حاروها: حسن عبد الموجود
فى شبرا لا يمكن أن تسير دون أن تصطدم كتفك باكتاف السائرين ، في كل مكان مقهى ، وكما يقول عم صلاح جاهين ورا كل قهوة قهوة ، هناك حديث السمر مشاحنات النساء قصور العز القديم .. هناك نشأت الأديبة الشابة نجلاء علام .
– بخلاف القراءة والكتابة ما هي العوامل التي ساهمت في تشكيل المبدع بداخلك؟
أتصور أن المكان له عامل هام ، فشبرا التي نشأت بها مكان خاص جداً فهو مدخل القاهرة الشمالي وقريب من الريف لذا فأهله قد أخذوا الطابع الريفي تتجاور فيه الأماكن الشعبية بالمتوسطة وأماكن يبدو فيها العز القديم كقصور وفيلات وجهاء قدامى ، حينما تسير في شبرا لابد أن كتفك ستصطدم بكتف السائر بجوارك ، شبرا كما أعتقد شكلت كثيراً عين الراصد بداخلي ، كيف أنظر و كيف أضع عيني على المشهد الدال ، مثلا كيف تسير البنات متجاورات وهن ذاهبات إلى المدرسة أو كيف تريد الجارات أن تتحرش ببعضهن البعض ، كل شيء داخل هذا الحي يمكن أن تلحظ أن له هذا الوقع تداخلات الشوارع ولهجات الناس المختلفة والمقاهي ، شبرا كما يقول صلاح جاهين وراء كل قهوة قهوة وراء كل مقلة مقلة ، هذا من ناحية المكان ومن ناحية أخرى يتلبسنى قدر من الصمت فأستطيع مراقبة المشهد دون أن أعلق عليه فيكون دوما الاحساس بهذا المشهد وإعادة إخراجه من خلال هذه الكتابة
– إذا ما الذي تعنيه إليك الكتابة نفسها ؟
في الأجيال السابقة كان هناك حلم الكتابة نفسه حلم بتغيير الحياة بإيجاد مفردات جديدة لهذه الحياة ، بعمل ما يشبه الهزة الكبرى أو الحدث الضخم الذي يمكن أن يغير من حياة شعب مثلا ، لكن بالنسبة لجيلى أو بالنسبه لي على وجه الخصوص أصبح حلم الكتابة هو أن تكون موجوداً أنك ما تزال تحيا تتنفس تعيش وأنك راصد لما يجرى حولك ، هو حلم إحداث هزات صغيرة متوالية فى هذا البحر الساكن السطح ” الواقع ” .
إن الإنسان في الحياة وخاصة في هذا الزمن يعيش بالقصور الذاتي كما يقولون هكذا نولد ونتعلم ونذهب إلى الجامعة ونتخرج ونعمل كل هذا وكأن هناك موتوراً كان دائراً وتوقف وهذا ما تبقى منه بعض اللفات ، الكتابة هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخرجني من هذا القصور الذاتي .
– ترى لماذا تهتمين اهتماماً زائداً بالتفاصيل الصغيرة الخارجية وهو ما يُسمى بالقص من الخارج ؟
اتفق معك في أن كتاباتي فيها كمية من الرصد الخارجي ، ولكنها لا تغفل رصد تغير الملامح النفسية للإنسان خاصة في هذا العصر لأن القصة تتعرض لشبه موقف واحد وهذا الموقف لا يمكن أن يكون حدثاً كبيراً إنما مجرد رصد لشيء بسيط جداً ربما يحدث وفرد يعبر الشارع أو ينظر إلى إمرأة أتصور أن القصة إذا أحدثت اهتزازة صغيرة عند الإنسان الذي قرأها و جعلت لديه نفس العين الراصدة الموجودة داخل القصة يكون هذا نجاحاً لي .
– ولكن ألا يجعل هذا وجود نوع من طمس لبعض الاحاسيس الخاصة ، بشكل أكثر وضوحا كتابتك تختلف تماماً عن كتابة أبناء جيلك التي تتركز حول الحالة والجسد ؟
لدي مثال دائما أردده : الإنسان يستطيع أن يجلس ويتحدث عن نفسه بالساعات ولنأخذ مثال عن شخص يتحدث عن شجاعته المتناهية من الممكن أن يكون مبهراً ويصدقه الناس فإذا مرت بجواره قطة يرتعد أو يقف فوق كرسي أو يقوم بأي فعل يدل على الفزع المدفون بداخله هذه الرعدة هي القصة ، من هذا المنطلق لا شيء اسمه وصف أحاسيسي الخاصة في لحظة من اللحظات لكن هناك دائما ما يدل على هذا الإحساس بالفعل أو بالحركة أو باللون أو بالصوت أو بأي شكل ، لن تجد فى القصة عندي حكياً ، إنما هو دائما صورة أو مشهد بشري تتحرك داخله الشخصية ومن خلاله نستطيع أن نتعرف عليها .
إذا كان هذا رأيك إذاً كيف تنظرين إلى ما يُسمي بكتابة البنات ؟
لقد أصبح هذا هو السؤال التقليدي لكل كاتبة وفي الحقيقة أريد أن تتحمل الكاتبات بعض العبء في الإجابة على هذا السؤال من وجهة نظري ، لا أساس لهذه التقسيمات ، بنات ، أدب الأظافر الطويلة ، البنات يكتبن أجسادهن ، وكل هذا الكلام الجميل الذي هو أيضا بلا معنى ، لقد أصبح الرهان في الكتابة بالنسبة للكاتبات وللكتاب أيضا أن يبحثوا عن شيء يصدمون به القاريء سواء أكان لغة مهومة ، مفارقة صارخة ، كتابة جسد كل هذه الخلطة التي أصبحت معروفة مسبقاً ، كل هذا يبعد الكاتبات و الكتاب عن مغزى الكتابة الحقيقية .
…………………….
* نُشر هذا الحوار في جريدة أخبار الأدب ، عام 1997 باب ( ملامح جيل ) .