حاورتها: جريدة الجزيرة
تملك مي التلمساني الإرادة والدأب وتقضي وقتا حميماً مع الورق.. تكتب وتنقد.. تبدع وتترجم.. ويختلط في مشروعها ما هو أدبي بما هو سينمائي.. كما تختلط همومها الذاتية بما تعانيه المرأة في كل مكان ومع هذا تظل تعلن وتصيح: “أنا لست مناضلة”.. ربما لأنها تكرس نفسها بالأساس للنص الأدبي.. ومؤخراً رشحت روايتها “دنيا زاد” لجائزة الاندبندت البريطانية، ووصلت الى الترشيحات النهائية لكنها لم توفق. التقينا بها وكان هذا الحوار:
* كيف تجمعين بين النقد السينمائي والترجمة والتجهيز لرسالة الدكتوراه بجانب نشاطك الإبداعي حيث صدر لك خلال خمس سنوات حوالي عشرة كتب؟
في الحقيقة قمت بترجمة خمسة كتب عن السينما وكلها مراجع أساسية للطلبة والمهتمين ولا تبعد عن موضوع اطروحتي للدكتوراه عن تصوير الحارة في السينما المصرية والتي اعدها حاليا في كندا. أما بالنسبة لنصوص الإبداع فقد صدرت لي مجموعتان هما: نحت متكرر عام 95 وخيانات ذهنية عام 99م، وروايتان هما دنيا زاد عام 97م وترجمت للعديد من اللغات وأيضاً هليوبولس التي صدرت أواخر العام الماضي. وممارسة كل هذا ربما حفزني كوني خريجة مدارس فرنسية واتقن الفرنسية تماماً، وربما لكوني من عائلة سينمائية بالأساس، فأبي ناقد ومخرج سينمائي هو عبدالقادر التلمساني وابن عمي هو المخرج طارق التلمساني. هذا المناخ كان بمثابة الإطار المرجعي لي حيث اعتدت على مشاهدة الأفلام بكثرة وعلى الاقتراب من العديد من المشاريع السينمائية. أما بالنسبة للكتابة الإبداعية فشجعتني عليها بالأساس الناقدة المعروفة فريدة النقاش من خلال مجلة أدب ونقد في نفس التوقيت الذي كنت أنشر فيه مقالات نقدية عن السينما.
وأعتقد أن جيل التسعينيات الذي انتمي اليه يمتاز بهذا التنوع، او كسر الحواجز والتداخل النوعي بين أشكال الإبداع، فالأمور كلها تنفذ على بعضها، وان كنت أظن أن السينما هاجس مشترك عند معظم أبناء هذا الجيل. وممارسة كل هذا على الأقل بالنسبة لي تتم بشكل عشوائي، أي ليس هناك وقت مخصص للإبداع ووقت مخصص للنقد السينمائي أو الترجمة.
* بحكم انتمائك الى اسرة فنية، لماذا لم تطوري اهتمامك بالسينما من خلال العمل كمخرجة أو سينارست؟
كانت لي بعض التجارب، فمثلاً كتبت فيلما قصيراً عن الاسكندرية اخرجه عبدالقادر التلمساني، وكذلك كتبت “سيناريو روائياً” عن رواية تصريح بالغياب لمنتصر القفاش وكان من المفترض ان يخرجها طارق التلمساني لكن المشروع توقف لافتقاد منتج.
* هذه الاهتمامات المتشعبة ألا تؤثر على حرارة الإبداع من وجهة نظرك؟
لا شك ان انغماس الإنسان في مجال ما قد يبتلع منه الوقت فلا يجد المساحة الكافية للاهتمامات الأخرى، وربما كان من المفترض أن أخصص كل الوقت للإبداع، خاصة إذا تأثر سلبا بالاهتمامات الأخرى، لكن ما يحدث معي ان كتابتي الأدبية مازالت تحمل خصوصية الأدب وربما يصعب تصورها كأفلام سينمائية، وربما يندر أن يوجد بها الحوار السينمائي. وهذا يمنحني الضمان لان أجرب وابحث لنفسي عن دروب جديدة للتعبير.
* الملاحظ على أغلب ما ترجمته أنه يميل الى التنظير والى طرح نماذج من السينما العالمية..
معظم الوقت كان اهتمامي ينصب على متابعة النظريات السينمائية في العالم، وتطبيقها على الأفلام التي اشاهدها، حتى لا يعتمد النقد على مجرد التحليل الانطباعي وفي هذا الاتجاه حرصت على ترجمة بعض الكتب الأساسية في هذا المجال كمحاولة للوصول الى العناصر المركبة للفيلم وتحليلها من خلال علم السرد والسيمولوجيا ومؤخراً انفتحت على علم الاجتماع أيضاً نظراً للاهتمام به في شمال أمريكا.
* وهل رؤيتك للسينما العربية وأنت تعيشين في الخارج اختلفت عما كانت عليه عندما كنت في مصر؟
الى حد ما. واظنه اختلافا ايجابياً، فنحن في مصر منغلقون على السينما الأمريكية والسينما العربية التي نراها وكذلك الأوروبية نادرة للغاية. لكن الوجود في مكان مثل كندا يسمح للمرء بالذهاب الى دور عرض كبيرة تعرض أفلاماً متنوعة الجنسيات بشكل تجاري وهذا يوفر فرصة أكبر للاحتكاك والمقارنات بين السينما العربية وغيرها.
والملاحظ أن معظم ما يكتب عن السينما العربية في الغرب مغرض الى حد كبير لأنه يكتب من وجهة نظر المنتج الأمريكي او الفرنسي دون مراعاة للخصوصيات، فمثلا تتهم السينما العربية بأنها سينما كلام لا صورة، رغم ان المفترض ان نحاسبها بمعايير ثقافتنا الخاصة، فنجاح أفلام اسماعيل ياسين رغم فقر الصورة لا يجوز التقليل منه لأنه كان يخاطب قطاعا عريضا من الناس ومن كل الأعمار. فالغرب مازال يتعامل معنا بكلمات معيارية مثل جيد او سيىء دون ان يراعي خصوصيتنا الثقافية.
* إذا انتقلت الى روايتك دنيا زاد التي ترجمت الى الانجليزية والفرنسية والألمانية، نجد أنها تطرح حدثا شديد الارتباط بالمرأة وهو فقد جنين، والحدث يأتي على لسان امرأة ايضاً، فهل ثمة علاقة بين هذا السياق وبين المفاهيم النسوية؟.
ليس هناك وعي واضح بالمسألة النسوية في الكتابة لكن ربما يتكون هذا الوعي بعد الانتهاء من الكتابة.. فأسأل نفسي: هل انا في طريقي للدخول في كتابة نسوية؟ وما نتيجة هذا الدخول؟ لا أدري.. لكن يبقى ان هناك اهمية للنظر الى الكتابة النسوية كنسق من انساق تحليل النص مثل انساق أخرى فلسفية ومعرفية.
* إذا كانت النسوية من ضمن انساق أخرى لتحليل النص.. فهل تستطيعين بخبرتك النقدية تحليل روايتك دنيا زاد وفق هذا النسق او المنظور؟
بالطبع، فمثلاً الفتاة “ميكي” بطلة الرواية تنظر الى العالم بحس نقدي وتحاول ان تأخذ مسافة متمردة من هذا العالم وفقا للافكار العامة للنسوية، وهذا يدخل في إطار محاولة تغيير المرأة لواقعها واستعادتها للوعي الكلي الذي يخص حياتها وحياة الآخرين. ولكن كل هذا لم يكن في ذهني بوضوح وأنا اكتب.
كما أننا يجب ان نفرق بين المنظور النسوي في تحليل نص ادبي وبين نضال الجمعيات النسائية، فالأخير شق اجتماعي خاص بتحرير المرأة ومشاكلها وحقوقها بينما التحليل النسوي للنص بمثابة إطار أدبي فلسفي.. هذه التفرقة أؤكد عليها لأنني حتى لو كنت اكتب نصا نسويا فأنا لست مناضلة نسوية ولا أدعي انني استطيع تحرير الفلاحة المصرية من الظلم الواقع عليها. المسألة لا تتجاوز مجرد وجهات نظر وشخصيات في نص، ربما تتحرر وربما لا تستطيع. فهدف الرواية ليس إحداث تغيير وانما مجرد إحساس بأنه لابد أن يحدث تغيير.
* هناك سؤال أساسي لابد من ان يطرح.. وهو يتعلق بإحساسك ككاتبة وانت تعيشين حالة من الاغتراب والازدواج.. ازدواج الإقامة بين مصر وكندا او ازدواج اللغة: الفرنسية والعربية؟
عندي وعي واضح جدا بأنني لست ذاتاً واحدة. طول عمري اقول على نفسي جملة “المرأة ذات الألف وجه” أعيش حالات مختلفة، ولكني ارى هذا التداخل على أنه ثراء وتنوع وليس مرضا، فهذا الوعي بالتعدد هو ما يمنعني من الاستسلام للواقع وشروطه او حتى الاستسلام للأزمات. فعلي قدر الوعي بهذا التعدد أمنح نفسي مساحة من التحليق بعيداً عن الواقع الممل والرتيب الذي نعيشه.
……………..
*نشر في 2001