فتحي مهذب
أن تولد
يعني أن تكون شيئا عذبا
ينضاف إلى مائدة الديدان
أن تولد
يعني أن تهرب من قفص
إلى قفص
متسلقا حبل المشيمة
لتعبر هاوية مروعة
من المتناقضات
أن تولد
يعنى أن الرب خطط
للسخرية منك
داخل هذا المسرح العبثي
أن تولد
يعني أن تكون مدججا
بأسلحة الدمار الشامل
أن يكون الشر
صليبك المقدس
أن تولد
يعني أن تكون غرابا
في شجرة الرب
يقرصك سؤال الوجود الملغز
تبني عشك
في مستنقع المحسوسات
محاطا بجوقة من القتلة
تسحبك الموسيقى إلى النعومة
يسحبك ثور هائج من الرغبات
ضوضاء المتمرئي ولاشيئية الأشياء
عندما تسقط
تهبط الملكة على سلم كتفيك
لحفلة التأبين
وقرع أجراس الوداع
أن تولد
يعني أن تكون الملاك الذي يحمل جرة الضوء
والشيطان الذي يلتهم المسلمات
أن تولد
يعني أن برية مترامية من العذاب
في انتظارك
فلاسفة كثرا يصوبون بنادقهم
من الربوة باتجاه شاة يقينك
ناسا من درب التبانة
ينصبون فخاخا أمام مغارة المستقبل
وحيدا جئت وحيدا يطويك النسيان
تحت جناحيه الوريفين
أن تولد
يعني أن تموت باستمرار مريع
عمرك المختصر جدا
مليء بالتوابيت
أن تولد
أن تسقط في مصيدة المحو
أن تكون كذبة كبرى
هواء عابرا إلى اللامكان.
**
أن تموت
وأنت تسقط من برج إيفيل
مثل كرة من قماش رديء
معلولا بنقصان فادح
أن يفترسك أسد القلق اليومي
يرمي خاتمك في البركة
ثوبك المرقوع لشبح بدائي
أن تخذلك عربة الجسد
ناس كثر يعششون في مفاصلك
سرب من الجوارح
تعبر مخيالك المترامي
أن يتقاتل الماضي والحاضر والمستقبل
فوق شجرة عمرك
وفي قاع جنازتك
يرمي النسيان دلوه
ويكون تابوتك مرصعا بذهب الأرامل
أن تخذلك عيناك الجميلتان
في حرب الإبادة الجماعية
لا تبصر عدوك جيدا
وهو يتسلق ظلك
مسددا رصاصة حزينة
من شرفة الأمس
إلى ذؤابة رأسك
مطلقا طوفانا من الضحك
موجة من الدموع العذراء
بينما ثمة جبل شاهق من الجثث
يتهاوى على ظهرك المحني
بينما ثمة مهرج من حضارة المايا
يكنس يراعات فراغك النافقة
أن تكسر آلة الزمن بفأس
ترمي كيس متناقضاتك للأشباح
وتختفي داخل دغل من اللامبالاة
مطوقا بستين مترا من الغيوم
أن تستلقي على سرير الأبدية
تتلاشى أمام زمرة من الأصنام
يؤبنك الفلاسفة والكلاب الضالة
المجانين وطيور الفلامنجو
تسقط من نعشك فراشة الهيولى
شاة الجاذبية بثغائها المريع
أن يكون الله في صفك
أو عدوا يختبىء في حديقة رأسك
أن تكون زهرة مضيئة بيد ملاك
أو عربة متناقضات يجرها شيطان
أن تكون مكسوا بريش الأسئلة
أو هنديا أحمر يرتقص حول نار الكلمات
أن تحنط الموسيقى روحك الهرمة
في دار الأوبرا
ويكفن جسدك الهش قائد الأوركسترا
بينما طيور الهواجس
تنقر عينيك الفارغتين
بشراهة فائقة
أن تكون أو لا تكون
أن تكون ساحرا بمزمار
يستدرج العميان إلى اجتياز الميتافيزيق
على أطراف الأصابع
أن تكون دموعك من ورق النعاس الخالص
أو من شؤبوب الهاويات
أن تروض عاصفة الفقد
تلقي عصا موسى في المقبرة
ليقوم خالصتك القدامى
سعداء بهذه القيامة الأثيرة
تدعو عالم (النومن) إلى سلام دائم
أن تعي روحك بلاغة الضوء
زئير المحايث ونأمة المتعالي
وتكون الغابة المطيرة
بيت المستقبل
وأنت ملك الدلالة مستفردا بمطرزات الأقاصي
أن تكون قناصا ماهرا لإيقاع الظل
أن تكون مرتفعا حد الإغماء
تحج إلى سدرتك الكلمات
أن تكون بعيدا من السماء
بعيدا من الأرض
في اللامكان
تسحبك ثيران مجنحة باتجاه البدايات
أن تكون أو لا تكون
تلك هي المسألة.
**
انتظرتك طويلا يا إلهي
.
إلهي
انتظرتك ستين سنة
في رؤوس الجبال الغريبة
فوق شجرة تتكلم مع ظلها دائما
في دار الأوبرا مرفوعا على أكف
الموسيقى.
في الكازينو
حيث سماؤك راقصة بساقين من العاج الخالص
تستدرج الفهود إلى سريرها
لتغتالهم بدم بارد
انتظرتك طويلا في المبغى
المومسات يذكرنك بخير
ينادينك وهن مستلقيات تحت جذوع الحيتان الزرقاء
غير مشغولات بأصل الأشياء
بكرسيك الذي يشبه صحنا طائرا
بنبرة الشيطان في كلمات الزبائن
بزعيق إوزة النوستالجيا.
بأبديات ماوراء الموت.
انتظرتك في كرسي متحرك
الجنون خادمي الوحيد
والعزلة توزع المصابيح على سكان روحي
عيناي مرشوقتان إلى أعلى
لم يصل بريدك يوما
شمسك عبثية وزانية
تقطع المشرق والمغرب
بحثا عن رجل سيء السمعة
لإشباع نزوتها الحارقة.
انتظرتك طويلا يا إلهي
ذئابك إفترست شياهي في منحدر القلق اليومي.
ناسك لصوص عيارون عميان
ونجومك تناديني بصوت خافت
بيتك مدجج بالكوليرا
بالثعابين والقتلة وقطاع الطرق.
انتظرتك طويلا
ولكن لم تأت إلى هنا
الموتى معلقون على عيدان الصلب
الطائرات تلتهم الربوة
تلتهم قبعة النوتي.
إلهي
تعبت كثيرا
من الجسد الذي ألقيتني في أوحاله .
من الروح التي تلعب النرد في هاويتي.
أطفالي في الشتات
زوجتي عالقة تحت الأرض
بيتي عدم خالص
أفردني الأهلون
بعينين عمياوين أتخبط في قاع اللاجدوى
أغثني يا إلهي.
أغثني يا إلهي
**
غابة مطر ونواقيس صلاة.
.
أخي محارب قديم
قائد أوركسترا في ظلمة الفراغ
من خبزه تأكل الحدأة والتنين
يزرع النساء في سريره الليلي
يملأ المدفأة بغصونهن
ومن هواجسهن يصنع حبالا طويلة
لاعتقال كناغر القلق.
كنت أيلا صغيرا في حديقته
مطوقا بالسحرة والنجوم
أنام في مرآة العائلة
يحرسني قديس من ورق الخيمياء
وفي النهار يوقظني مزمار الشمس.
كان أخي جبلا عظيما
في قمته تولد الغيوم والنسور
شقائق النعمان
ينابيع النور الزرقاء
يختفي المجانين في أدغاله الكثيفة
والسماء لا تمطر غير الفواكه والموسيقى
والفهود توزع الهدايا على الحملان.
كان أخي غابة مطر
معبد مياه
يحج إلى براهينه زمر المناطقة
يغسل الرعد كتفيه في مائه الأثير
يعبده الرعاة والهنود الحمر
وصاحب الصناجة الضرير.
**
أتفكر مثلي في الموت
في شساعة العالم الداخلي
أتفكر في مصير الروح
في اغترابها الجبلي
ونأمة ورقات عباد الشمس
في طرد القلق الفلسفي
بضحكة مريبة
أتفكر مثلي في الإنتحار
داخل شقة مهجورة
ملآى بالأشباح
والأصص المتشققة
أتفكر في قيامة الأموات
أتفكر في حركات النجوم والكواكب
أوركسترا النوارس على ذؤابة المراكب
أتفكر في قبر جميل
على طراز سلجوقي
لترقد مختومة بالأسرار
وهي ترتج مملوءة بسحر العالم
تملي هواجسها على الأزهار
مخلفة شريطا من الضوء
في الهواء
ضائعة في الملكوت
بجناحين من الذهب الخالص
تلك الفراشة الراقصة
كما لو تسر للأزهار بتغريبتها البكر
كلانا غامض وحزين
منهمك في موسيقى اللاشيء
عابر جزر الوقت
مرفودا بهشاشة وجنون لا يفترقان.
**
أعرف جيدا أيها الزمن
دبيبك تحت جلدي المغضن
آثار محراثك اليدوي
على أسارير وجهي
إستدراجك عيني الجميلتين إلى العتمة الأبدية
نهش عظامي مثل كلب البولدوغ
كلماتك الساخرة
على وجوه المارة
ضحكتك المريبة في الباص
نباحك الليلي في بستان الأرمل
أيها الزومبي الذي مزق ألبوم العائلة
شرد طفولتي البائسة
دهس الكثير من أصدقائي
بعربة الصيرورة
طارد أشجارا تمتح الضوء من شراييني
هكذا أيها الزمن
لم تزل تركل السكارى في الكازينو
تغرز نابك في نهد الغرسونة
تكتب على الحائط المتداعي
إنتظروني هنا
ريثما أجلب التوابيت للشعراء
هدايا نادرة للمسنين
أعرفك جيدا جيدا
سيارتك الليموزين
التي تجوب بها الشوارع
تفتح النار بدم بارد
على عابري السبيل
ثم تختفي وراء اللامكان
مخلفا طابورا من القتلى
والبيوت المهدمة
أيها الزمن
أيها الدراقولا الملطخ بدم الضحايا
أعرف ذئابك القرمة
التي تعوي داخل ثياب العجوز
أعرف جوهرك المقدود من الزئبق
طريقتك القذرة في قنص المحسوسات
مؤامرتك التي تحبك في المقابر
والأماكن الموحشة
المقابر الجماعية التي حفرتها بأسنانك الصدئة
قنابل الدمار الشامل
التي تصنعها في رؤوس الجبال
رغم طعناتك المكرورة
طلقات مسدسك الكاتم للصوت
سأظل محصنا بسحر الكلمات
بمحبة أبدية لروح الموسيقى
وإشراقات النحت.
**
شمس تغسل فرجها بعرق الشعراء.
.
يا رب
قل لشمسك التي تغسل ثيابها الداخلية فوق رؤوسنا ..
أن تكف عن التقيؤ ..
وتعليق مناديل حيضها على حبل الجاذبية..
وغسل ثدييها بعرق الحصان..
وفرجها بمني البراكين..
قل لشمسك التي تطبخ الخبز,
وتعد أرزا طازجا لبنات نعش.
وتلقي آلاف الجمرات في حديقة الأرض..
أن تصب فضلاتها في مكبات بعيدة عن قرانا.
يا رب قل لعبادك الذين أسرفوا في إيذائي لا خوف على مراكبهم من حوت الهواجس..
قل لزهرة الأقحوان لا تفكري في (ثعلب الميتافيزيق)
قل للغابة ثمة أبواب كثيرة في السجن ..
أبواب يحرسها عميان من النينجا..
يا رب البهلوان في المصيدة.
وقمح الجاذبية في جرن الكهنة..
يا رب لست الوحيد مدججا بالصواعق والأحزمة الناسفة.
معلولا بسخرية شاسعة من عرائس الغبار.
لست غير الشقيق الأشقى للوقيانوس السميساطي.
لست الضرير الوحيد في العالم..
الذي يركل الربوة .
وتعج ركبتاه بالندوب والكدمات..
يا رب ثمة قناص يدحض الحجج ويفتح النار على صحون طائرة..
ثمة خازن النار الأسود
يطيل المكوث في الهوة ..
ينظف طاقم أسنانه ..
يفرك عضوه التناسلي بماء جهنم.
الشقي لم يسد الثقب الراعف بالنار باصبعه الوسطى .
اللعنةإرمه يا رب بمنجنيقك الأبدي.
خلصنا من عطونة إبطيه .
يارب
أطفالك انكسروا في المنفى..
الجنود تهالكوا على صخرة الشك.
الخيول عالقة في خرم الابرة.
الطيور اشتعلت في الجو.
وبريدي لم يصل إلى حاجبك الأرعن.
وما من أحد لم تصعقه نارك الزرقاء.
يا رب تعتعنا السكر واضطهدتنا الملوك وعضتنا ذئاب القساوسة فلا تزد علينا.
يا رب لست وحدك الذي يقتل المخلوقات كل يوم..
ويلمع حذاءه الفلكي بدم الضحايا.
لست وحدك الجالس على كرسي مذهب..
محاطا بالجواري والغلمان والخدم.
لست وحدك مدججا بالصواعق والزلازل والمفرقعات.
يارب أخذوا حصاني في غزوة..
ونكلت بي حتمياتك البائسة..
فانتشلني من لوثة هذا القاع الصفصف.