ملامح كسيرة

راما غيث
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

راما غيث

بعض الوجوه من السهل أن تختلط بغيرها التي نقابلها يوميا فلا نتذكرها ومهما رافقتها فالزمن كفيل بأن يمحيها، أما البعض الآخر يظل محفورا في الذاكرة منذ اللقاء الأول وحتى آخر صدفة جمعتنا به، هكذا كان وجه ليلى معي، محفوظ في الذاكرة منذ اللقاء الأول بها، حقيقة ليس وجهها فقط، دعني أخبرك عما اتذكره، بشرتها كانت نضرة، نظرتها ثاقبة، ابتسامتها دعني اصفها لك بأنها ... كانت مريحة ، فبعض الابتسامات ترتاح لها نفسك فتجذبك إليها أكثر فأكثر ، وهكذا قد ساقتني إليها ابتسامتها ، آرائها ، ربما الاكثر جاذبية فيها الحماس ، حماسها زادني رغبة في أن ادنو إليها ، كنت افتقد لتلك الهالة التي لمستني ، لا أنكر انها انتقلت بدورها إلي ،فالحكمة دائما تقول "ما إن رافقت أحدهم إلا وانتقل إليك اما نشاطه او خموله وكآبته"، حقيقة الأمر هي حاولت الحفاظ على هالتها، ولكن ما جدوى المحاولات وأنت وسط بقعة ما من الارض مدفون تحتها الكثير من النفايات السامة ، هكذا كانت هي ، دعنى لا استرسل فيما كان، وأخبرك ما قد حدث لها منذ فترة ليست بالقليلة.

فهي منذ شهور كثيرة كانت تخاف النظر لملامحها في المرآه ، ربما كان شحوب بشرتها السبب وربما نظرتها المهزومة هي السبب الحقيقي ، فليلى يا عزيزي لم تهتم ابداً لنظرات الانهزام في عينيها ، لأنها تجيد رسم ابتسامة صفراء تستعرضها أمام الجميع ، من خمسة ليال فقط اختلت بنفسها ، نظرتها البائسة سابحة في سماء مظلمة خالية من أية أضواء إلهية ، شغوفة دائما بكروت التاروت ، فهي أمامهن تدعي أنها مجرد لعبة تفضلها ، أما في قرارة نفسها تظن أنها عرافة جاءت من زمن آخر لتقرأ حظ الآخرين بتلك الأوراق ، تتأمل ذلك اليوم الذي فات عليه أشهر طويلة ..

بداية النهار ارتدت فستانا يليق بدفء شمس ربيعية ، شعرها المموج يضيف مظهر لا بأس به كغجرية ، لم تنس قبيل نزولها من المنزل أن تضع أوراقها في الحقيبة ، يمر نهار طويل في محاولات للبحث عن عمل ، وها هي تلتق أخيراً ببعض رفيقاتها ، يبدأ دائما الحديث عن حكايات القلب الخائبة التي ملت سماعها مرارا ، بعد ان انتهت اخر واحدة فيهن ، قامت ليلى بدعوتهن للعبتها المفضلة كشئ من التغيير ، فلا ضرر بقليل من الشغف والمزيد من المرح ، بالرغم من انها تتجنب كثيرا قراءة كروتها لنفسها أمام الآخرين الا انها جربت تلك المرة وهنا جائتها الاشارة ، ستتأكد من شكوكها تجاه أنور قريبا ..

عندما عادت في المساء ، حاولت ان تتهرب من الواجب الذي اثقل روحها ، اخبرت نفسها مرارا قبل مواجهته بما يتراكم في قلبها ، أنها ليست دمية صينية يلق فيها ما يؤرق منامه ، ويذهب يكمل ليلته في الغرفة مع من يتلقي بهن عبر الشبكات العنكبوتية ، كلما دلفت من باب الشقة كلما رغبت في أن تحطم كل محتويات تلك الغرفة ، حتى الديكورات التي أعدتها بشغف خلال سنوات زواجها القصير البائسة .

تلك الليلة ليست ككل ليلة فهي لن تتركه ينسل جسدها وروحها مجددا، هكذا حاولت ان تكرر لنفسها ، حيث كانت تفقد بهجتها وهالتها بدأت تبهت شيئا فشيء، تعرف انه يلثم كل قطعة منها بلثمات زائفة، لمجرد ان يحاول الإبقاء عليها بجانبه، نظراته الزائغة في لقائهما أكدت حدسها تجاهه، فأنور اعتاد التسلل إلي روحها من عينيها الواسعتين قبل أن يتسلل بشهوته داخلها، لم تتعمد في الليالي الماضية التربص به ولكن هذه الليلة ستكون الأخيرة، فلن تكون مثل قطعة القماش البالية التي يلملم فيها أوساخ يومه ، ثم يذهب للأخريات يضحك ويرتوي صافي الذهن، لم تتحمل المزيد، انسحبت من أسفله لتلق ما تراكم على روحها من قرف بحوض أوجاعها ، فقط حينها نظرت لنفسها في المرآه، انتابتها نوبة من البكاء، تيقنت وقتها أنها فارغة فنظرتها لنفسها خاوية، زادت ثورتها عليه، خرجت لغرفته المحببة، فهي تعلم أنه لن ينتظرها فكلما يتعكر مزاجه يذهب بنصفه السفلي المملتئ هناك ليفرغه مع شريكات الشبكة العنكبوتية ، لأول مرة تتجرأ وتفتح الباب بحدة، تحطم الزجاجات الغافلة في رفوفها، يقف مذعورا لا يستطيع الحركة خوفا من حطام الزجاج السكران  تتركه وسط رائحة الكحول ..

بعد ظهور ضوء النهار التالي ، إستعدت ان تلتقط انفاسها ، حددت وجهتها ، تركت تلك المغارة المقززة خلفها و لم تكترث لعدم خروج أنور من تلك الغرفة ، فهو بالتأكيد سجد يتجرع ما تفجر على الارض من زجاجات مكسورة حتى الثمالة..

كعادتها كل صباح تجلس بنفس المقهى لتحتسي قهوتها السوداء المتماثلة اللون مع بلوزتها القاتمة ، لم يتبق لها سوى نظرة مكسورة تداعب بها الاسفلت المدهوس ، ها هي حكاية ليلى التي يتداولها جميع رواد المقهى دون علمها ، وهي لم تروها لأحد فهي لم تجالس أحدا ولم تتحدث سوى لطلب فنجان قهوتها المعتاد.

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال