وأكون قصيرا، أقصر من كل الناس
فيأكلوا من فوق رأسي
وهكذا أتخفف من حمولي،
وفي نهاية الطريق ـ بالمعنى الفلسفي للطريق ـ
لا يكون في الصينية إلا العسل
وأنا لذلك لم أحمل جرة ماء
لأنني في نهاية الطريق ـ بالمعنى الفلسفي للطريق ـ
ما كنت لأجد في الجرة إلا الشوائب.
هذه هي قصة الجنة والنار
من يأخذ عبادُ الله منه بسبوسة ينفحه الله العسلَ
ومن لا يحمل إلا الماءَ يجزيه الله الشوائب
أما الذين لا يحملون أي شيء، بل يخطفون البسبوسة، ويغسلون أصابعهم في الجرار، وهم الأغلبية، فهؤلاء في نهاية الطريق ـ بالمعنى الفلسفي للطريق ـ يجدون مفاجآت لا أستطيع أن أحرقها، مع أنني أريد أن أحرقها، وأريد حين أحرقها أن يكون الجو باردا، بمعنى أن أكون في زنزانة في جولاج في سيبريا؛ فأنا طوال الوقت حريص على أن تكون لأفعالي جدوى، وهذا أثقل حمولي، وهو ليس بسبوسة، وهو ليس عسلا، إنه صينية كبيرة من النحاس
فافهموا أيها الناس
***
اغفروا لي
قلت “افهموا أيها الناس” من باب التقفية فقط.
قلتها كي أضيف جمالا
فالقوافي جميلةٌ وانظروا إلى الخمر والعمر
أليس جميلا أن يجلس اثنان مثلهما معا
أنظروا كم هما رائعان على حافة القصيدة العمودية
أنا شخصيا أتمنى أن أسبح حيث يدليان بأقدامهما
وإن كنتم إلى الآن لم تغفروا لي فاعلموا أنه من قبيل التقفية أن صار لنا عينان، وأذنان، وذراعان، ومنخاران، وساقان، لقد جعل الله كل واحد منا مقفى في ذاته، فسبحان الله، وإذا أراد سخيف أن يفسد عليَّ نظريتي باللسان، والقضيب، فأقول له وما مصلحتك في هذا يا أخي؟ ثم أدافع عن نظريتي بمهارة:
ولماذا يا عبقري زمانك لا تذكرني بالقلب، فهل جعل الله لرجل قلبين بالداخل؟ طبعا لا. طيب، مريئين؟ بنكرياسين؟ لا. لا. هذا لأن القوافي جزء من الشكل. والأعضاء الداخلية ليست من شكل الإنسان. وبموجب هذه النظرية يجب أن يبقى اللسان بالداخل، بمعنى أن لا نتكلم فتبقى الشفة على الشفة نموذجا للسيمترية البديعة. وكذلك القضيب، يجب أن يكون بالداخل، أعني داخل أحد آخر. وتتأرجح إلى الأمام، وإلى الخلف، وإلى الأمام، وإلى الخلف، وإلى الأبد … خصيتان
بدون خصيتين، هل كان يمكن أن يوجد إنسان (دعكم من الاستثناءات المقدسة) مقفى في ذاته؟
***
الساعة الآن الثانية عشرة مساء
وكل ما في المدينة نام
أتعجل الصباح لأخرج وأقول للمدينة:
أيتها المدينة التي لا موالد فيها
هذا يعني أنك طالما كنت مدينة بلا قديسين
وهذا يعني أنك مدينة بلا قلب
وهذا يعني أنك لن تقدمي للعالم إلا شعراء تفعيلة يتوقفون عن الكتابة وتحصل جثثهم من الدولة على مدد إضافية تعيشها صلعاء وحقودة
أتخيل منظر المدينة وقد أفحمتها بالحقيقة فاكتأبَت، فيتبين لي أن أحدا لا بد قد سبقني وقال لها هذا الكلام بالحرف
هذه المدينة تحتاج أحدا يمس بطن قدميها؛ (طريقة مضمونة للضحك، مع أننا في الغالب نضحك لأسباب معنوية، ومع أن “مرة واحد لمس بطن قدمه” ليست نكتة، إلا أنها مضحكة) والمدن حين تضحك لا تهتز بيوتها، ولكن قد ـ إن كنا محظوظين ـ تهتز مؤسساتها، وتظهر على الجدران كتابات سواء كتبها الأطفال أو الكبار تكون خفيفة من المعاني، والباعة الجائلون والعساكر يلعبون معا لعبة أكل العيش، والناس تنظر إلى مسجد فتقول “هييه … هذا أكبر فانوس في رمضان”، والضابط حين يتعب من حفظ الأمن يمكن أن يصبح قاتل المطربة، والمطربة ليست مضطرة أن تغني ليحبها الجمهور، والشعراء أيضا، ليسوا مضطرين أن يغنوا، والكشاكيل البريئة تفقد ورقة هي الأكثر براءة هي التي تجمع بين قلبين (مجاز مرسل) يتناكحان، ومن ثم تهتز خصيتان، مع حرص على ألا يأتي إلى العالم إنسان صغير مقفى، وهكذا فالمدينة التي تضحك تكتسب فضيلة أن تصبح قصيدة نثر
11 سبتمبر 2008
ـــــــــــــــــــــــــ
* شاعر ومترجم مصري
خاص الكتابة