حاورها: صبري الموجي
استطاعتْ الروائية منصورة عز الدين في أعمالها الإبداعية أن تُعبّر عن ذاتها الثائرة. شغفتْ بالكتابة منذ نعومة أظفارها، ومزجت فيما تكتب بين الواقع والخيال، العقل الذى يبلغ ذروة الكمال، والجنون الكاشف عن روح متمردة. عن جدتها ووالدتها تعلمتْ الحكي بأسلوب مشوق آسر القلوب آخذ بالألباب، أكسب أعمالها ثقلا مكَّنها من حصد الجوائز. تمتلك موروثا شعبيا استقته من كتاب «ألف ليلة وليلة» والتراث الصوفي، ووظفته فى التعبير عن واقعنا المعيش. مع الروائية منصور عز الدين كان هذا الحوار.
ـ اقتنصتِ جائزة ابن «بطوطة» عن «خطوات فى شنجهاي» وسط منافسةٍ شرسة وأعمالٍ متميزة للعديد من المبدعين.. نودُّ أن نعرف إن كانت هذه الرحلة حقيقية أم مُتخيلة؟
الرحلة حقيقية، وللدقة هما رحلتان.. الأولى كانت إلى شنغهاى فى خريف 2018، حيث قضيتُ شهرى سبتمبر وأكتوبر فى إقامة أدبية بالمدينة بدعوة من اتحاد كتاب شنغهاى والمركز الثقافى الصينى بالقاهرة، وذلك ضمن برنامج شنغهاى الدولى للكتابة، والرحلة الثانية كانت فى نوفمبر 2019 إلى مدينتى بكين وجوهاى بدعوة من مركز (مو يان) الدولى للكتابة الإبداعية، وهذه الرحلة كانت لأيام، لكنها ذات تأثير كبير لأنّها أرتنى وجوهًا أخرى للصين، ولمستُ من خلالها أن هذا البلد أقرب إلى قارة هائلة تتنوع فيها الجغرافيا والمُناخات والقوميات. فكتابى عن أكثر من مدينة صينية، لكن شنغهاى هى مركز هذه المدن، والمرآة التى تنعكس عليها صور غيرها من أماكن وفضاءات.
بمن تأثرتِ من كتّاب أدب الرحلات ؟
أحبُّ قراءة أعمال الرحالة والجغرافيين القدامى، ومن المعاصرين أنجذب أكثر لمن يكتبون رحلاتهم ورؤيتهم للأماكن بمزاج الروائيين، لأنّ هذا هو أسلوبى فى كتابة أدب الرحلات؛ إذ أفضِّل أن أرى الأماكن التى أزورها بعين الروائية، باحثة فيها عن مصادر الإلهام، وعن الخفي والمتواري فى تاريخها وسرديتها الخاصة، أنظر إلى كلّ مدينة جديدة أخطو فيها كرواية أو قصة، تنتظر مني قراءتها أولًا، ثم إعادة ابتكارها أو كتابة روايتي الخاصة جدًا والشخصية عنها.
صدر لكِ رواية «بساتين البصرة»، وقمت بكتابتها خلال وجودك في شنغهاي، فهل هناك صلة بينها وبين «خطوات في شنغهاي»؟
نعم، «بساتين البصرة» كُتِبَت هناك، ويوجد في كِتاب «خطوات في شنغهاي» إشارات إلى بعض تفاصيل كتابتي لها، وبرنامجي اليومي في الكتابة. لقد كانت هذه المدينة سخية معي ومُلهِمة لي جدًا فيما يخصُّ الكتابة، فقد أنجزتُ فيها كتابات كثيرة لأنني كنتُ مُتفرغة تمامًا للكتابة، كنتُ بعيدة عن مواقع السوشيال ميديا، وكلِّ عوامل التشتيت الأخرى، وباستثناء الجولات في المدينة وبعض الندوات والفعاليات التي نظمها لنا اتحاد كتاب شنغهاي، لم أكن مشغولة سوى بالانتهاء من «بساتين البصرة» وبتدوين يومياتي ومشاهداتي في المدينة.
هل تُعد رواية «وراء الفردوس» من أدب السيرة الذاتية، أم أنّها عملٌ إبداعي مُتخيّل؟
لا، «وراء الفردوس» ليست سيرة ذاتية، بل عمل إبداعى مُتخيّل، وإن كانت أجواؤها مُستلهمة من ريف الدلتا، حيث وُلِدت وعشتُ حتى الثامنة عشرة، قبل الانتقال إلى القاهرة للدراسة، ثم العمل فى الصحافة، كلُّ شخصيات العمل مُتخيلة، ولا أساس لها في الواقع، لكن في الرواية الروح المألوفة للقرية المصرية، خاصة فى عقد الثمانينيات.
تتماس روايتك «جبل الزمرد»، التي نالت جائزة أفضل رواية عربية من معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2014م، مع «ألف ليلة وليلة»، ما السبب ؟ ولماذا رغبتِ فى الاقتراب إبداعيًا من هذا العمل الكبير؟
أنا من محبي «ألف ليلة وليلة»، وأرى أنّها أحد أهم الأعمال الإبداعية فى التراث الإنساني كله، وليس في التراث العربى فقط. أحب فيها هذا التمازج الثقافي الفريد بين أكثر من حضارة شرقية، وانفتاحها على الآخرين، كما يُعجبني تركيبها، وتعدد طبقات الحكي وأساليبه فيها. باختصار، أراها عملًا مُلهمًا جدًا، وكثير من حواديتنا الشعبية نابع منه، ويصب فيه، وكلُّ هذا حمَّسني للاقتراب منها، واللعب معها في نص يخصني ومكتوب بشروطي، وانطلاقًا من رؤيتي الفنية.
يبدو إنتاجك القصصي والروائي وفيرا وفي فترة زمنية وجيزة.. فما السرُّ وراء هذا الانتشار وهل لك منهجٌ ساعدك في تحقيق ذلك؟
الكتابة محور حياتي، أفكر ككاتبة طوال الوقت؛ كلُّ ما يقابلني من مواقف وأحداث ومشاهدات أنظر إليه كمصدر للإلهام، أكتب كلَّ يوم تقريبًا وأتجنب كلًَ ما يعوقني عن التركيز في عوالمي الكتابية.
في «أخيلة الظل» و« متاهة مريم»، يلمح القارئ زخما من الخيال والعوالم الخفية البعيدة عن الواقعية.. فإلى أي نوع تنتميان؟
عندي يتسع مفهوم الواقع ليشمل الأحلام والهواجس وحتى الهلاوس، تلك الأشياء هي جزء منّا ومن وعينا بالعالم. لست مع حصر الواقع في الأشياء التي نراها بأعيننا ونلمسها بأيدينا فقط، ثم إنّ الفنَّ يحتاج إلى الحرية وعدم التقيد بمفاهيم ومحددات نهائية، الخيال الجامح بالنسبة لي أساسي فى الفن والإبداع، وتراثنا الدينى والثقافى حافلٌ بهذا النوع من الخيال.





