نثر المراة وخصائصه في الأدب المصري والأدب الروسي المعاص

دينا محمد عبده
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نثر المراة وخصائصه في الأدب المصري والأدب الروسي المعاصر:

روايتا “بروكلين هايتس لميرال الطحاوي و صونيتشكا للودميلا أوليتسكايا نموذجا

دينا محمد عبده*

تمثل الدراسات المقارنة بلا أدني شك أهمية كبري في العملية الأدبية والنقدية، ويعتبر نثر المرأة من الموضوعات الحيوية التي تنعكس فيها تلك الدراسات، وتفتح هذه الدراسة أفاقاً جديدة في مجال المقارنات بين الأدب العربي خاصة المصري منه والأدب الروسي، حيث نذهب إلي أن هناك تقارب شديد بين خصائص نثر المرأة في كلا الأدبين، ولإثبات صحة ما طرحناه سنتناول بالبحث والتحليل رواية (بروكلين هايتس) للكاتبة المصرية ميرال الطحاوي والرواية القصيرة (صونيتشكا) للكاتبة الروسية لودميلا أوليتسكايا لكشف نقاط التلاقي بين الروايتتين وذلك عند المقارنة بين خصائص نثر المرأة في كلتا الروايتين محل الدراسة ومن الجدير بالذكر وعلي الرغم من أن موضوع نثر المرأة قد اجتذب العديد من الباحثين والنقاد إلا أن مجال البحث قد افتقر إلي الدراسات المقارنة خاصة بين الأدبين المصري والروسي.

يرتبط تطور نثر المرأة في مصر بجهود المفكر المصري قاسم أمين والذي وجهت أفكاره وأعماله إلي قضايا تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها وتحريرها من سلطة الرجل، مما كان له أبلغ الأثر علي تشكيل فكر وعقيدة العديد من النساء المبدعات في بداية القرن العشرين واللاتي كن يمثلن الرعيل الأول من الكاتبات المصريات، ويذكر الدكتور وجيه يعقوب في دراسة له بعنوان (خصوصية السرد النسوي) أن »من أبرز تلك الكاتبات والمفكرات زينب فواز وعائشة التيمورية  وعائشة عبد الرحمن وهدي شعراوي«[1]وقد سعي هؤلاء الكاتبات من خلال أعمالهن إلي تحسين وضع المرأة الإجتماعي وتأكيد حقها في التعليم والقضاء علي كل صور التمييز والعنف ضدها. وقد انعكست هذه الأفكار بشكلجلي في أعمال الكاتبة ملك حفني ناصف والتي ضمت جميع مقالاتها في مجلدين بعنوان (النسوية) عام 1910م. 

    ازدهر نثر المرأة في مصر بشكل ملحوظ في النصف الثاني من القرن العشرين في أعقاب ثورة 23 يوليو عام 1952م حيث تمكنت المرأة من الحصول علي حقوقها السياسية والاجتماعية ضمن أهداف الثورة. وقد برزت في تلك الفترة العديد من أسماء الكاتبات النساء اللواتي لعبن دورا كبيرا في النضال من أجل تحرير المرأة والسعي لإنتزاع باقي حقوقها وذلك من خلال أعمالهن الأدبية ومقالاتهن الإجتماعية. ويذهب الدكتور عبد الرحمن أبو عوف في كتابه (قراءات في الكتابات الأنثوية)[2] إلي تقسيم ممثلي النثر النسائي الحديث إلي ثلاثة أجيال، الجيل الأول يمثل النثر النسائي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي والتي تعلقت فيه أحلام النساء بإنجازات ثورة يوليو 1952م ووعود الرئيس عبد الناصر والسعي لحصول المرأة علي كامل حقوقها، وينتمي لهذا الجيل الكاتبات نوال السعداوي ولطيفة الزيات وسلوي بكر، أما الجيل الثاني فهو يمثل النثر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي حيث تناولت ممثلات هذا الجيل من الكاتبات الموضوعات التقليدية الخاصة بتحرير المرأة، وكانت بطلات أعمالهن كثيرا ما يعنين ويتألمن ويعشن في خوف دائم وقلق مستمرمن المستقبل وصدام مع الحاضربواقعه وتقاليده القائمة، وتنتمي لهذا الجيل كل من أمينة زيدان وسحر الموجي ومي التلمساني وعفاف السيد وميرال الطحاوي. أما الكاتبات المعاصرات اللاتي ازدهرابداعهن مع حلول القرن الواحد والعشرين فهن يمثلن الجيل الثالث وقد استكملن المشوار الإبداعي لسابقاتهن من الجيلين الأول والثاني. ويشير المستشرق الروسي دريفيتيانكЕ.В.Древетнякإلي أن هؤلاء الكاتبات »قد فتحن أفاقاً جديدة في إبداعهن، واتجهت أعمالهن إلي تناول أجناس أدبية متعددة لعل أبرزها الرواية التاريخية«[3]

وبالإنتقال للحديث عن نثر المرأة في الأدب الروسي والذي يمثل في الوقت الحالي جزءا رئيسيا وأصيلا في العملية الأدبية فترجع أصوله إلي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، غير أن أعمال الكاتبات الروسيات في ذلك الوقت لم تكن معروفة ولم تثير اهتمام النقاد والباحثين الذين كانوا ينظرون إلي هذا النوع من النثر نظرة ثانوية ويمثل ابداع كل من آنا أخماتافا ومارينا تسفيتايفا مرحلة هامة في تطور وعي المراة في ذلك الوقت والذي كان يمثل العصر الفضي للأدب الروسي. ولكن وكما تشير الناقدة شابانفاА.М Шабанова»إن هولاء الكاتبات كن يخجلن من أن يطلقن علي أنفسهن شاعرات وأطلقوا علي أنفسهن شعراء وذلك تلافيا للتهميش والنظرة الثانوية التي كان يتم النظر بها إلي المبدعات من النساء«[4] وفي الفترة السوفيتية لعبت المرأة دورا كبيراً في بناء المجتمع والمشاركة في الحروب وفي جميع مجالات الحياة ولم يظهر في ذلك الوقت مصطلح نثرالمرأة المتعارف عليه الأن.

     من الجدير بالذكر أن النثر النسائي الروسي الحديث قد ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي مع ظهورالوعي الجماعي لدي المرأة الروسية وظهرت العديد من المنتديات والجمعيات النسائية والتي كانت تسعي للحصول علي الحقوق الكاملة للمرأة وتحسين أوضاعها الاجتماعية، ومن بينها ( التحول) و (الأخوات) و (الأمازون الجدد) والتي تم تأسيسهم بداية من عام 1986م، حيث كانت قضايا المرأة وطرق التعبير عنها علي رأس أولويتها خاصة في مجال الإبداع الأدبي، ونتيجة لذلك لمعت عدة أسماء من الكاتبات والمبدعات اللواتي اهتممن بمصير المرأة وتمردن علي النظم الذكورية التقليدية وذلك من خلال أعمالهن الأدبية التي مثلت تسع مجلدات في ذلك الوقت من بينهم (منطق المرأة) و (ماريا) و( حياة نظيفة) و(لا تتذكر الشر) و (الأمازون الجدد) و(المرأة التي استطاعت أن تطير) و (ماذا تريد المرأة) حيث تنعكس في هذه الأعمال تيمات جديدة وطرائق مختلفة في الإبداع الفني، ومع ظهور تلك المجلدات التسع التي تكمل بعضها البعض والتي كما أشارت الناقدة كوبنيوفا »Ж. Кубениоваأنها تمثل معا اتجاه أدبي جمالي مستقل يعرف بإسم نثر المرأة الروسي«[5] والذي كان من أبرز رواده بيلا أخمدوليينا، لينا فانيفا، فاليريا ناربيكافا، نينا سادور، سفيتلانا فاسيلينكا، لودميلا بتروشفسكايا، تاتينا تالستايا وفيكتوريا توكاريفا. ومن هنا وحتي وقتنا هذا ارتبط ظهور نثر المرأة كظاهرة رئيسية في الأدب الروسي المعاصر ارتباطاً وثيقاً بظهور أعمال تلك الكاتبات علي الساحة الأدبية.

وقد اختلف الباحثون والنقاد الرووس فيما بينهم حول نثر المرأة، وجري الصراع ما بين الإعتراف والإنكارلوجوده، ومن بين المشككين في وجوده الناقدة سليوساريفا И. Слюсареваالتي أشارت إلي »أن المرأة عندما تكتب نثرا جيدا فهو جيد وليس نسائي«[6] أما الناقد باسينسكي П. Басинский فيري أن »نثر المرأة غير مؤكد وجوده، مدام هناك جدال بشأن تصنيفه كظاهرة أدبية من عدمه«[7]، أما الناقدة ترافيموفاЕ. Трофимова فقد رفضت تصنيف الأدب وفقا للجنس البيولوجي، مؤكدة أنه »يوجد أدب جيد وأدب سئ وليس أدب ذكوري وأدب أنثوي[8]«. وعلي الجانب الأخر وبالنظر إلي مؤيدي ذلك النوع من الأدب تشير كوبنيوفا Ж. Кубениовإلي أن في مقدمة أحد المجلدات السابقة بعنوان (لا تتذكر الشر) تم ادراج رأي جماعي لمؤلفات ذلك المجلد والذي يقضي بأن »نثر المرأة يوجد علي الساحة الأدبية ليس مجرد نزوة وإنما حقيقة حتمية واقعة أنتجها الزمان والمكان، فهو موجود مدام هناك عالم المرأة الذي يختلف عن عالم الرجل لذا يجب الإعتراف بأهميته مدام ينتمي إلي أحد جنسي البشرية الأساسية«[9]. وتؤكد مؤلفات المجلد السالف ذكره أن المرأة لها دورها الخاص ومصيرها الخاص مما يتطلب وضع خاص بها في العملية الإبداعية، وترفض الناقدة أرباتافاМ. Арбатова  الإحتكار الذكوري للأدب مؤكدة أن »الأدب والفن يخضعان بشكل صارم إلي قوانين الرقابة الذكورية التي داخل الفضاء الثقافي الذي شكلته تلك القوانين[10]«. وتؤكد سافكينا И.Савкина أن »نثرالمرأة ليس هو مجموعة النصوص التي كتبتها كاتبة تنتمي بيولوجيا إلي الجنس الأنثوي وإنما هي ظاهرة ثقافية نشأت نتيجة الوعي الجماعي لدي المرأة في الأونة الأخيرة[11]«.

 تعتبر كل من ميرال الطحاوي ولودميلا أوليتسكايا من أبرز ممثلي نثر المرأة، حيث استطاعت كل منهما أن تترك بصمة واضحة في تطوير وتشكيل هذه الظاهرة الأدبية في أدبها القومي. وبإلقاء الضوء علي السيرة الذاتية لميرال الطحاوي وإبداعها يمكن الإشارة إلي أنها ولدت عام 1968م في إحدي الأسر البدوية بمحافظة الشرقية والتحقت بكلية الأداب جامعة الزقازيق ثم توجهت إلي القاهرة لتستكمل دراستها الأكاديمية وتحصل علي الماجيستير والدكتوراة في الأدب العربي من جامعة القاهرة ، وبعد حوالي عام من قدومها إلي القاهرة قامت بإصدار أول مجموعة قصصية لها، وفي عام 1996م صدرت أولي روايتها »الخباء« التي جلبت لها الشهرة ورسمت فيها صورة عن حياة البدو وعبرت فيها عن رفضها لوضع المرأة في ذلك المجتمع البدوي المنغلق، كما تنعكس في الرواية بعض عناصر السيرة الذاتية الخاصة بالكاتبة. وفي عام 1998م صدرت لميرال رواية »الباذنجانةالزرقاء«و في عام 2002م رواية »نقرات الظباء« والتيصورت فيها أيضاً مجتمع البدو وحياة القبائل العربية، وقد تٌرجمت أعمال الطحاوي إلي العديد من اللغات الأجنبية منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وفي عام 2007م سافرت ميرال الطحاوي إلي الولايات المتحدة الأمريكية حيث قدمت محاضرات في اللغة العربية في جامعة أبالاتشي بولاية كارولينا وجامعة أريزونا الحكومية، وعاشت في منطقة بروكلين، حيث شكلت الحياة هناك وانطباعات الكاتبة عن المهاجرين في هذه المنطقة مادة ثرية لنسج روايتها »بروكلين هايتس« والتي صدرت عام 2010م وقد أثارت الرواية ردود فعل ايجابية لدي جموع القراء والنقاد وتأهلت للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية وحصلت علي جائزة نجيب محفوظ في نفس العام. تحمل الرواية مسمي بروكلين هايتس باللغة الإنجليزية مع كتابتها بحروف عربية دون ترجمة والتي تعني مرتفعات بروكلين، حيث يؤكد السياح والمهاجرين»أن هذه المرتفعات من أجمل المناطق في نيويورك والتي تطل علي الساحلوالتي من خلالها يمكن رؤية تمثالالحرية وساحلمانهاتنوجسربروكلين«[12].

أما الكاتبة لودميلا أوليتسكايا فهي واحدة من أبرز ممثلي نثر المرأة في الأدب الروسي، وقد ولدت في بشكيريا عام 1943م وتخرجت في كلية الأحياء جامعة موسكو وعملت كأخصائية في علوم الجينات الوراثية في معهد الجينات التابع لأكاديمية العلوم وفصلت منه عام 1970م. تزوجت لودميلا ثلاث مرات، وعاشت مع زوجها الثاني عشر سنوات، كانت تقوم في خلال تلك السنوات بدور ربة المنزل أما زوجها كان عالما واعداً، وأثمر هذا الزواج عن اثنين من الأبناء الذكور، وقد تبدلت الحياة بين الزوجين بسبب أنانية الزوج مما أي إلي الطلاق. نمت موهبة الكتابة لدي أوليتسكايا بعد الإنفصال، حيث بدأت حياتها الأدبية في وقت متأخر وفي مرحلة نضج من حياتها، حيث بدأت مشوارها الأدبي بكتابة العديد من السيناريوهات للبرامج الإذاعية والتليفزيونية وكتابة المسرحيات لمسارح الأطفال ومسرح العرائس، وقامت بكتابة سيناريو فيلمي »شقيقات ليبيرتي« عام 1990م و »امرأة للجميع« عام 1991م. أما مجموعتها القصصية الأولي »أقارب فقراء« فقد صدرت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي والتي أكدت فيها علي المسئولية تجاه الفقراء خاصة الأقارب والجيران منهم. وفي تسعينيات القرن ظهرت العديد من الروايات المتميزة للكاتبة ومنها »ميديا وأطفالها« و »صونيتشكا«و »الوحش« و»الجنائز المرحة«.  ففي رواية »ميديا وأطفالها« تحكي عن أرملة عقيمة تحول بيتها إلي بيت عائلي كبير يضم الجميع، القريب والبعيد من جميع الجنسيات والأعمار, وقد حصلت أوليتسكايا علي جائزة بوكر الروسية عام 2001م والجائزة الوطنية الكبري (الكتاب الكبير) عام 2007م ، أما في عام 2010م صدرت روايتها »الخيمة الخضراء« التي انعكست فيها نضال الكاتبة ضد السلطة، مهما كانت هذه السلطة، سواء كانت سلطة البيوقراطية أو الروتين أو غيرها. وقد ترجمت أعمال صونيتشكا إلي جميع لغات العالم الحية تقريبا بما فيها العربية. وفي رأي الناقدة بابوفا أن أهم ما يميز إبداع أوليتسكايا هو »قضايا الحياة والموت ومصير الإنسان في هذا الكون مما جعل الناقد يرون في ابداع أوليتسكايا الكثير من الحزن والكآبة«[13]. أما »صونيتشكا« وهي الرواية محل الدراسة فقد ظهرت عام 1992م ووصلت إلي نهائيات جائزة بوكر الروسية عام 1993م وحصلت عام 1994م علي جائزة ميدسيس الفرنسية كأحسن كتاب مترجم في العام وحصلت كذلك علي جائزة جيوزيبيه أتشربي الإيطالية عام  1998م.

وبالإنتقال إلي معالجة الخصائص المميزة لنثر المرأة المعاصر في إبداع المصرية ميرال الطحاوي والروسية لودميلا أوليتسكايا، سنتجه إلي مناقشة روايتي »بروكلين هايتس« و »صونيتشكا« للوقوف علي تلك الخصائص ومدي تشابها في كلا المؤلفين.

     يعتبر موضوع تأكيد الهوية واحدا من أهم خصائص نثر المرأة، حيث نجد أن كاتب العمل الأدبي– امرأة والتي تظهربصفتها السارد للنص أو المنتج للنص، فالقارئ يتلقي جميع الأحداث والموضوعات والأفكار التي تقابله في النص بعيون المرأة الكاتبة وعقيدتها الفكرية. وتشير الناقدة روفينسكا أنه في »خلال رحلة البحث عن الهوية من خلال نثر المرأة والذي يمثل تجسيدا لمفهوم النسوية تعاني الكاتبات النساء الكثير من الإغتراب النفسي ليس فقط بسبب الضغوط الخارجية المعتادة وإنما بسبب أنهن يحملن نفس الأفكار والتقاليد الثقافية الرجعية ودون وعي تحولن إلي ممثلات لها ومعبرات عنها«[14]. والمرأة هي الشخصية المحورية في أي عمل فني ينتمي لهذا النثر فالأحداث تأتي منها وعنها ومصيرها هو الموضوع الرئيسي لهذا العمل الفني. ففي كتابه (قراءة السرد النسوي) يؤكد الناقد المصري الدكتور محمد عبد المطلب أن »غالبية السرد النسوي ينحاز إلي الصوت الأنثوي، وتمثل هذا في إعطائه أكبر مساحة نصية ، سواء احتل هذا الصوت منطقة (الراوي)، أو منطقة (الشخوص) الفاعلة أو المنفعلة«[15]، كما يؤكد أيضا في كتابه علي أن»إن متابعة السرديات النسوية كما وكيفا يوثق هذه التقنية، فمجمل الوقائع كانت تنفجر من الشخصية النسوية، سواء أكانت الشخصية حاضرة حضورا مباشرا، أمكانت حاضرة تقديريا، ومن حيث الكم فإن كم الشخوص النسوية يزيد – غالبا – علي كم الشخوص الذكورية تماما، وتتحول علاقة الأنثي بالذكر، إلي علاقة الأنثي بالأنثي، وكأن الاستبعاد إشارة للإستغناء«[16]. ففي هذه الأعمال تعتبر المرأة هي الشخصية المركزية والرجل و الشخصية الثانوية.

»بروكلين هايتس« هي رواية تتحدث عن مصير امرأة حيث تعتبر بطلتها هند التي تبلغ من العمر أربعين عاماً هي الشخصية المحورية في الرواية ، كانت تعمل كمعلمة للغة العربية  وقد سافرت إلي أمريكا بعد انفصالها عن زوجها الذي خانها وتركها واختفي من حياتها. وقد استطاعت هند في أمريكا أن تستأجر شقة في منطقة بروكلين تتكون من حجرة واحدة لتعيش فيها مع ابنها الذي تمكن من أن يلتحق هناك بالمدرسة الإبتدائية، وكانت هند تجوب كل يوم شوارع بروكلين للبحث عن عمل وتزور المحال التجارية والمكتبات، وفي نهاية الأمر تمكنت من الحصول علي عمل في أحد المطاعم (دانكين دونتس)، حيث عملت كعاملة نظافة تقوم بغسل المراحيض وتنظيف الحمامات. وقد تعرفت في بروكلين علي العديد من المهاجرين من مختلف الجنسيات من بينهم الروس والأفغان والصينين والصوماليين والأكراد والفلسطينين والأمريكان أيضاً. عاشت هند وسطهم واستمعت لأحاديثهم عن أنفسهم وتحدثت مع بعضهم عن نفسها. كانت الغربة قاسية عليها، ولم تكن تحب أن تتحدث بالإنجليزية، ولم تتواصل مع الناس بسهولة، وقد تملكها اليأس والخوف من الموت والقلق علي مستقبل ابنها.

أما »صونيتشكا« فهي بدورها رواية قصيرة عن مصير امرأة ، وكانت بطلتها التي تحمل نفس اسم الرواية ناهمة للقراءة منذ الطفولة والتي شكلت جزء كبير من تشكيل شخصيتها، وقد التحقت بالمعهد الفني للمكتبات وعملت أمينة لإحدي المكتبات. وتتطور الأحداث ويظهر في حياتها بدلاً من الكتب بيت وأسرة وزوج وبنتوالتي تكرس حياتها لهم، وتتحول صونيتشكا أو صونيا إلي ربة منزل عملية، وقع كل شئ علي عاتقها، الجوع، البرد، نقص المال، الفقر وغيرهم من الظروف المعيشية العصيبة التي عانت منها الأسرة في سنوات ما بعد الحرب، وقد صبرت وصمدت صونيا أمام كل تلك الصعوبات، وبعد سنوات طويلة من الحياة الزوجية التي كانت تشعر فيها بالسعادة بالرغم من كل ماسبقيخون الزوج ويتركها وحيدة ليعيش مع عشيقته الشابة الجميلة ياسيا، وتعفو صونيتشكا وتتسامح في حقها للمحافظة علي روابط الأسرة ولكنه يتركها ويحل عالم القراءة والكتب مرة أخري محل الزوج الذي غدر والإبنة التي كبرت ورحلت لتشق حياتها.

     يعتبر وصف جسد المرأة من أبرز خصائص ذلك النثروالذي يرتبط ارتباطا وثيقاً بمصير المرأة ويلعب دورا كبيرا في تشكيل حالتها النفسية خاصة اذا كان متعلقاً بالتشوه وفقدان الجمال. فبطلتي الروايتين محل الدراسة تفتقدان تماما إلي الجمال الشكلي الخارجي مما كان له أبلغ الأثر عليهما. فهاهي هند تبدو أمام نفسها امرأة كبيرة عجوز، بالرغم من أنها لم تتجاوز الأربعين، كما أنها بدينة ودميمة حيث أن »الفك العلوي في فمها أكثربروزاً من السفلي« و »أنفها محدودب طويل«[17]، أما صونيا والتي أسهبت الكاتبة في وصف جسدها فهي »طويلة القامة، نحيلتها، وعريضة المنكبين، وذات ساقين جافتين ومؤخرة ضامرة لكثرة الجلوس، ولم يكن لديها من المفاتن سوي نهديها الكبيرين كنهود القرويات، واللذين نموا مبكرا، وعلي نحو لا يتناسب مع جسدها النحيف، انحني كتفاها واحدودب ظهرها، وكانت ترتدي أثوابا طويلة فضفاضة لخجلها من الثروة التي لا طائل منها في الأمام والتسطح المقيت في الخلف«[18]. وللأسف الشديد زاد من معاناة هاتين البطلتين ردود أفعال أقاربهم والذين كانوا يعيرونهما بسبب دمامتهما وفقدانهما للجمال، فهاهي والدة هند كانت تقول لها وبشكل مباشر »أنها ليست جميلة، فلا تعتمد علي ذلك وليست (عدلة) أي لا تجيد أعمال البيت ببراعة، وأبصر مين يرضي بيها«[19]، أما إيفريم، شقيق صونيتشكا الأكبر دائما كان يكرر نفس المزحة أمامها: »لقد اكتسبت مؤخرة صونيتشكا شكل الكرسي بسبب قراءتها التي لا تنتهي، واكتسب أنفها شكل الكمثري«.[20]

     وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور وجيه يعقوب أن »الرواية النسوية اهتمت بوجه خاص بالجسد اهتماماً كبيراً واعتبرته مكوناً مركزياً من مكونات السرد لا يمكن الإستغناء عنه، إذ يقوم الجسد بالعديد من الوظائف والرموز والطقوس والإشارات المتعددة«[21] ويظهر جسد المرأة في الكثير من الأعمال كوسيلة للإغواء والإنجذاب الجنسي. ففي »بروكلين هايتس« يخرق مدرس الرسم المستقيم المتدين الذي وقعت في حبه هند عندما كانت تلميذة في المدرسة الثانوية كل الأعراف والتقاليد تحت تأثير جسد زميلتها في الفصلزوبة اللعوبممشوقة القوام ذات الجسد الأبيض الممتلئ، ويهرب معها ويقيم علاقة غير شرعية وتحمل منه، أما روبرت فيكتوريفيتش فيخون زوجته الوفية صونيتشكا ويجرح مشاعرها تحت تأثير جسد ياسيا، الفتاة الجميلة شديدة البياض، تلميذة المدرسة الثانوية أيضا وصديقه ابنته في الفصل. وتكتب أوليتسكايا في روايتها: »كان يمتع ناظريه بها، أما هي فقد أحست بذلك وشمخت تحت وطأة نظرته وذابت بسبب من الاعتداد الأنثوي الصغير، واستمتعت بسلطتها الكاملة عليه«[22].

     وعلي الجانب الأخر يستخدم وصف الجسد في التعبير عن الكثير من التغيرات البيولوجية المتعددة التي تتعرض لها المرأة ولعل أهمها الحمل والولادة والرضاعة، تلك التغيرات البيولوجية التي تترك أثرا كبيرا علي الشكل الخارجي لجسد المرأة والحالة النفسية لها، وذلك في أعقاب ترهل البطن وزيادة الوزن وتشوه بعض أجزاء الجسم. وقد تمكنت الكاتبات النساء بمهارة واحترافية شديدة من الوصف والتعبير عن كل هذه الأمور التي تميز الجنس الأنثوي عن الذكوري. وتتحدث ميرال في روايتها عن جسد بطلتها الذي »صارت فيه علامات أخري تسترعي انتبهاها، الترهلات حول البطن، العضلات التي ارتخت بعض الحمل والولادة والرضاعة من ثديها الذي ينز منه اللبن حتي ذلك الوقت دون سبب منطقي«[23]. وفيما يخص الرضاعة أعطت أوليتسكايا في روايتها وصفا دقيقا لهذه العملية البيولوجية، حيث أن بطلتها كانت »تفك أزرار الكنزة مغمضة العينين وتسحب الثدي المتصلب مع حلول الصباح، فتضغط علي الحلمتين ليسقط خيطان طويلان من الحليب علي الخرقة المبرقشة بالورود التي تمسحهما بها. تبدأ الطفلة تهمهم ضامة شفتيها، وتتلمظ وتلتقط الحلمة مثلما تلتقط سمكة صغيرة غنيمة كبيرة«[24]

ترتبط الأمومة كموضع هام ورئيسي في نثر المرأة بتلك العمليات البيولوجية السابقة، وتشير الروسية سافكينا И. Савкина إلي أن »في معظم الأعمال النسوية تم تناول موضوع الأمومة من جانب معين هو تصوير عمليات الحمل وانجاب الأطفال فقد تفننت الكاتبات في تصوير أماكن الولادة وعيادات النساء والتوليد، وصورن بالتفصيل الأعراض المصاحبة لعمليات الولادة من ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع ضغط الدم وتضخم البطن وترهله وما إلي ذلك«[25]، وبالرغم من كل هذا لاتحقق الأمومة في كثير من الأحيان السعادة بل علي العكس قد تكون سبباً للإضطراب النفسي والتوتر والخوف والقلق المتزايد علي مستقبل الأبناء. فبطلتي كل من الطحاوي وأوليتسكايا لاتشعرن بالاستقرار النفسي، وكلتهما تحمل علي عاتقها المسئولية الشاقة في تربية الأبناء بالإضافة إلي ذلك فإن هند تخشي الموت خوفاً من أن تترك ابنها وحده في الغربة، وصارت تحذره كل ليلة من »العابرين والجيران والغرباء وزملاء المدرسة الأكبر سناً، ومن الأساتذة وغرف الدرس والحمامات المدرسية«[26]، أما صونيتشكا فقد أصابها الخوف والقلق الشديد علي مستقبل ابنتها التي فقدت الرغبة في التعليم والاهتمام بالدراسة، فهاهي تشتكي لزوجها قائلة له: (انها لاتواظب علي دروسها… لا تفعل شيئاً… يوبخونها في المدرسة… تتحدث مدرستها (رايسا سيميونوفنا) عنها بتلمحيات بذيئة«[27].

     يعتبر موضوع الأسرة من أهم مايميز نثر المرأة، فقد تحدثت الكاتبات عن تفكك الأسر وانهيارها موضحات أسباب هذا الإنهياروالذي يتعلق بشكل أساسي كما صورن في أعمالهن بالزوج الذي يخون ويهجر البيت، وعلي الجانب الأخر تحدثن عن دور المرأة وسعيها الدائم للحفاظ علي الروابط الأسرية وتثبيتها وتدعيمها بين جميع أفراد الأسرة، فالبيت، والغرف والمطبخ والأثاث هو الفراغ الذي تتحرك فيه الأسرة، وهنا يجري طهي الطعام وغسيل الصحون وتنظيف الملبس والمسكن وغيرها من التفاصيل الحياتية والتي تحملها المرأة علي عاتقها لتحقيق هدف واحد سامي وهو راحة الأسرة وسعادتها، وقد تضحي من أجل ذلك براحتها وصحتها واهتماماتها وهوايتها المحببةوأحيانا بمستقبلها المهني وحياتها كلها، بازلة من الوقت والجهد والعمر مالايقدر عليه غيرها من باقي أفراد الأسرة.ففي رواية »بروكلين هايتس« يتجسد موضوع الأسرة بشكل ملحوظ، ولكن الكاتبة لم تلمس هذا الموضوع بشكل كبير في حياة بطلتها بل أشارت سريعا إلي حياتها الزوجية وأولت الإهتمام للحديث عن حياتها في الهجرة وعن ذكرياتها في الماضي، ففي أمريكا تحملت الكثير من أعباء الحياة، حيث عملت عاملة نظافة في مطعم (دانكين دونتس) وكانت تغسل المراحيض وتنظف الحمامات، لكي تستطيع أن توفر لقمة العيش لإبنها الصغير. وهناك كانت تستعيد ذكرياتها عن حياة الطفولة وعن أمها المتوفية والتي نحفت بشدة من التعب والإرهاق المستمرين وكذلك من الأعباء المنزلية والحمل المتكرر والولادات المتعددة »فصار وجهها متعباً، كأنها عائدة دائماً من رحلة شاقة«.[28]أما الروسية أليكسيوتينا В. Алексютина فتشير في دراسة لها إلي أن »موضوع الأسرة هو الموضوع السائد في أعمال أوليتسكايا«[29]، بينما تؤكد أسموخينا О. Осьмухинаعلي أن»موضوع الأسرة هو أساس العالم الفني والإبداعي للكاتبة»[30].في رواية أوليتسكايا نري أن بطلتها صونيتشكا التي تحولت خلال سنوات زواجها من آنسة مرموقة إلي ربة منزل عملية كانت تحلم بتحقيق السعادة والرفاهية لأسرتها، فقد »رغبت في منزل انساني طبيعي فيه صنبور مياه في المطبخ وغرفة مستقلة لابنتها ومحترف لزوجها وكستليتة وخشافات وشراشف بيض منشاة وغير مخاطة من ثلاث قطع مختلفة«[31]، ولذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي  »مارست صونيا عملين، فكانت تقضي الليالي علي آلة الخياطة وتوفر النقود سراً عن زوجها«[32]وقد بلغت الهدف وتحققت كل أحلامها »فبجهود صونيا الهائلة، وبعرق جبينها استطاعت أن تقتني مسكناً، وانتقلت إلي ربع كامل من منزل خشبي ثنائي الطبقات… بدا المنزل رائعاً – اذ كان منزلاً ريفياً سابقاً لمحام مشهور قبل الثورة….  فبات لدي تانيا غرفة مستقلة، وهي الحجرة المشمسة في الطبقة الثانية، أما والد صونيا، الذي يعيش آخر سنوات عمره، فقد شغل غرفة في الركن، وأقام روبرت فيكتوروفيتش علي الشرفة المزججة مرسمه، كما صارت الحال أرحب أيضا في ما يخص النقود«[33]. غير أن ذلك قد ترك أثره علي صونيا التي »تقدمت بها السنون بسرعة وعلي نحو غير جميل وهي تتلاطم في حافلات الضواحي وقطاراتها الكهربائية المتداعية، فتحول الزغب الناعم فوق الشفة العلوية إلي أجمة وسخة، وزحفت الجفون إلي الأسفل مضيفةً علي الوجه ملمحاً أشبه بملامح الكلب، أما ظلال التعب تحت العينين فما عادت تزول لا بعد عطلة الأحد ولا بعدإجازة الأسبوعين«[34]، بالإضافة إلي ذلك رحل الأدب والقراءة من حياتها، وحل محلهم الأعباء المنزلية والمشاكل الحياتية.

      وبالانتقال إلي واحدة من أهم خصائص نثر المرأة وهو صورة الرجل، فنجد أن غالبية الكاتبات النساء سواء المصريات أو الروسيات رسمن صورة سلبية للرجل في أعمالهن، فبدت صورته معيبة بالنسبة لصورة المرأة التي تم الإرتقاء بها إلي أبعد الحدود. فنجد الرجل في أعمالهن أنانياً وخائناً ولا يفكر إلي في نفسه ويضع مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار حتي قبل أولاده وأسرته، وعلي الجانب الأخر تصور الكاتبات إيثار المرأة التي تضحي بمصالحها الشخصية في سبيل جميع أفراد الأسرة، وقد أثار ذلك الرغبة لدي المرأة في الاستقلال عن الرجل، فقد تمردت الكثيرات منهن، وخرجن إلي الفضاء الواسع الرحب، بعد أن كان الفراغ الذي صارت فيه حياتهن لا يتجاوز جدران حجرة النوم والمطبخ وغرف الأطفال. أصبحت الكثيرات منهن أكثر استقلالاً، حيث أدي الشعور بالظلم وقسوة الرجل إلي غياب الحب. ويري الناقد الروسي خارتشيفВ. Харчев أن الرجل في نظر الكاتبات النساء أصبح »غير جذاب، فظهر جباناً،تافهاً، أنانياً، مدمن للكحوليات، ولايمكن الاعتماد عليه، لذلك فهن فقدن الحب تجاهه، وأصبح الرجل في نثر المرأة مجرد ديكور تضطر دون إرادة أن تشير له، لكي تؤكد لنفسها أنها موجودة هنا بدلا منه«[35]. أما الكاتبات المصريات فقد كشفن في أعمالهن جميع صور العنف البدني والنفسي والجنسي الذي تتعرض له المرأة من جانب الرجل، مؤكدات أن العنف والإذلال هو الوسيلة الوحيدة الذي يستطيع الرجل بها أن يسلب حريتها وأن يخضعها لإرادته. فالضرب والسب و الاغتصاب والختان وتجاهل احتياجات المرأة واللامبالة والاحتقار والقسوة وتعدد الزوجات والخداع والخيانة والطلاق التعسفي هي صور مختلفة للقهر البدني والنفسي الذي تتعرض له المرأة، ويشيرمحمد صفوري في أطروحة الدكتوراة الخاصة به إلي »نفور الكاتبة العربية من الرجل دون أن تكون له حاجة في إنشاء أي علاقة معه، وذلك لممارساته القمعية ضدها وضد البشرية جمعاء، إنها تراه مصدرا للشر والدمار وتري نفسها بديلا عنه في تدبير شؤون الكون، فهي قادرة علي استبدال شرور الحياة التي زرعها الرجل بالحب والتعاون والمشاعر الانسانية وكل ماهو جميل في الحياة«[36]. في رواية»بروكلين هايتس«تتجسد العديد من النماذج الذكورية السلبية والتي تتعلق بصورة الأب والزوج ومعلم التربية الفنية، الحب الأول بالنسبة لهند. فقد كان الأب مدمناً للبيرة ، وكان يرسل ابنته باستمرار إلي دكان العم محمود لكي تشتري له زجاجات البيرة غير عابئاً بلوم وعتاب ابنه الأكبر الملتزم دينياً والذي يري في شرب البيرة خرقاً لتعاليم الإسلام. وعلي الرغم من أن الأب تخرج في كلية الحقوق، ولكنه لم يمارس مهنة المحاماة ولا مرة واحدة وظل دون عمل يقضي وقته في جلسات السمر ومرافقة الأصدقاء، وقد كان السبب في افتقار الأسرة وتردي أحوالها المعيشية، فقد صارت الأم »تراقب بقلق أوضاع السقف والأغطية البالية[37]«، والملابس التي تعيد إصلاحها مرة بعد مرة، لتناسب الأولاد الذين يكبرون فجأة  , أما زوج هند فقد كان خائناًمخادعاً، وقد أقام العديد من العلاقات الأثمة مع سيدات عدة. وعندما قرأت هند رسائل الدردشة علي التليفون المحمول الخاص به، ظهرت لها محادثاته مع عشيقاته وكلمات جنسية متبادلة وتحديد مواعيد غرامية، وفجأة ترك البيت وهجر هند واختفي من حياتها، ولم تري هند في زوجها إلا »فجا وقحا«[38]. أما مدرس التربية الفنية والتي أحبته هند عندما كانت طالبة في المدرسة الثانوية فقد هرب مع الفتاة اللعوب الماجنة زوبة.

     تظهر النماذج الذكورية السلبية بشكل جلي في رواية »صونيتشكا« والتي تتجسد في صورة الصبي الوسيم فيتكا ستاروستين، زميل الدراسة الذي أحبته صونيا في صباها المبكر حين كانت  في الرابعة عشرمن عمرها، وقد انتهي هذتا الحب الوليد نهاية مرعبة لايمكن نسيانها، فقد حدد فيتكا للمعجبة العاشقة الصامتة موعدا في »ممر جانبي من الحديقة، ووجه لها علي نحو مهين وقاتل صفعتين علي وقع قهقهة استحسان من أربعة زملاء لهما تلطوا بين الشجيرات[39]«، وعلي أثر تلك الحادثة مرضت صونيا وسقطت طريحة الفراش أسبوعين مصابة بحمي شديدة، وعلي ما يبدو أن »نار العشق قد فارقتها علي هذا النحو الكلاسيكي[40]«. أما النموذج الذكوري الرئيس في رواية أوليتسكايا هو روبرت فيكتورفيتش، زوج البطلة والذي كان محباً للنساء، والذي امتلاءت حياته المتقلبة بالعديد من الخيانات، فقد »خان دين أجداده، وخان آمال والديه، وخان حب معلمه، وخان العلم، وقطع أواصر صداقاته بقسوة وحدة ما إن بدأ يشعر بالقيود علي حريته[41]«. وعنما قرر الزواج من صونيا، في هذه المرة قد خان »العهد الأكيد بالبقاء عازباً الذي قطعه علي نفسه في سنوات النجاح المبكر والخادع، والذي لا شأن له بالعفة مطلقاً.[42]«أما صونيتشكا التي كانت تقدر الحياة الزوجية بشكل كبير وضحت بكل شئ، وقضت حياتها كلها في خدمة زوجها والوفاء له وتربية ابنتها وخدمة أسرتها وتلبية الإحتياجات المعيشية والنضال المستمر للتغلب علي مل صعوبات الحياة  قد تلقت ضربة قاسية وهي الخيانة العظمي حيث خانها زوجها مع صديقة ابنتهما وقرينتها في العمر ، ولم تمتلك المرأة الضحية أي تصور للتعامل مع هذا الموقف المؤلم، بل لم تولي اهتماماُ لمشاعرها الخاصة، وتقبلت خيانة الزوج بهدوء وصبر، باحثةً عن مبررات لتلك الخيانة، فكانت تقول لنفسها: »يالعدالة أن تكون إلي جانبه جميلة وفتية ولطيفة ومساوية له بتميزها وألمعيتها، ويالحكمة الحياة حين ساقت له في شيخوخته هذه الأعجوبة التي أجبرته علي الالتفات من جديد إلي أهم ما فيه، إلي الفن«[43]وعلي الرغم من أن صونيا قد ارتضت أن تتقاسم الحياة مع زوجها وعشيقته، إلا أنه استسلم تماما لنزوته وهجرها وتركها وحيدة، وتعود مرة أخري إلي عالمها القديم، عالم الكتب والقراءة. ولكن عندما يموت الزوج في موضع مشين ميتة مخزية، تقوم صونيا بدفنه وتقيم له معرضاً لعرض لوحاته، وقد جلب له هذا المعرض شهرة واسعة بعد مماته، فقد انتشرت لوحاته في العالم كله و »ما إن تظهر واحدة منها في مزادات الفن المعاصر من جديد حني تصيب هواة جمع الأعمال الفنية بحال ما قبل النوبة القلبية. أما أعماله الباريسية التي سبقت الحرب فباتت أثمانها خيالية، وقد بقي منها القليل جدا – إحدي عشرة لوحة فقط«[44]. أما صونيا فهي في رأيي الناقدة سالفيوفا »انسانة عظيمة عن حق، فقد استطاعت أن تسامح زوجها وتحافظ علي الروابط الأسرية المقدسة.[45]« لقد ظلت صونيتشكا علي وفائها وإخلاصها لزوجها المتوفي طيله حياتها المتبقية.

……………………………………

*أستاذ الأدب الروسي المساعد كلية الألسن جامعة عين شمس

 

[1]وجيهيعقوباسماعيل. خصوصيةالسردالنسوي. القاهرة،مجلةفيلولوجي،العدد 59،يناير 2013، ص 10.

[2]عبدالرحمنأبوعوف. قراءةفيالكتاباتالأنثوية. القاهرة،دارنشر (الهيئةالمصريةالعامةللكتاب)، 2001. ص 20.

[3]Древетняк Е.В. Египетская проза XX века как отражение процесса эмансипации арабской женщины // Ученые записки Таврического национального университета им. В.И. Вернадского. Серия «Филология. Социальные коммуникации». – 2012. – Т. 25 (64), № 2. – С. 128–133.

[4]Шабанова А.М. «Феномен «женской прозы» в русской литературе…» // Вектор науки ТГУ – 2013. № 2 (24) – С. 374–376.

[5]Кубениова Ж. Осмысления критикой феномена современная русская женская проза конца ХХ векa // «Новая русистика» – 2011. – № 1. – С. 37–49.

[6]Слюсарева И. Оправдание житейского: Ирина Слюсарева представляет «новую женскую прозу». // Знамя. 1991– № 11– С. 238–240.

[7]Басинский П. Позабывшие добро? Заметки на полях «новой женской прозы» // Литературная газета. 1991.–  № 7–  С. 10.

[8]Трофимова Е. Женская литература и книгоиздание в современной России // Общественные науки и современность. 1998 – № 5 – С. 147–156.

[9].Кубениова Ж. Указ. соч. С. 39.

[10]Арбатова М. Женская литература как факт состоятельности отечественного феминизма. Преображение. 1995.–  № 3 –  С. 26.

[11]Савкина И. А. Зеркало треснуло (современная  литературная критика и женская литература) // Гендерные исследования. 2003. – № 9. – С. 84–106.

[12]Суворов М.Н. «Современная литература Ближнего И Среднего востока». https://dspace.spbu.ru/bitstream/11701/6540/4/Suvorov%20M.N.%20Sovremennaya%20literatura%20Bliznego%20i%20Srednego%20Vostoka.pdf

[13]Попова М. и др. Современная русская литература.  Изд-во Тамб. гос. техн. ун-та, 2008.

[14]Ровенская Т. Феномен женщины говорящей. Проблема идентификации женской прозы 80-90-годов // Женщина и культура. 2000 – №17.

[15]محمدعبدالمطلب. قراءةالسردالنسوى. القاهرة،دارنشر (الهيئةالمصريةالعامةللكتاب)، 2014.ص 77.

[16]نفس المرجع، ص 78.

[17]ميرالالطحاوي. بروكلينهابتس. بيروت،دارنشر (دارالأداب)، 2010، ص18.

[18]لودميلا أوليتسكايا. صونيتشكا، ترجمة عياد عيد، القاهرة، دار نشر (الكرمة)، 1995، ص 5-6.

[19]ميرال الطحاوي، مرجع سبق ذكره، ص 20.

[20]لودميلا أوليتسكايا، مرجع سبق ذكره، ص 5.

[21]وجيه يعقوب، مرجع سبق ذكره، ص 36.

[22]لودميلا أوليتسكايا، مرجع سبق ذكره، ص 104.

[23]ميرالالطحاوي،مرجعسبقذكره،ص114.

[24]لودميلا أوليتسكايا، مرجع سبق ذكره، ص 44.

[25]Савкина И. Да, женская душа должна в тени светиться… // «Жена, которая умела летать»: Проза русских и финских писательниц. Петрозаводск, 1993.

[26]ميرالالطحاوي،مرجعسبقذكره،ص132.

[27]لودميلا أوليتسكايا، مرجع سبق ذكره، ص 69.

 

[28]ميرالالطحاوي،مرجعسبقذكره،ص191.

[29]Алексютина В. А. Мотивные комплексы, воплощающие тему семьи в рассказах Л. Улицкой // Вестник КемГУ. 2014. – № 1 (57). Т. 2. –  С. 114–117

[30]Осьмухина, О. В. В поисках утраченной толерантности: Людмила Улицкая // Вопросы литературы. 2011. – № 1. – С. 144 – 158.

[31]لودميلا أوليتسكايا، مرجع سبق ذكره، ص 52.

[32]نفس المرجع السابق، ص 52.

[33]نفس المرجع السابق، ص 54.

[34]نفس المرجع السابق، ص 52.

[35]Харчев В. Вера, надежда…? Север. 1992 – № 8 – С. 157.

[36]محمدقاسمصفوري. أطروحةدكتوراة (شعريةالسردالنسويالعربيالحديث). حيفا،كليةالعلومالإنسانية،قسماللغةالعربيةوآدابها،جامعةحيفا، 2008. ص 109.

[37]ميرالالطحاوي،مرجعسبقذكره،ص183.

[38]نفس المرجع السابق، ص 119.

[39]لودميلا أوليتسكايا، مرجع سبق ذكره، ص 18.

[40]نفس المرجع السابق، ص 19.

[41]نفس المرجع السابق، ص 14.

[42]نفس المرجع السابق، ص 14.

[43]نفس المرجع السابق، ص 107.

[44]نفس المرجع السابق، ص 134.

[45]Соловьева Л. В. Русская проза рубежа тысячелетий: Учебное пособие. — Елабуга: издательство ЕГПУ. 2006.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم