم "الخلاص من شوشانك" في مشاهد إنتظار الإعفاء عنه