نادي الألسنة المقطوعة

محمد صفوت
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد صفوت

لم يشعر بشىء في البداية عندما سُرق منه لسانه خلسة،كان ذلك عبر شفرة حادة لامعة،بعدها ظل يرفرف من ألم لا يمكن تصوره يـُشبه ألم رجلٍ سـُرق منه لسانه عبر شفرة،لم ينم تلك الليلة،ليس من الألم فقط،بل من التفكير في هذا الفراغ الهائل الذي أصبح عليه فمه،حاول أن يتحسس بطرف سبابته طرف لسانه،أفزعته المفاجأة،كأنه اكتشف ما حدث للتو،وقف أمام المرآة،فتح فمه وأخذ يتأمل،بدا له فمه دون لسانه كطريق موحش بلا أعمدة إنارة،حين حاول أن يـُقبل زوجته كما كل ليلة رفضتْ بذعر حقيقي،رفضته أيضا في الليالي التالية،فلم يعد يمتلك لسانا شقيا يمكنه أن يلاعب لسانها.

في الصباح كان يفكر في طريقه إلى عمله كيف يمكن أن يواجه العالم دون لسان،كيف يمكنه أن يرد تحية الصباح،أن يقطع تذكرة المترو دون أن يحدد للصراف محطته،أن يتبادل أحاديث عابرة لقتل الوقت مع الجالسين بجواره؟

قرر أن يضع منديلا على فمه كإشارة أنه مـُرهق ولا يستطيع الكلام،في نهاية هذا النهار قرر رئيسه في العمل أن يتنازل عن خدماته،فليس لديه لسان يردد به شعارات المحل التي تخدع الزبائن.

في المساء كان يجلس بين أصحابه على المقهى صامتا،يراقب ألعابهم واضعاً منديله على فمه،بمرور الوقت لم يعد يحفل به أحد إذا جاء إلى المقهى،إذ فقد موهبته الوحيدة في إطلاق النكات البذيئة التي تـُضحكهم.

لم يعد الرجل ذو اللسان المقطوع يـُخيف أولاده بجمله التي كانتْ تتوعدهم بتهديدات مـُرعبة،حتى الصغار الذين كانوا يخشون اللعب أسفل حجرته عادوا للعب عندما علموا أنهم أصبحوا في مأمن من لسانه الطويل الذي كان يتدلى من النافذة ويلاحقهم بشتائمه وسـُبابه،لم يعد الرجل قادرا أيضا على الاعتراض على قرارت الحكومة وهو يشاهد نشرة الأخبار،فقد كان يجمع لعابه على لسانه ويـدفع من خلاله بصقة مدوية على الشاشة كطريقة خاصة في الاعتراض،كما فقد قدرته العالية على إغواء النساء بكلماته المعسولة والتي طالما اخضعتْ الكثيرات لسطوته.

عندما شعر الرجل مقطوع اللسان بعمق ورطته،فكر في حل مثالي للخروج،قرر أن يقوم كل ليلة بقطع لسان أحد سـُكان المدينة ليلفتْ الانتباه إلى ورطته،في كل ليلة كان يتخفى في الظلام،يـُداهم أحدهم،يـُمسك برأسه،يضغط بقوة على شدقتيه،فينزلق اللسان للخارج،بعدها يـُخرج شفرته الحادة ليقطع اللسان من أعماقه،ظل يفعل ذلك لعدة ليال،كل ليلة يـُضيف عضوا جديدا لقائمة نادي الألسنة المقطوعة،بعد شهر وعندما كان يتخفى كعادته لقنص لسان أحدهم،رأى امرأة قادمة من بعيد،أخذ يتلفتْ حوله مـُتحسسا شفرته في جيبه،فوجد عينين مـُتخفيتين تلمعان في الظلام،شعر أن هـُناك من يـُراقبه،فقرر أن ينسحب،لكنه سمع صرخة مـُدوية،كان هناك من يحمل لسان المرأة بين يديه ويجري به بعيدا،فتعجب من أن هناك من لديه نفس شغفه بقطع الآلسنة،في طريق عودته وجد رجلا عجوزا يتساقط الدم من فمه يـُطارد شابا يحمل شفرة بين أصابعه،بعد عدة أسابيع،كان سـُكان المدينة كـُلها بلا آلسنة،فلم يجد الرجل حرجا في تقبيل زوجته التي لم يعد لديها لسانا يمكن مداعبته،كما عرض عليه صاحب العمل أن يعود إلى عمله شريطة أن يبتكر حيلا آخرى في التعامل مع زبائن المحل الذين يشترون السلع في صمت ودون أن يتمكنوا من طرح أسئلة تحتاج إلى ردود زائفة،كما بدأت النساء تتقبل طرقا أخرى من فنون المغازلة لا تعتمد على كلمات الرجال المعسولة ،في الحين نفسه بدأ الناس يعترضون على قرارات الحكومة التي تبثها نشرات الأخبار بطرق بديلة،كالإيماءات الغاضبة أو بالأصوات الحادة الغامضة من عمق الحنجرة.

 

 

مقالات من نفس القسم