حاورها: رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الروائية والشاعرة اللبنانية نسرين بلوط
(1) كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
عاشقة للطبيعة تعزف على ناي الكلمات حتى الثمالة وصبابة الشغف للماورائيّات تتملّكها منذ ولدت، ربما هو الحنين الى الغيب لأنّ الكتابة متفرّعة من ضلعه.
(2) ماذا تقرأين الآن وماهو اجمل كتاب قرأته ؟
أقرأ كتاب ألوان ل طه حسين والذي يتناول بدوره أبرز الكتب الغربيّة والعربيّة والتي كان لها الأثر في نفسه ليحلّلها منطقيّاً وفكريّاً بلغة متماسكة حيّة وبضفي عليها آراءة النقديّة الفلسفيّة بطابع خاص.أمّا أجمل كتاب قرأته في فنّ الرواية خاصة فهو رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ.
(3) متى بدأت الكتابة ولماذا تكتبين؟
الكاتب الحقيقي لا بعرف متى يبدأ الكتابة ومتى ينهيها فهي تسكن في أعماقه وتسيل في أوردته مثل الدماء، فقد كنت طفلة عندما دعاني إليه القلم وبسط لي عالم الخيال المزركش بأحلامي الطفوليّة، والمطالعة حفزتني على متابعة رصد هذه الموهبة وعدم تضييعها في الفراغ والطيش.
(4) ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟
هناك مدن تسكننا حتى عندما ننأى عنها بشوارعها وأزقتها الضيّقة الحالمة، بفصولها المتناثرة على كفّ الطبيعة تتوالى بشوق الرضيع الى ثدي أمه، ومدينتي سريّة لا اسم لها ولا مكان، ربما تجمع بين كلّ المدن التي سكنت فيها أو زرتها وتطاير فيها بخور الذكريات وقصص لم تكتمل وماتت في مهدها حتى لا يسحقها الواقع الأليم.
(5) هل انت راضية على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟
من الناحية الابداعية انا راضية عن أعمالي التي تتصاعد وتيرة ابداعها مع تقدّم الثقافة والعمر والتجارب، ولكن الكاتب بشكل عام لا يكون راضياً تمام الرضى عن أعماله فهو في حالة قلق دائمة تشبه الفوضى عندما يتساءل ما هو الجديد الذي سيقدّمه.
(6) متى ستحرقين اوراقك الابداعية وتعتزلين
الكتابة بشكل نهائي؟
الشاعر رامبو كتب ديوانا واحدا واعتزل بغتة دون مقدمات أو تبريرات، ربما شعر أنه قدّم من خلاله تجارب العمر كله مع أنه كان شابّاً يافعاً، الاعتزال هو ليس اعتزالاً حقيقيّاً، ولكنّه يعني قول كل ما تريد أن تقوله وتبلّغه، وهذا أمر شاق ومضنٍ والكتابة تعني لي الحياة وهي هوايةٌ تبلغ حدّ الجنون عندما تعانق روح الكاتب وتتسمّر فيها.
(7) ماهو العمل الذي تتمنين ان تكوني كاتبته وهل
لك طقوس خاصة للكتابة؟
هناك أعمال ابداعيّة كثيرة تأسرنا بأحقيّتها في منافسة الأعمال العالميّة والحائزة على جوائز نوبل، مثل جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة،نجيب محفوظ، يوسف ادريس، بهاء طاهر، دوستوفيسكي، ماركيز، تولستوي، تشيخوف، ارنست هيمغواي، جوزيه ساراماغو وغيرهم كثر ولكن مهما بلغ اعجابي بقلمهم الأخّاذ فلا يمكن أن أتخيّل انتحال صفة ابداعهم لأنّها جريمة سرقة لاشعوريّة، من الممكن أن أتأثّر بهم مع الفصل بين هويّة قلمهم وهويّة قلمي الخاص، أمّا طقوس الكتابة عندي فهي غير محدّدة مع أنّي أفضّل الكتابةَ ليلاً في جوٍّ من الهدوء والسكينة.
(8هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها ام هو مجرد مغرد خارج السرب؟
للمثقف دور انسانيّ في تحفيز المجتمع لتشييد حصون من المبادئ تشجّع الحريّة التي لا تدور في رحى الرذيلة والضياع الشامل، وتدعو الى الأخلاق الفاضلة لبناء أمم متقدّمة تنبذ الشرور وتغربل الخير من الشر. وقد انتقد الكاتب تشارلز ديكنز مفهوم الحريّة السافر الذي نتج عنه مذبحة دماء عقب الثورة الفرنسية التي قامت على العنف والانتقام والثأر العشوائي في روايته بين مدينتين التي قامت أحداثها بين باريس ولندن. وفي هذا قال:”كان أحسن الأزمان وأسوأ الأزمان، كان عصر الحكمة وعصر الحماقة، كان عصر اليقين والإيمان، وكان عصر الحيرة والشكوك، كان زمن النور وزمن الظلمة، كان ربيع الأمل وشتاء القنوط..”
(9) ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية اقل بسبب الحجر الصحي؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟
بالنسبة لي فأنا من عشّاق العزلة لأنني أفضّل القراءة والكتابة والتأمّل على حضور مناسبات اجتماعيّة عامّة، ليس بغضاً بالآخرين، الكاتب بطبعه طيّب السريرة ويحبّ الناس، ولكنّ النأي بعالمه عن الجميع يساعده في تكوين أفكاره واستعادة ترتيبها والتعبير عن مشاعره بشكل أفضل.
(10) شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا ؟
كنت أتمنى لو سنح لي القدر بلقاء الاديب والمفكر ميخائيل نعيمة لأنّه ناسكٌ متبتّل في هيكل الحروف وبخورها وروحانيّاتها، وقد عاشر أدباء المهجر وتبادلوا المعرفة وسبروا هول الغربة وانتهوا الى خلاصة من الكتب الأثريّة التي أغنت الثقافة العربيّة، ولطالما أحسست أنّه يعبّر عن أفكاري الخاصة على نحوٍ كبير.
(11) ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو اتيحت لك
فرصة البدء من جديد ولماذا؟
لقد مررت بتجربة الهجرة بعد ان فزت بالجائزة الاولى عن الشعر في لبنان وكنت آنذاك في السادسة عشر من عمري وكان قدري مسيّراً وقتذاك وليس مخيّرا وعدت من الغربة واستقرّيت في وطني بعد أن أدماني شوكها، ربّما كنت غيّرت هذا المسار بالتحديد لو عاد بي الزمن وربما الخير في ما كُتب لنا لست أدري حقّاً.
(12) ماذا يبقى عندما نفقد الاشياء الذكريات ام
الفراغ؟
هذا يعتمد على نوع الفقدان، اذا فقدت الحبيب فالذكريات تجتاحك وتعتقد بأنّك تحتضر كالعليل بانتظار أن تصحو من الموت، ولكن الحب لا يقتل هي فترة زمنيّة محدّدة يعيشها كل انسان بعد تجربة حب فاشلة ثم يرسم خطّاً جديدا لمسار حياته وربما يلتقي بشخص جديد يستحقه. ولكن ان فقدنا الأم أو الأب فهذه فجيعة كبيرة لأنّ الأم وسادة الحب وطمأنينته، والأب هو الكتف القويّة التي نتّكئ عليها من غدر الزمن.
(13) الى ماذا تحتاج المرأة في اوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
هناك نساء عبر التاريخ أثرن فكرة النزاع حتى المساواة مع الرجل، رغم أنّ التقاليد الصارمة والعادات الحاسمة تآلبت عليهنّ، فبلقيس ونفرتيتي وتوكل كرمان وكذلك نوال السعداوي الحاذقة الحاسمة الصارمة وغيرهن نموذج بسيط عن اجتهاد المرأة ودورها الفعّال في بناء حضارات وأجيال.
(14) صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن روايتك : “الخطيئة ” كيف كتبت وفي أي
ظرف؟
الرواية تنتقد الاحتلال العثماني الذي كان سارياً قديماً في لبنان وتلقي الضوء على ثورة الفلاحين فيها بعد أن استفحل فيه حكم الاقطاع الجائر، وتبرهن أنّ تعدّد الأديان في لبنان نعمة وليس نقمة، والرواية كانت بمثابة وحيٍ لي فقد كتبتها خلال سنة كاملة باسترسال حالم.
(15) ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
هي هواية أشبه بالادمان، تعيش في دم الكاتب ويتنفس أثيرها، وتعكس مراياها واقعنا المرير، ففي روايتي “سرير الغجري” تكلمت عن حياة لوركا وربطتها بالمعتمد بن عباد لأثبت بأنّ الزمان يعيد تشكيل مشاكله بنفسه، الكاتب يحتاج للكتابات لنفسه قبل غيره، فأنا لا يهمني وقع كتاباتي على غيري بقدر ما يهمّني أن أقدّم المشاعر والافكار باحساس متّقد ومغزى واضح لأنني لست أسعى للضوء والاهتمام، فانا أصلّي في محراب الكلمات للوحي وحده.
(16) من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك كاتبة مقروءة؟
قرائي من بلدان متعدّدة وهذا يشرّفني ويسرّني، بالنسبة اذا كنت اعتبر نفسي مقروءة أو لا، فالمبدع الحقيقي كما ذكرت لك لا يسعى للضوء والشهرة، بل للابداع ، واترك الاجابة لقرائي وحدهم.
(17) كيف ترين تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟
تجربة ناجحة تستقطب القرّاء ويكون لها الوقع الدامغ في قلوب من يحبّون الشعر والأدب، وتمدّ جسر التواصل بين الكاتب وقرّائه فيتابعون كلَ ما يكتبه من جديد.
(18) اجمل واسوأ ذكرى في حياتك؟
أجمل ذكرى عندما فزت بالجائزة الاولى عن مدارس لبنان في مسابقة شعرية كبيرة، وأسوأ ذكرى هي انفجار مرفأ بيروت واستشهاد الكثير من الضحايا الأبرياء وتدمير معالم مدينة الثقافة والجمال.
(19) كلمة اخيرة او شئ ترغبين الحديث عنه؟
اتمنى ان تزول الكوارث عن البلاد العربية عامة ولبنان خاصة وان نرى بشائر النور بعد نفق الظلام الطويل