نرسيس المعذب بالصور

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

عبر "السمع" و"البصر" تنمو علاقتنا بالوجود.. محيط هائل من أصوات الكائنات والروائح والصور نتخبط فيه قبل معرفة اللغة والكلام.. نحاول أن نعقله ب "الفؤاد" ونحن نتلقى دهشة الوجود الأولى.

وكبداية، يحتاج المرء إلى أسطورة ذاتية كمرآة للمعنى، يرتكز عليها في وعيه بالوجود. وليس أفضل من أسطورة نرسيس التي وظفها فرويد توظيفًا مؤلمًا كي يتهم "نرسيس" المعذب بصورته بأنه أناني، مغرور، وعاشق لذاته.

فما الذي فعله نرسيس كي يستحق تلك النعوت المؤلمة؟ لقد كان "مندهشًا"، "مهووسًا" بصورته حد الجنون/الموت.

وإن لم أكن مولعًا ب “صورتي” الشخصية مثله، لكنني أشبهه تمامًا في الدهشة والهوس بالصور.. كانت الطبيعة الريفية حولي سخية بصور الجمال.. مقابل صور البؤس للفلاحين.. صور ظلت غائمة في شريط الطفولة وأخرى أرشفتها عبر ثقب التلصص على حيوات البشر.

وفي مرحلة لاحقة تضاعفت الدهشة، والشغف، بالصور المثبتة على حيطان البيوت للأموات، أو تلك المثبتة في المجلات الملونة.. والمتحركة على الشاشة السحرية.. والمتخيلة في بطون القصص.

في مقابل ذلك الشغف كنت لا أكترث بصورتي.. بل أسعى ل “محوها”.. عدم الاحتفاظ بها.. حتى حين عملت في الصحافة ظللت لسنوات أتجنب التقاط صور لي مع المشاهير.. ومازال لدي هذا النزوع وإن حاولت أن أقاومه مستفيدًا من الثورة الرقمية وشبكات التواصل. لا أدري لماذا لدي تلك الرغبة في المحو؟ هل أخشى الافتتان بصورتي فأنتهى إلى الجنون والموت كما حدث لنرسيس؟

هل هو عدم رضا عن الذات؟ عقاب غامض لها؟ تجنب بورصة “الوسامة”؟ انشغال بما يسمى “الجوهر” أو ما وراء صورتي؟ لا أدري!

كل صورة كانت بالنسبة لي تروي حكاية مدهشة ومضمرة أظل استحلبها في داخلي.. تثير غريزة ما.. حتى لو لم تكن صورة بورنو بالضرورة. ولكل غريزة شغفها الخاص.

فمثلما يتغذى حيوان النيص على الأعشاب وأوراق الشجر واللحاء والأغصان والنباتات. كنت ـ ومازلت ـ حيوانًا مهووسًا.. أفكر بالصور.. وأتغذى على كل أنواعها.

لقد ولد نرسيس وسيمًا.. ابنًا لنهر وحورية.. للماء والجمال.. مشعًا بالسحر والفتنة.. أحبته “إيكو” التي حُرمت من صوتها الخاص فكانت تردد صوت الآخرين.. كانت مرآة صامتة لأصواتهم. تحب لكنها عاجزة عن التعبير لأنها بلا صوت خاص بها.

على النقيض منها كان نرسيس يملك الصوت لكنه لا يرى حبها. كلاهما مُعاقبان في حاستي “السمع” و”البصر”.. معاقبان بالصور بطريقتين مختلفتين.. حبيبة محجوب عنها صوتها الخاص وحبيب محجوب عنه صور الآخرين. الصورة إذن هي فضاء للحب والافتتان، وأيضًا فضاء للعقاب.

يستحق نرسيس التعاطف لا الإدانة، فهو لم يكن أنانيًا بل باحثًا عن الحب.. عما يشبه ذاته.. عن ذاته كآخر.. وما الحب إلا البحث عمن يشبهنا.. عمن يكملنا.

 كل بحث عن الحب هو بحث عن الذات. محاولة لتلمس كينونتها وسط عالم الأصوات والصور والروائح. رحلة نحو ألق الصور لكل ما هو غريزي وعميق ومعتم ومثير للشغف. وإن كنا ندرك أنها ستنتهي بنا إلى العقاب، والفقد، والخطيئة، واللا اكتمال.

تعلقي بالصور، هو تعلق غريزي أمومي، ومحاولة للإبقاء على استثارة الحب والشغف.. متعة التلصص. اكتشاف المُخفى.. في حياتي كما في كتابتي.. رغم إدراكي أن هذا التعلق الهوسي سينتهي بي إلى مأساة. الوجود كله على أية حال لا يتيح لنا سوى نقطة واحدة بائسة ينتهي عندها كل شيء.

عندما تتطلع نرسيس ـ لأول مرة ـ ورأى وسامته على صفحة النهر، حتمًا أصيب بالرعب وأحس ألمًا في تلك المسافة بين ذاته ومرآة النهر. مثلما عاشت “إيكو” ألمًا بين الصمت المطلق لصوتها وضجيج أصوات الآخرين التي ترددها إلى الأبد في الصحاري والظلام.

فلو قُدر لها أن تقول كلمة واحدة عن ذاتها.. لو قدر له أن يرى ذاتًا أخرى لمرة واحدة.. فلربما حدث تغيير طفيف في المسافة، كان كفيلًا بنجاح أعظم قصة حب.

هو ألم المسافة الذي يتكرر دائمًا ما بين “الرغبة” و”القدرة”. “الواقع” و”المثال”.. ما نتمناه وما نريده. ما نراه وما نكتبه.. ما نشعر به وما نعبر عنه.

أليس من حقنًا أن نرى ذواتنا صوتًا وصورة؟ ألا تقول حكمة بوذا: “أنت مثل جميع من في الكون، تستحق حبك وعاطفتك”. فالحب ليس موضوعًا نوجهه إلى الآخرين فحسب ـ كأيقونة مشتهاة ـ بل من باب أولى أن نوجهه إلى ذواتنا أولًا.. أن نحبها بأخطائها وضعفها وتعثرها في الرحلة والمسافة. فليس ثمة فرق جوهري بين عذاب “إيكو” وهي تحاول أن تحب “آخر” لا يراها ولا يعيرها اهتمامًا.. وعذاب “نرسيس” وهو يحاول أن يحب ذاته وهو لا يعرفها!

ففي مسافة ما، بين الذات والمرآة.. يكمن الحب مثلما يكمن العذاب. لقد وقع نرسيس في حب صورته البهية التي تتراءى على سطح النهر.. فظل يقضي ليله ونهاره متعبدًا في محرابها.. يذهب ويعود إليها.. ينفصل ويتصل.. يهتف “يا من أُحب.. وداعًا”.. فتهتف خلفه “إيكو”: “يا من أُحب.. وداعًا”. إلى أن مات غريقًا في قفزة أخيرة لامتلاك صورته الموهومة امتلاكًا تامًا وأبديًا.

هل أبدو متشائمًا إذا قلت إن كليهما عوقب بقسوة على محاولة الحب تلك؟! وأن كل محاولة حب هي مأساة مضمرة؟!

لكن المسافة التي تحول بيننا وبين الاكتمال التام والامتلاك المطلق هي ذاتها التي تمنحنا الرؤية من زوايا مختلفة. تتيح لنا متعة التلصص والجلوس على مقعد المراقب المندهش الذي يقلب ألبوم الصور والمرايا مستعيدًا اللعبة ذاتها التي تذكره بلحظات الدهشة الأولى.

لقد كان نرسيس يفتش في تجليات “الحب” على وجه الماء مثلما كان إبراهيم يفتش في تجليات “الإيمان” على وجه السماء.. كلاهما كان يتوق إلى مرآة تخبره عن ذاته.. مغزى وجوده.. كلاهما أحس بالحيرة وتعذب بالمسافة.. تلك التي أصابت نرسيس بالجنون ودفعته لاحتضان صورته مرة واحدة وإلى الأبد.

وعلى درب الحيرة ذاتها يقول فهد العسكر:

           أنـــا شاعر، أنـــــا بائس                  أنا مُستهامُ، فاعذًريني

           أنا من حنيني في جحيم                   آه من حـر الحــنيـــن

أبيات لا أقرأها كتعبير عن لوعة المحب، بل أقرأها كتجل أصيل لمأساة ذاتي.. وذاته على السواء.. تلك الحيرة الوجودية إزاء الصور والمرايا والمعاني والظلال وتجليات الذات.. التي لا نعرف هل هي حقًا حرة أم سجينة؟ بائسة أم مستهامة؟

حيرة يتردد صداها في قصيدة أخرى حفظتها صغيرًا لإيليا أبي ماضي: “كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟لست أدري!.. صدى يتردد ويتردد في عشرات القصائد والقصص والأفلام التي تضيء لنا الدرب ثم تقول لنا في حيرة وأسى: لستُ أدري!

حتى التقسيم الفرويدي التقليدي للذات إلى” الهو والأنا والأنا الأعلى” يكرس حيرتنا وانشطارتنا.. وأننا هناك في مسافة ما لا يمكن الجزم بها. نخوض معركة على ثلاثة أحصنة (مرايا) جميعها تمثلنا! فأنا هذا “الكل الثلاثي المنسجم المنشطر” الذي إذا نقص فيه عنصر صغير تهدم بنيانه.. وأنا ذاك الذي يتحرك ويتغير فلا يدري أمسي ماذا سأصبح في غدي!

ولو امتثل المبدع لحكمة سقراط الخالدة “اعرف نفسك” لانتحر على الفور معذبًا بالحيرة الهائلة.. بتلك المسافة المرعبة بين ذاته ومراياها.. ضائعًا في متاهة المرايا التي تتكاثر وتتسع وتضيق.

ربما لهذا السبب يكتفي الساسة ووعاظ المعابد والمعلمون، بعدد محدود من الصور لتظهير ذواتهم من خلالها.. أما المبدع ـ أيًا كان ما يبدعه ـ فهو أكثرهم شقاء لأنه يقضي حياته حائرًا كمن يمسك الهواء بيديه مثلما غنى عبد الحليم.

ومثلما تكرر ذهاب نرسيس إلى مرآة الماء.. وتكرر ترديد “إيكو” لأصوات الآخرين. ننسج حياتنا على النغمة التكرارية الهوسية ذاتها.. الأفعال ذاتها.. الصور ذاتها.. القصص ذاتها.. المقولات ذاتها.. على أمل أن نكتمل ونلغي المسافة.. لكنها تكررات ارتدادية راسخة في النقطة ذاتها. توهمتا بالحركة، واقتراب لا يحدث. مجرد حركة توهمنا بأننا نقوم برحلة للعثور على أسطورتنا الذاتية كما فعل سانتياجو بطل رواية “السيميائي”.

كل يوم كان نرسيس يذهب بلا ملل إلى الماء، المرآة التي اختارها لذاته كي يعرفها أكثر، يعشقها أكثر. كل يوم تقف وريثات إيكو أمام مرآة غرفة النوم كي ترى نفسها محبوبة وجميلة أكثر. وكل يوم أذهب أنا أيضًا إلى مرآتي: الكتابة.. كي أراني أجمل وأكثر شغفًا.. وأشد قدرة على الحب. وإن كنت أدرك أنني لن أقهر أبدًا تلك المسافة بين ما أتمنى كتابته، وما أكتبه بالفعل في نهاية المطاف.

أراكم ذاتي، وتراكمني، كأرشيف ممتد للصور/ الحكايات، ثم أعيد إنتاجها في نصوصي.. بعد تأويلها وتحويرها والتلاعب بها.. والافتتان أيضًا. لذلك أفكر في كل فقرة في نصي بوصفها صورة وتنتهي متعتي بانتهاء عملية الكتابة والتلذذ بالصور.. ما بعد ذلك من طقوس النشر والتوزيع والندوات وحفلات التوقيع، هي طقوس اجتماعية فاترة.

فالكتابة بالنسبة لي هي عملية إعادة “قراءة للصور”. أذكر مثلًا كتبت قصة “خطيئة الكعب” لمجرد أنني شاهدت كعبي امرأة متأنقة تتبختر نحو الكنيسة خلف شيراتون الكويت. لم يكن هناك حكاية ولا تاريخ. لا شيء سوى استيهام بصورة كعبين.

وإن كانت الصورة ليست فقط ما تقوله لأعيننا.. ولحواسنا.. بل هي أيضًا ما نسقطه عليه وما نراه فيها.. لنقل إن الصورة/المرآة، تقرأنا ونقرأها بالدرجة ذاتها. تكتبنا مثلما نكتبها إلى الأبد. تعتاش على غرائزنا، ومكبوتاتنا، وعتمتنا، وانفعالات ما قبل العقل، وقيم ما قبل الثقافة. فللصورة دائمًا جانب مظلم، وحشي، عذب ومعذِب، قبل أن تكون مثقفة ومروضة اجتماعيًا.

ومن ذلك العذاب النرسيسي.. الشغف والخطيئة والعقاب.. دخلت إلى العالم.. تحسست ذاتي في متاهة مرايا هائلة.. فغدت الكتابة مرآة لذاتي مثلما هي مرآة للوجود.

قراءة رواية هي مرآة لزمن لم أعش فيه.. سماع الموسيقى مرآة لأحلام يقظتي.. مشاهدة فيلم مرآة لبطولاتي التي لم أقم بها لكنها تجسد صورتي الذاتية العميقة.

تعيد إحياء “نرسيسي” المسكين النائم في قاع النهر.

هذا ما يحدث دائمًا وأبدًا حين أقف أمام  شجرة أو نهر أو مشهد لراقصة تعرٍ.. أو حادث مروري.

ولو افترضنا أن فتاة مكتنزة الردفين احتكت بي أثناء مرورها في مقهى ضيق ذات شتاء، فهذا يعني أنها قد تركت نَصها وجاء دوري كي أمزجه فورًا في نصي.

في كل مرايا الحياة الهائلة التي تصادفني، أحاول على نحو أعمق أن أرى صورة ذاتي. أكتشفها. أتفهمها. أتصالح معها.

مثلما تتصل آلة بتيار كهربي لا ينقطع، تظل ذاتي مشحونة بتيار أبدي من الصور المعيشة والمتخيلة.. إنتاجًا واستهلاكًا. معذب أنا بالصور التي أحالت حياتي إلى جحيم من أحلام اليقظة والأشواق والهواجس. معذب أنا بعدم الانتباه إلى التيار العادي للحياة من حولي.. أنسى الأسماء والأماكن ومهامي الروتينية وحافظة نقودي لأن ذاتي هناك عالقة في صور تبثها شغفًا وإحساساً ما.

يكون جسدي مهملًا هنا، وروحي تبحث عني في مكان آخر.. عابرة لكل أنواع المسافة والانفصال.. مجربة شتى أنواع المرايا.. فنحن لا نتطلع في المرآة كي ترينا حقيقة أنفسنا.. بل كي ترينا ذواتنا كما نحب أن نراها.. نريد أن نرى صورة أخروية لنا تحمل قيمة مضافة.. صورة تعرفنا بأنفسنا.. تُعرفنا بالعالم وتُعرف العالم بنا.

كل منا يبحث بطريقته عن معنى.. عن قيمة مضافة.. حكاية أخرى لم ترو بعد.. الكنز المخفي والمحجوب.. ربما تقودنا إليه خطوات الموسيقى.. وربما حبكة قصصية. لذلك لم يشك نرسيس للحظة واحدة أن ما يراه على سطح النهر مجرد انعكاس لوجهه. هل يعقل أن يكون ذلك هو كل شيء؟! هل القمر حقًا ليس سوى أحجار؟ ربما لو رضي نرسيس بحقيقة أنه لا يرى سوى وجهه البائس ولا شيء آخر، لعاش حتى سئم الحياة، لكنه الشغف والافتتان.. تلك الظلال الشيطانية المعتمة التي دفعته إلى مغامرته الأخيرة. كان يريد أن يقبض على ما وراء الصورة.. ما وراء المرآة.. دائمًا ثمة حكاية أخرى مضمرة في كل حكاية. ذلك اللب الذي نمزق وريقات البصلة كي نصل إليه.. ودائمًا لا نصل.

لا أختلف كثيرًا عن نرسيس في ورطة الافتتان والظلال. في شعوري بالارتباك والحيرة إزاء صوري.. فكلما تمعنت فيها شعرت أنني لا أعرفني.. لست هذا الطفل الصامت الخجول في الصور.. أبدو غريبًا عني بقسوة.. حتى ما يقوله الآخرون عني في جمل حكيمة.. أو جمل قاسية.. لا يبدو مشابهًا لحقيقة روحي التي أبحث عنها.

ألا تضعنا لعبة المرايا الهائلة والمتنوعة في حيرة تقودنا إلى الجنون؟ ألا يدفعنا المعنى المتراقص بين الظلال.. إلى الشك العميق حد السأم وانهيار بنيان الذات؟

هي المرايا تمتعنا وتراوغنا.. كما قالت الشاعرة آنيز كولتز “كلّ ما أرى ليس سوى خيالٍ تخترعه النظرة”.

لم أخطط لأن أكون طفلًا لأبوين فلاحين.. لم أخطط لدراسة الأدب العربي.. لم أخطط لأكون صحفيًا.. لم أخطط لأكون كاتبًا.. لم أخطط لأكون أبًا.. لم أخطط لأن أقضي شبابي في الكويت؟ لم أخطط لأن أكون مصريًا.. لم أخطط لكي أكون مسلمًا.

مصادفات لا يد لي فيها. جميعها كانت مرايا انتصبت أمامي قدرًا مثلما امتدت صفحة النهر أمام عيني نرسيس.. مرايا كانت تشير إليّ. تعرفني بالعالم.. وبماهية ذاتي في العالم في آن. وأبدًا لا أعرفني.

رغم ذلك، أوقن أن هناك معنى.. حكمة مغلفة بالظلال وراء كل قصة أكتبها.. لكنني لا أعثر عليها أبدًا.

يقال إن ابن خلف الهمداني راح يعدو في وسط داره عدوًا شديدًا، وهو يقرأ بصوت عال.. فسُئل عن ذلك.. فقال: أردت أن أسمع صوتي من بعيد.. لم يفعل الهمداني أكثر مما فعله نرسيس الذي أراد أن يرى صورته تامة هناك.

ولأنني لا أملك شجاعتهما في مطاردة صوتي وصورتي.. أرغب في السير عكسهما.. في المحو الآمن لذاتي.. في الهروب من المرايا التي لا تتوقف عن التلاعب بي.. وفي كل مرة تقنعني: هذا أنت! هذا أنت! فأردد كما رددت إيكو المعذبة: هذا أنت! هذا أنت!

لم أعد مشغولًا باكتشاف الذات.. ولا بصدى اسمي الغريب الذي أُعنون به.. مكتفيًا باستحلاب الجمال في كل صورة تتراءى لي. فمثلما تلخصنا أسماؤنا التي لم نخترها بكل تناقضاتنا.. يلخص الجمال كل معاني الخير والحق والعدل والحرية والكرامة والنظام والتناغم والنور والبهجة. الجمال وحده هو السر الذي يجذبنا.. ويعذبنا. وإن لم نعثر عليه، اخترعناه.

ولهذا أستطيع مطمئنًا أن ألخص ذاتي وكتابتي وحياتي في مرآة بيتين غنتهما أم كلثوم:

  • ·القلب قد أضناه عشق الجمال            والصدر قد ضاق بما لا يقال
  • ·“وإيه يفيد الزمن.. مع اللي عاش في الخيال؟!”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمت مناقشة هذا النص في ورشة “حدثتني عن ست كلمات” التي تشرف عليها الناقدة الكويتية فتحية الحداد.. ودارت النصوص حول تداعيات كلمة “أنا” التي تكررت في إحدى قصائد الشاعر الكويتي الراحل فهد العسكر.

اللوحة لسلفادور دالي 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون