سي حاميد اليوسفي
استيقظ حمّو متأخرا.. قضى النهار بالكامل في البحث عن الماء، وجَلْبه إلى البيت.. الآبار جفت، وكأن جهة ما تُسخّر قوى خفية لسحب الماء من تحت الأرض..
المطر الذي شاهده في مباراة لكرة القدم بمناسبة كأس أمم أروربا، لم يتركه ينام.. في كل مرة يتقلّب في الفراش، ويسأل نفسه:
ـ كيف تهطل الأمطار بغزارة في بلد يشرب فيه الصغير قبل الكبير الويسكي والجعة علنا في الشارع. ويتشاجر السكارى، ويُهشمون طاولات وكراسي المطاعم والمقاهي والحانات؟! بلد يسمح للمرأة بأن تتزوج من المرأة، وللرجل بأن يتزوج من الرجل؟! كيف ترضى عنهم السماء، وتغضب منا؟!
ـ ليس عدلا.. نحن لا نملك قوت يومنا إلا بمشقة الأنفس.. ذنوبنا ضعيفة وفقيرة مثلنا.. نستيقظ مع الفجر في الحر والقر، ونحافظ على الصلوات الخمس.. نتعطّل ونتعطّر يوم الجمعة، ونذهب إلى المسجد، ورغم ذلك لا يسقط المطر.. ثمة خلل في جهة ما!
لابد أن الفجرة الذين يسكنون المدن البعيدة عندنا هم السبب! لكنهم يخرجون بالآلاف لصلاة العيد. ولماذا لا يسقط المطر عندنا، كما يحدث في ألمانيا والمجر؟!
غزة فيها عطش، لكن فيها حرب.. اليمن فيها عطش، لكن فيها حرب أيضا.. هذه يمكن أن نفهمها..
نشرات الأخبار عندنا تقول دائما بأن البلد مستقر والحمد لله.. ولكنها لا تذكر شيئا عن العطش إلا إذا أرادت الزيادة في الأسعار..
قلّ الحليب في ضرع العنزة، وبعنا البقرة لأننا لم نجد ما نُطعمها به.. هذه الحيوانات مثل أولادنا، نقتسم معها المصروف..
ـ أنت يا حمّو لست فلاحا عاديا تُشبه الآخرين.. أنت تعلمت في المدرسة، وقرأت شيئا من تاريخ البلد، وتملك هاتفا نقالا، تعرف كيف تجوب به العالم.. لكنك تكذب مثلهم أحيانا.. بالأمس جاءك ولد كبور ابن عمك، يستعطف أن تقرضه مبلغا من المال ليأخذ زوجته إلى الطبيب في المدينة. وكذبت عندما حلفت بأنه لم يبق معك سنتيم، وأنك سدّدت ديونك بثمن البقرة التي بعتها منذ شهر.. وهل تعتقد بأنه صدّقك؟! سيكون أبله إذا فعل! من يقرضك مئات الدراهم في هذه القرية الملعونة، ولا يفضحك بين الناس؟!
ـ ولكنك لا تحب ولد كبور، لأنه في كل مرة تضغط عليه زوجته، يبيع شجرة جوز، ويشتري لها عطورا وثيابا جديدة..
ـ هل سمعت عن القرية التي ترهن بناتها مقابل قرض يقدمه أحد المهاجرين القادمين من إيطاليا أو اسبانيا لقضاء العطلة في المغرب؟!
ـ شيء لا يُصدقه العقل!
ـ ولكنه حصل!
ـ كيف يدفع العطش والغلاء الإنسان إلى رهن فلدة كبده لراع متسخ، قدم من إيطاليا أو اسبانيا ليفرغ كبته، مقابل مبلغ من المال، سيعيده بعد عام، وإذا لم يفعل، سيأخذ النذل الرهينه، أو أختها مرة أخرى، ويغتصبها لمدة أسبوعين أو شهر.. لذلك لا تسقط الأمطار عندنا؟!
ولد عبد القادر بن خالك تاجر القرية، عاد من الحج، وأقسم ألا يعود إليه مرة أخرى. كاد يبكي، وهو يحكي للأقارب عن الاذلال الذي تعرض له. الرجل يُقسم أنه اكترى قطعة أرض لا تتجاوز مساحة طولها متر وتسعين سنتيمترا وعرضها خمسين سنتيمترا بحوالي أربعمائة دولار لليوم، أضف إليها مصاريف الخيمة والفراش والإنارة والتبريد، ووجد نفسه ينام خمسة أيام في العراء بالقرب من القُمامة، ولا من يشتكي له كيف ضاعت حقوقه، أحس وكأن قطارا صدمه..
ـ أنت تختلف عن جيل ولد عب القادر. أنت لا تحب زيارة مكة.. لو أنصفتك الحياة بنت الكلب، لكان ممكنا مع القليل من الحظ أن تعيش اليوم في أوروبا. هذه الأرض الموعودة التي يحلم كل سكان القرية بأن يُرسلوا إليها أبناءهم ليأتوهم بما فاض عنها من خير..
ـ تُهيء وثائق جواز السفر لزهرة، وتهاجر معك إلى أوروبا! تخيل أنكما تسيران في أحد شوارع مدريد أو مرسيليا؟! لا في البداية لا بد أن تتركها في القرية حتى تستقر، وتجد عملا، وتكتري بيتا هناك..
ـ وهل تعتقد بأن هؤلاء العفاريت المحيطين بك سيتركونها وشأنها بدءا من الفقيه وعون السلطة، وهما من أبناء عمومتك؟.
ـ البدايات تكون دائما قاسية.. عندما تحرث الأرض، وتذهب إلى المسجد يوم الجمعة، تترك الباقي للسماء..
ـ ولكن السماء غاضبة..
ـ يتمنى الفقيه وعون السلطة التخلص منك اليوم قبل الغد. يعتقدون بأنك تُنغص عليهما حياتهما. لولا خوفهما من الفضيحة، وتأليب السكان عليهما، لاغتصبا أغلب نساء القرية.
البئر نضب ماؤها.. ولم يرمك أحد فيها.. وبالتالي لم يعد هناك من داع لأن يبعث الله قافلة سيّارة لإنقاذك..
تذكر دائما لماذا يكرهك الفقيه وعون السلطة.. لن يغفرا لك يوم كنست بهما الأرض، عندما أقسمت لأهل القرية بأن السماء لن تُمطر حتى تُوفّر لكم الحكومة الماء الصالح للشرب، وتبني مستوصفا ومدرسة وطريقا! وقلت لهم بأن هذا هو سر غضب السماء عندنا، ورضاها على بلاد الكفار!؟
مراكش 02 يوليوز 2024