صفعت فاطمة قفصها الصدري فتراجع حسن خطوة للوراء.
“من قلة البنات يا موكوس رايح تجيبلي واحدة ملتها.. أبصر معرفش إيه؟”
احتوى كتفها بذراعه محاولا إعادتها إلى صحن الدار وقال معاتبا :
” يا مه ما بيتجوزوا يهود ونصارى ومحدش قال حاجه.. هو أنا مش راجل وتجوز لي أي واحدة!”
استدارت لتواجهه وجذبته من ملابسه حتى كادت جبهته ترتطم بأنفها العريض:
” يا واد إنت اش عرفك دول عايشين ازاي ولا بيعملوا إيه؟”. هزته قدر قوتها مكملة:
“يا واد العرق دساس إحنا ناقصين مصايب”
تحرر من قبضتها وقال ساخطا:
” يا امه ملكوت بنت الأسطى متربية أحسن تربية .
صعرت خدها ثم أسندت وجهها بين السبابة والإبهام وقالت ساخرة:
” ملا.. إيه؟؟!
مالت عليها أم هناء وابتسامتها تشع بهجة في الغرفة الكالحة وتنعش ليل أغسطس الخانق:
“منورة يا حاجة أم محمد.. إحنا زارنا النبي”
ابتسمت وهزت رأسها بلا تعليق حفاظاً على وعدها لمحمد بألا تفتح فمها رغم قناعتها بشكوك والده: “يا بني هي دي حاجة تستخبى؟!”.
*
باغته زين وهو يقلب الغراء الساخن في الصفيحة المتآكله :
“ألا هي الحاجة أم محمد ملتها إيه ولامؤاخذه؟!”
ابتلع المفاجأة ورد ببرود: “انت مالك .. هو انا كنت سألتك عن ملة أمك قبل كده؟”
غضب زين وتعالى صياحه: “متلفش وتدور يا اسطى، إنت بقالك ست شهور داخل خارج”.
التقط محمد الخيط وهاجم بصوت أعلى: “ست اشهر داخل خارج قاري فاتحة ملبس شبكة مقبض مهر”.
بدت الحجة دامغة، فانفض الجمهور المستدعى بحدة النقاش وغادر زين مفحوما لا يصدق أنه هزم
*
ما كان لملكوت أن تتدين ولا هي رغبت؛ لكن الحكاية سحرتها منذ زمن طويل ولم ترى بأسا في نقلها لفاطمة الصغيرة . انسابت الكلمات المحفوظة من فم الجدة إلى رأس الحفيدة لكن الباب فتح خطفا فصودرت الحكاية بعبوس محمد وكلماته الزاجرة: “بره يا بت “
عاتبه أباه: “أمك بتعيط”.
أجاب في شرود: “انا ح افضل لإمتى أرقع ورا عملتكوا السودة دي.. من قلة البنات بتتجوز بهائية!”.
لم يجد حسن جوابا آخر: ” ملكوت بنت الأسطى متربية أحسن تربية”
*
“يا حاجة البطاقة دي بطلت خلاص.. في دلوقتي واحدة كمبيوتر” تحدثت الموظفة من خلف الزجاج .
مدت أصابعها المتوترة واستردت البطاقة المتماسكة رغم الزمن .
ارتبكت موظفة السجل المدني وأعادت البطاقة الورقية وعقد الزواج المهترئ.. تطلعت لملكوت بقامتها الفارعة ونظارتها المربعة وبونيه رأسها المنحسر عن شعرها الفضي: وقالت مكتب الضابط يا ماما.
*
فحص الشيخ الأزهري العقد الأصفر.. رفع ناظريه وقال مشفقا: “أيوه يا حاج العقد باطل لإن الزوجة ليست كتابية”.
تجمد حسن للحظة ثم استعاد وعيه بإشارة لمحمد: “وده باطل هو كمان؟”
أطرق الشيخ في حرج ثم تنهد مجيبا: ” لا يا ابويا طالما الزواج كان عن جهل بالحكم الشرعي يبقى النسب يقع .
*
دخل عكازها الخشبي أولا لحقته قدماها في الشبشب الطبي وأطراف العباءة المنزلية المطرزة وبوجه متحفز انفجرت في الضابط: “يعني هما البهائيين دول ملهمش حق في البلدي خالص!”.
اعتدل الضابط محاولا الاستيعاب ثم أعطاها النظرة الغرائبية المعتادة وأجاب ممازحا: “ازاي ده انتم إحسن ناس في البلد …الا مبنسمع لكم صوت!”
ثم أرسل يده باتجاه الأوراق فسلمتهم.
تفحصها بفضول ثم أشار إلى أمين السجل لقبولها وقال متوددا: “إحنا جهة تجميع بس يا ماما المصلحة في العباسية هي اللي تبت وتقرر”.
تعاطف امين السجل مع هيئتها المتعبة وأخذ يفرك رأسه ثم نصحها مخلصا: “طيب ما تسلمي يا حاجة!”.