لم أكتشف صديقتي نجلاء علام التي عرفتها في التسعينيات فجأة ، و لكن ببطء ، وبتدرج تأكيدي موقفا إثر موقف. كلوحة تكتشف فيها الجديد كلما مررت عليها وصافحت عينيك فتتأملها بروحك و عقلك. صديقتي التي جمعتنا أحلام جيلنا و اسمها المرتبط بفوزها بجائزة عن حرب أكتوبر و معرض الكتاب و انتقالها للعمل بوزارة الثقافة . زواجها من الصديق الروائي المعروف هشام علوان. ثم تأخذنا الحياة … ثم فجاة. يتوقف إصدار كتاب الأطفال الخاص بي ، والذي قدمته لسلسة قطر الندى لسبب لا يتعلق بها بأي شكل فأطلبها في التليفون و بلا تردد انفجر فيها. كانت تستطيع ببساطة أن تقول إنها لا تعرف شيئا عن الأمر و أن لا علاقة لها به. بل ربما تدخلها كان سيؤذي علاقتها بالقائمين على الأمر لأنهم من يرأسونها. لكنها بضميرها الأدبي. أبت دون ذلك.
كانت ثورتي كبيرة و كان حِلْمها كبيرا و قدرتها على الاحتواء و عدالتها من أجمل ما رأيت. هي ربما لا تتذكر التفاصيل لكنني لا أنساها . قالت سأفصل بلجنة قراءة جديدة ومحايدة و أنا من سيتابع الأمر بنفسي. فقلت لنفسي تلك السيدة روحها جميلة بما لا يدع مجالا للشك. مرحبا بك في مكان بقلبي. صديقة. و صدقا لم تكن فرحتي بعد مهاتفتي إياها سببها حل مشكلة الكتاب قدر ما كانت لذكاء ردودها وموضوعيتها فاحترمتها أكثر، و غبطها على هدوئها الذي اختبرته في مهاتفات كثيرة ملونة بألوان الحياة و الأطفال و رائحة الطبخ. و تحضير أوراق المؤتمرات و المؤتمرات نفسها. أتحدث أنا كثيرا و هي تنصت كثيرا. ليجتاحني نفس الانطباع الذي أشعر به حينما كنت أتحدث مع العظيم صبري موسى أطال الله في عمره.
تلك المقاربات النفسية بينهما من التواضع في الإبداع و للإبداع والدأب، دونما غرور ولا حب للظهور ولا نرجسية تنتاب المبدع ومساعدتها لمن يحتاج المساعدة أيضا و حرصها على الجميع. لعل ذلك ما جعلها بصدق أخت الرجال و النساء على السواء.
ليس هذا انطباعي فقط و إنما انطباع الكثيرين عنها.و لعلني أكون أنا خير شاهد لأنني طالما أقول لنفسي بمداعباتي المعتادة . حينما تجمعنا الأماكن ( الساحرة الطيبة و الساحرة الشريرة) و الشريرة بالطبع هي أنا لأنها ببساطة تكون في كامل الهدوء و الطمأنة و أنا في كامل الصخب على غرار أفلام الكارتون…اللهم إني أحسب للساحرة الشريرة الموضوعية نفسها للساحرة الطيبة في تناولنا للأمور.
أهدتني نجلاء علام أفيالها الصغيرة التي لم تمت بعد و قرأت روح تحوم آتية، و بعين كاملة قرأت لها نصف عين. ثم رائعتها الخروج إلى النهار. التي نقلتني إلى ما يشبه قصة الخلق مع سحر عالم خلقته وحدها من الألف إلى الياء. عالم يبتعد تماماً عن شبيه سابق في نحت مفرداته. لغته شكل شخصياته. الشريحة التي تزرع. والأحلام التي ضاعت وحُرّمت .
من تحت الأنقاض يخرج الأمل والإرادة وتظهر قوة الأنثى حافظة التراث والمحرضة على الحياة . الأنثى المشاركة للبطل و الفاعلة. تخرج الثورة ضد كل فساد لإنقاذ الإنسان. ثورة الشعوب ضد الفساد مصر وتونس و إن كنت أتمنى أن تستمر الرواية في سحريتها التي جذبتني بمتعتها إلى النهاية دون أن تنتقل إلى الواقع. مثلما اجتذبني سحر فيلم أفاتار بعالمه الخاص أيضا دونما واقعه . و لست أقارب في شيء هنا سوى متعتي المغلفة بالدهشة و القدرة الرائعة لأجنحة الخيال.
و هنا لا أنسى عطاءها في مجال الكتابة للأطفال. فلها في هذا المجال دقة الباحث و دأب طالب العلم و انطلاقة المبدع. و لها جولاتها الكثيرة مع مجلة قطر الندى. رغم أعباء حياة أقدرها كأم و أديبة. دمت لنا يا نجلاء و دام عطاؤك و دامت رقتك صديقتي الجميلة “الساحرة الطيبة “