«نساء» بوكوفسكي.. الجنس في مواجهة الموت

«نساء» بوكوفسكي.. الجنس في مواجهة الموت
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

"قررت أن أعيش لأبلغ الثمانين. أتخيل أني في الثمانين أضاجع فتاة في الثامنة عشرة. إن كانت ثمة طريقة لخداع لعبة الموت، فهي هذه"، هذا ما يقوله هنري شيناسكي في جزء من رواية "نساء" الصادرة بالعربية عن دار الجمل 2015، بعد 37 عاما من صدورها للكاتب تشارلز بوكوفسكي، بترجمة شارل شهوان، وهو أيضًا الذي أبدع غلافًا مميزًا للرواية.

“نساء”، وهي الرواية الثانية لبوكوفسكي، تبدو جزءًا ثانيا من “مكتب البريد”، روايته الأولى، التي انتهى من كتابتها في أقل من شهر، حتى أنه لم يُغيّر اسم البطل، وكذلك تيمة الرواية، الشاعر الذي يحاول جذب النساء، ويعاني من مرض في وجهه جعله دميمًا، وتنفر منه النساء.

في نصف صفحة فقط يعرف البطل نفسه للقارئ، لديه 50 عامًا، لم يضاجع امرأة منذ أربع سنوات، ولديه ابنة في السادسة من عمرها من علاقة غير شرعية، ولا يذكر اسمه. شاعر وروائي، عامل بريد سابق، مدمن للكحول والجنس، وغير المخلص لعلاقة عاطفية أبدًا.

الرواية، ورغم ضخامتها، 104 فصول، لن تمسك أبدًا بها طرف خيط الحكاية، هي كما جاء عنوانها، “نساء”، تدور حول الكثير من العلاقات النسائية لكاتب بوهيمي يقول عن نفسه “أنا مجرد مدمن للكحوليات أصبح كاتبا حتى يستطيع أن يظل في السرير حتى الظهيرة”، يعيش على عائد الندوات التي يلقي فيها أشعاره على سكارى أمريكا، ويستطيع التعامل معهم باحتراف.

يكتب بوكوفسكي من أجل الكتابة، حكي بسيط لحياة الكاتب السكير الذي تتقاطع حياته مع حياة الكاتب شارلز بوكوفسكي في الكثير من الجوانب. يسخر شيناسكي من الكتّاب، قائلا “هناك مشكلة لدى الكُتّاب، إن نُشِر ما كتبه الكاتب وباع الكثير، الكثير من النسخ، يظن الكاتب أنه عظيم. إن نُشِر ما كتبه الكاتب وباع عددا متوسطا من النسخ، يظن الكاتب أنه عظيم. إن نُشِر ما كتبه الكاتب وباع عددا محدودا من النسخ يظن الكاتب أنه عظيم. إن لم يُنشَر ما كتبه الكاتب ولا يكون لديه المال لينشره بنفسه، بالتالي يظن أنه عظيم جدا. الحقيقة على كل حال هو أنه لا توجد الكثير من العظمة. هي تقريبا غير موجودة، غير مرئية، ولكن يمكنك أن تكون متأكدا من أن أسوأ الكتّاب لديهم أعظم ثقة، وأقل تشكك في النفس”.

تبدأ الرواية بحكي شيناسكي عن علاقته بالنحاتة ليديا، التي يتركها ثم تعود من جديد أكثر من مرة، حتى تعتدي عليه ويصل الأمر إلى تدخل الشرطة لإنقاذ بطل الرواية. تتحرك الأحداث بوتيرة هادئة، وينتقل البطل من حضن عاهرة إلى أخرى، حتى يصل الأمر إلى ثلاث علاقات مع نساء مختلفات في يومٍ واحد.

ورغم علاقات شيناسكي المتعددة، لا يقع في الحب أبدًا طيلة أحداث الرواية، “كنت سعيدا أنني لا أحب. وأنني لست سعيدا من العالم. أحب أن أكون في خلاف مع كل شيء. الذين يحبون يصبحون عصبيين، خطرين. يفقدون حس الإدراك لديهم. يفقدون مرحهم. يصبحون غاضبين، مملين عصابيين. يصبحون قتلة”، هكذا يقول بطل الرواية، يخشى الحب، ويرى الجنس وسيلة وحيدة للدفاع عن نفسه، والهروب من الموت.

لا تبدو علاقات شيناسكي مملة رغم كثرتها، فدائما لديه تفاصيل جديدة، وتستمر الرواية في سرد علاقات البطل، إلى أن يقع تغيير مفاجئ، شيناسكي يعد فتاتين بقضاء عيد الشكر معهما، يشعر بالذنب لما فعله، فعليه الاختيار الآن، يبكي كما الأطفال، يقول “كنت أسوأ من أي عاهرة، العاهرة تأخذ مالك ولا شيء أكثر. إني أعبث بحيوات وأرواح كما لو أنها كانت ألعابي. كيف لي أن أعتبر نفسي رجلا؟ بأي حق أكتب القصائد”.

تنتهي الرواية، بمكالمة تأتي من روشيل، إحدى المعجبات، للشاعر شيناسكي، لكنه يصدها، إخلاصًا لسارة، يقول “حينما يشعر الرجل أنه بحاجة إلى كثير من النساء، يكون معنى ذلك أن معظمهن غير صالحات”.

تأتي نهاية الرواية، وأنت لا تعلم ما إذا كانت انتصرت الحياة أخيرا على الشاعر المتشرد الحر، أم أنها مجرد خدعة جديدة لشاعر سكير يجيد الحيل، ولكن الأكيد أن الموت لم ينطل عليه خدعة شيناسكي، وأخذه قبل أن يتم الثمانين ليضاجع فتاة في الثامنة عشرة، كما كان يقول إنه لن يموت قبل الثمانين، عام 2000، لكنه رحل في 1994.

مقالات من نفس القسم