من ديوان “الاعتراف خطأ شائع”

الاعتراف خطأ شائع
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رضا أحمد 

مَن يحتاج إلى النوم

وثمة جدران تلقي أسلحتها

وتستدير مبتعدة غير مكترثة لقرابة دم؟

الطريق إلى البيت بعيدة

وتلك الصحراء تلوح لي لأمضي،

تدون شيئًا في كفيها وترشه في عيني؛

أمل خائب تسلق مخاوفي القديمة،

سقط وذاب في الشمس.

أخبرتهم في رسالتي السابقة

أنني مدينة للطريق بكل كنوز ذاكرتي،

أحضرت معي قبعة سوداء

وعانس ترتعد؛

تبحث عن نصفها الآخر خلف ملاءة

ولا دلائل تشير إلى أنني أعرفها

لولا هذا الحمام المذبوح.

 

المسيرة الصامتة للنمل كانت مسرحي المعلن

لعرض قدراتي في تحقيق العدالة؛

حبات السكر تمارس عملها بخفة

في تفريق الجمع،

الآن كل جائع في مكانه الطبيعي.

دعوا الشمس تغرق

اتركوا البحر يتوسل لقشة وينقذ نفسه؛

بتمثال من الذهب

يحتفي الضوء بالأبدية.

 

كم هي غائمة لكنة لافتات الشوارع

تتحاشى النظر تجاهي

وليس ثمة جدار أو جسد تتعلق به

سواي.

 

هذا الجرس صمت رتيب

ما من قط حي خلفه.

 

ليلة بعد ليلة

لم أعد أهتم بحصتي في الضوء؛

وضعت ثقتي فيما يسرقه ظلي

من لمسات

أنحني لألتقطها صدئة ومدماة.

 

الطريق إلى البيت على مقربة من جنازة

ولا شيء أكثر حزنًا من كلب ينبح على باب.

 

الوقت يمضي نحوي، الوقت يتوقف

الوقت يتلفت حولي؛

الوقت خائف آخر من عضة قديمة في معصمي.

 

فوق قلبي عظمتان متقاطعتان

تحت جفني أرض مألوفة للموتى

وأستطيع العمل على شقوق وجهي

لتبدو رائقة ومداهنة للقبلات؛

رغم هذا تقبض على زهرة في فمك

وتتظاهر بالنشوة في حضني.

 

أعرف أن لأحزاني مخالب وأنيابًا

وحقولًا شاسعة من الألغام؛

أمسكت بها أمس وهي تتسلق ظهر عقرب الساعة

توسوس له أن يلسعني

لأفيق من نوبة حب.

 

على مقربة من الأرض

كان كل شيء هادئًا

إلا تلك النظرة في عين نجمة

تتطلع بأسى لوزنها الزائد في مرآة الليل.

 

تحطم الباب

سقطت الجدران

وجسد السجين صار ورقة ترتعد من البرد

ولا مظروفًا يحمله إلى الوطن.

 

الطريق إلى البيت مقفرة

ومن الحماقة أن أستغيث بكل غيمة

أفلتت بعض الدموع حيث رأتني؛

الفخاخ كلها مغمورة تحت كلمات المواساة.

 

اكتشفت أن لي حلفاء جدد

غير هذا الفراغ الذي يلتهمني بالكامل

ويمنح وجهي ألف سبب ليعثر على جسد آخر

في طريقه إلى الموت؛

النسيان حليف جيد

بضع دقائق تقضيها معه

وتهرب من قفص العائلة بظل ممزق وهوية مزيفة،

الخوف أيضًا كان حليفي وأنا أمسك بذيل الأيام؛

أركض وحدي

وما من امرأة قابلتها

إلا وكانت تحرص على فرك تجاعيد وجهها في كفي.

ليالٍ من الأرق

يقطفها أوغاد تائهون في غابة القلب.

 

الطريق:

شق سكين في ورقة وحيدة على شجرة العمر،

أثر وهج قبلة على شفاه متيبسة،

خشخشة مفاتيح في سجلات حرز

جرائم حنين سابقة

أو هكذا أظن وأنا أبحث عن شيء يبقيه لي الخريف

من النهايات الكلاسيكية للأفلام.

 

وحدي والأسف

وألم لا يتقبل كونه متورطًا في جسدي،

يتوقع أن أكترث لمفاصلي التي ترقص بالعصا

تحت مظلة الأشعة الحمراء،

وحدي وخبرة سيئة تسبق حواسي إلى الغد

تعود بنظرات فارغة ولمسات متقيحة

وأصوت تحذرني ألا أمضي بلا هوية؛

في الليلة الأولى لم أر الفوانيس تتدلى من الأشجار

فكرت في خيبة الذئاب لو وجدوا معي سكاكر ودمية.

 

في الثانية كان القمر شاحبًا

والنجمات تؤدي فروضها على وهج الشموع

وتقفز حولي كأرانب خائفة

تبحث عن زر الطوارئ في عربة تتجه إلى السماء.

 

في الثالثة كنت لا أكترث إن مت في حضن أمي

أو بين أنياب قطيع ضباع؛

بدت لي ذاهبة لصيد الثعابين في مستعمرة أمازونية

لا تلك السيدة التي ترعى نمش الحناء في كفيّ

وترتق ثقوب أحلامها بخيوط أيامي

وتبتسم لوخز الإبر في صبر.

 

في الرابعة تركت عينيّ لتمثال أعمى،

هذا ما بدا عليه وجهي:

صحن من الزهور اليابسة تطفو فوق مسحوق الكركم

في معبد بوذي قديم؛

غرض آخر للصلاة وقت الحاجة.

 

في الخامسة نجحت في حياكة طوف

تدفق في سائل كثيف انفلت من بين ساقيّ؛

تقاسمت نظرة واسمي القصير مع رجل غريب

وصفحة غير مطوية في قلبي.

 

في الليلة الأخيرة تزوجت سرًّا من أمين متحف؛

رجل يعرف كيف تحتضر الذاكرة في عيون التماثيل

إن لم تمنحها قليلًا من الدموع،

فعلت كل ما يلزم لأبقي فمي تحت إرادتي

وقلبي نضرًا في صندوق زجاجي.

 

الطريق ما زالت بعيدة

غرفتي بالكاد عرفتني

هرعت إليّ تلحس وجهي؛

لا يمكنني وضع الجميع في قلبي

والنجاة.

 

تقليد شائن هذا

الذي أراه الآن من النافذة

حمامات أمي

تحمل عود ريحان

وتطير بثبات تجاه سفينة حجيج

ترسو فوق حائط الجيران

وتصرخ: وجدتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الديوان صادر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project