موسيقى الذبابة

محمد محمد مستجاب: لا أعرف المتاجرة بالأدب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
محمد  بن مستجاب
لا يمكنك الكتابة مع وجود ذبابة في الغرفة. ذبابة واحدة كفيلة بتدمير وقتك وتقلق أفكارك. قادرة – الملعونة-  على سلب كل نفس بداخلك. كل آية قرآنية تتذوقها وتشعر بها أنها لك وهي تأتي خافتة من راديو تركه الجيران. تشعر أن الله قد قالها لك أنت. الذبابة لا تزال تتجول بحرية في الغرفة المعبقة بدخان السجائر. الغرفة المغلقة التي لا تحب أن يزاحمك بها أحد. لا أصوات الشارع ولا الباعة ولا صفق أبواب الجيران ولا صرير السيارة المتعجلة التي لا ترى المطب الصناعي الذي صنعته الحكومة نكاية فيك. الذبابة الملعونة. تخطت كل ذلك. وجعلتك أسيرها. تسير وفق قوانينها، أنت الآن تجمع بعض الأوراق لتصبح شبة عصا حتى تطاردها وتقتلها، ترتشف آخر قطرات من كوب الشاي الباردة، ذات الطعم الذي لا ينسي والتي تجعلك كسولا حتى تنهض لصنع كوب آخر، أنت الآن في حالة تحفز وترقب لقتل الذبابة، لكنك تفشل في أصابتها. تصيب منفضة السجائر فتغرق الأوراق والكتب والغرفة في الغبار والتراب. تطاردها كما تطارد الكلمات التي تتقافز في عقلك. اهتزاز قدمك الدائم. رعشة أناملك وعودة اهتزاز ساقيك. نغمات تحلق حولك والذبابة ترقص حولك ايضًا.
أنها لن تتوقف إلا إذا صمت، تتحول لجثة تراقبها بعيونك المفتوحة الممتلئة بالانتقام. صمت شامل يملأ العالم للحظات. تنهض من مخبئك. تطفئ نور الغرفة وتترك ضوء شاشة الاب توب لتصبح المصيدة الحتمية لها. فتجمع عصاك الورقية في حذر لتخبط بها الشاشة التي استكانت عليها. تنجح خطتك. تقتلها. تصبح جثة هامدة. حينها تبدأ الكتابة.
ومن حقك أيضًا أن تشعل سيجارة وتستمتع بدخانها. وتتأمل الجثة التي أمامك وأن اهتمامها الوحيد بالموسيقي التي تعزفها قبل أن ترحل وتموت. يجب أن تنتبه للموسيقي التي تحوم حولك والتي كانت تحمل كل قوة الحياة، تنهض وتفتح نافذتك لتنظف الغرفة من دخان السجائر والجثث والرماد، تطل بكل شغف على غرابة ومجد وقوة الحياة التي أمامك.
حينها تشكر الذبابة على ما منحتك من بهجة قبل أن تموت، وأن تخبرها بأن رقصتها على الموسيقي لا تزال تؤرقك وانه حتما ذات يوم ستقوم بكتابة ما فعتله لك، والشغف الذي يسيطر على قلبك الآن لتستمع بالموسيقي التي رحلت منذ لحظات.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون