ملكوت

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء جمال الدين

"وصلي صلي.. ع النبي صلي

واللي ما يصلي أمه يهودية.. وأبوه أرملي"

كانت الزفة تتحرك بقوة الدفع من منتصف الحارة باتجاه الشارع المؤدي إلى ميدان الضاهر،

وكانت "ملكوت" تتوسط مجموعتها أمام باب البيت تستغل طولها الفارع لنقل المشهد الصاخب.

ضحكت ساخرة وضغطت بأصابعها مرفق نورز وقالت: "كويس محدش جاب سيرتنا".

" يا قهرتي !!"

صفعت فاطمة قفصها الصدري فتراجع حسن خطوة للوراء.

“من قلة البنات يا موكوس رايح تجيبلي واحدة ملتها.. أبصر معرفش إيه؟”

احتوى كتفها بذراعه محاولا إعادتها إلى صحن الدار وقال معاتبا :

” يا مه ما بيتجوزوا يهود ونصارى ومحدش قال حاجه.. هو أنا مش راجل وتجوز لي أي واحدة!”

استدارت لتواجهه وجذبته من ملابسه حتى كادت جبهته ترتطم بأنفها العريض:

” يا واد إنت اش عرفك دول عايشين ازاي ولا بيعملوا إيه؟”. هزته قدر قوتها مكملة:

“يا واد العرق دساس إحنا ناقصين مصايب”

تحرر من قبضتها وقال ساخطا:

” يا امه ملكوت بنت الأسطى متربية أحسن تربية .

صعرت خدها  ثم أسندت وجهها بين السبابة  والإبهام وقالت ساخرة:

” ملا.. إيه؟؟!

مالت عليها أم هناء وابتسامتها تشع  بهجة في الغرفة الكالحة وتنعش ليل أغسطس الخانق:

“منورة يا حاجة أم محمد.. إحنا زارنا النبي”

ابتسمت وهزت رأسها بلا تعليق حفاظاً على وعدها لمحمد بألا تفتح فمها رغم قناعتها بشكوك والده: “يا بني هي دي حاجة تستخبى؟!”.

*

باغته زين وهو يقلب الغراء الساخن في الصفيحة المتآكله :

“ألا هي الحاجة أم محمد ملتها إيه ولامؤاخذه؟!”

ابتلع المفاجأة ورد ببرود: “انت مالك .. هو انا كنت سألتك عن ملة أمك قبل كده؟”

غضب زين وتعالى صياحه: “متلفش وتدور يا اسطى، إنت بقالك ست شهور داخل خارج”.

التقط محمد الخيط وهاجم بصوت أعلى: “ست اشهر داخل خارج قاري فاتحة ملبس شبكة مقبض مهر”.

بدت الحجة دامغة، فانفض الجمهور المستدعى بحدة النقاش وغادر زين مفحوما لا يصدق أنه هزم

*

ما كان لملكوت أن تتدين ولا هي رغبت؛ لكن الحكاية سحرتها منذ زمن طويل ولم ترى بأسا في نقلها لفاطمة الصغيرة . انسابت الكلمات المحفوظة من فم الجدة إلى رأس الحفيدة لكن الباب فتح خطفا فصودرت الحكاية بعبوس محمد وكلماته الزاجرة: “بره يا بت “

عاتبه أباه: “أمك بتعيط”.

أجاب في شرود: “انا ح افضل لإمتى أرقع ورا عملتكوا السودة دي.. من قلة البنات بتتجوز بهائية!”.

لم يجد حسن جوابا آخر: ” ملكوت بنت الأسطى متربية أحسن تربية”

*

“يا حاجة البطاقة دي بطلت خلاص.. في دلوقتي واحدة كمبيوتر” تحدثت الموظفة من خلف الزجاج .

مدت أصابعها المتوترة واستردت البطاقة المتماسكة رغم الزمن .

ارتبكت موظفة السجل المدني وأعادت البطاقة الورقية وعقد الزواج المهترئ.. تطلعت لملكوت بقامتها الفارعة ونظارتها المربعة وبونيه رأسها المنحسر عن شعرها الفضي: وقالت مكتب الضابط يا ماما.

*

فحص الشيخ الأزهري العقد الأصفر.. رفع ناظريه وقال مشفقا: “أيوه يا حاج العقد باطل لإن الزوجة ليست كتابية”.

تجمد حسن للحظة ثم استعاد وعيه بإشارة لمحمد: “وده باطل هو كمان؟”

أطرق الشيخ في حرج ثم تنهد مجيبا: ” لا يا ابويا طالما الزواج كان عن جهل بالحكم الشرعي يبقى النسب يقع .

*

دخل عكازها الخشبي أولا لحقته قدماها في الشبشب الطبي وأطراف العباءة المنزلية المطرزة وبوجه متحفز انفجرت في الضابط: “يعني هما البهائيين دول ملهمش حق في البلدي خالص!”.

اعتدل الضابط محاولا الاستيعاب ثم أعطاها النظرة الغرائبية المعتادة وأجاب ممازحا: “ازاي ده انتم إحسن ناس في البلد …الا مبنسمع لكم صوت!”

ثم أرسل يده باتجاه الأوراق فسلمتهم.

تفحصها بفضول ثم أشار إلى أمين السجل لقبولها وقال متوددا: “إحنا جهة تجميع بس يا ماما المصلحة في العباسية هي اللي تبت وتقرر”.

تعاطف امين السجل مع هيئتها المتعبة وأخذ يفرك رأسه ثم نصحها مخلصا: “طيب ما تسلمي يا حاجة!”.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون