مقطتفات من كتاب: تقنيات كتابة الرواية (1)

مقطتفات من كتاب: تقنيات كتابة الرواية (1)
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد عبد النبي

 (ليست وصفة جاهزة ولكن أدوات الصنعة وطرق استعمالها)

مازال هناك  كثيرٌ من الكتّاب، من أجيالٍ مختلفة، ممن لا يؤمنون بمسألة إمكانية تعلّم وتعليم تقنيات الكتابة السردية، سوءا من خلال ورش تعليمية أو كتب تدور حول هذا الشأن، بل ويسخرون منها، وفي أهون الأحوال يتسامحون معها باعتبارها سَبّوبة شأنها شأن كورسات تعليم اللغات والكمبيوتر، لكنها في النهاية شيء يخصّ المبتدئين ولا دخل لهم به. ومع ذلك فإن ورش الكتابة الأدبية، بغرض التعليم وليس الإنتاج، آخذة في الانتشار في مصر، بصرف النظر عن جودتها أو مدى احترافية أيٍ منها، كما يُمكن لنا أن نلحظ السعي الدائم من شباب الكتّاب لدرس التقنية والقراءة حول أساليب الكتابة وحيلها وعادات الكتّاب الكبار ونصائحهم للمبدئين والشباب. أمّا من هم مازالوا على إيمانهم القديم بالأحوال الغيبية المطلقة التي تدور في فلك الوحي والإلهام والسر الغامض لعملية الكتابة الذي لا يمكن الإحاطة به إلا حدساً وظنّاً، أغلب ظني أن سوف يلزمون أماكنهم بعض بضع تجارب لا بأس بها، وفي أفضل الأحوال قد يكررون كتاباتهم القديمة في أوعية جديدة، لكنهم لن يواصلوا التطوّر واكتساب المزيد من أسرار الصنعة وحيل الحرفة، أو اكتشاف طرق جديدة للعمل.

 ليس صحيحاً بالمرة أن كتب تعليم تقنيات الكتابة السردية تقدم لقارئها وصفة سهلة ومضمونة لكتابة رواية تجارية أو رائجة، أغلب من يدعّون هذا لم يقرأوا كتاباً على بعضه من هذه النوعية، لكنها بالأحرى تقدم لقارئه تعريفاً مبدئياً – أو حتى عميقاً في بعض الأحوال – بأدوات العمل التي سيكون عليه أن يستخدمها شاء أم أبى حين يجلس لرسم عالمه وشخصياته، تلك الأدوات التي قد لا تبتعد كثيراً عن صندوق أدوات النجّار، يمكن للنجار الساذج المبتدئ أن يستعين لها ليصنع مقعداً متيناً أو نافذة، ويمكن لنجّار آخر أن يتناول الأدوات ذاتها لينحت إطاراً خشبياً مزخرفاً بنمنمات مذهلة، ونجّار ثالث عجوز أوتي الخبرة والموهبة يُمسك بنفس الأدوات ليصنع تحفة لا مثيل لها، حتى ولو لم يكن له نفع مادي مباشر.

ربما تكون هذه مقدمة لا ضرورة لها، قبل التعريف بكتاب جديد على رف الكتب، وهو تقنيات الكتابة الروائية، وعنوانه الفرعي: تقنيات وتمارين لابتكار شخصيات ديناميكية ووجهات نظر ناجحة، للكاتبة الأمريكية نانسي كريس، المتخصصة في روايات الخيال العلمي والفانتازيا ولها أكثر من كتاب حول فن الرواية، من بينهم هذا الكتاب الذي ترجمته (بترجمة مقبولة وإن كانت متسرّعة قليلاً) زينة جابر إدريس، وصدر عن الدار العربية للعلوم – ناشرون. وعلى عكس ما يوحي بع العنوان الفرعي للكتاب، فإن فصوله العديدة لا تقتصر على تناول الشخصية ووجهة النظر فقط، بل تناقش كذلك العاطفة وطرق رسمها وإيضاحها من خلال الحوار والمشاهد وأفكار الشخصيات، ووصف العواطف والقيم المتعارضة وتقديمها للقارئ من خلال الإخبار أو الإظهار أو الرمز والاستعارة. غير أن أهم أجزاء الكتاب هو الجزء الأخير الذي تفصّل فيه الفروق الدقيقة بين استخدامات الضمائر المختلفة في السرد، ومن الصعب نقل تلك الأجزاء من خلال هذا الباب. لذلك كله رأيتُ أنه من الأفضل أن أنتقي بضع فقرات من الكتاب وأنقلها نصاً هنا، مجمّعة معاً، على أكثر من حلقة، لينتفع بها من لم يتمكن من قراءة الكتاب نفسه.

****

مقتطفات من الكتاب (1)

عليك أن تتعلم أن تكون ثلاثة أشخاص في وقت واحد: الكاتب والشخصية والقارئ.

****

ينبغي على الواقع أن يوحي بالشخصيات لا أن يمليها، كما قالت شارلوت برونتي.

****

لديك أربعة مصادر تستمد منها شخصياتك: أنت نفسك، ومعارفك، وغرباء سمعت أو قرأت عنهم، وخيالك. وبالنسبة للمصادر الثلاثة الأولى، يستحسن عادةً تعديل النماذج الحقيقية للشخصيات بدلا من استعمالها كما هي.
ما إن تكوّن لائحة للشخصيات المحتملة لقصتك، تنتقل إلى الخطوة التالية وهي اختيار بطل أو نجم، عندها تصبح بقية الشصخيات لاعبين بارزين. ويمكن اختيار أي شخصية لتكون نجم الرواية، علما أن كل خيار يؤدي إلى قصة مختلفة.

****

عند اختيار البطل ينبغي أن تأخذ في الاعتبار إذا كنت ترغب بالكتابة عن شخصية تتغير مع أحداث القصة (شخصية متغيرة) أو تبقى على حالها (شخصية ثابتة). تتطور الشخصيات المتغيرة عبر قوس عاطفي، وهي عبارة عن سلسلة منطقية من التغييرات الناتجة عن أحداث القصة. حاول بالتالي قبل أن تبدأ بالكتابة بتفحص شخصياتك، المتغيرة والثابتة على السواء، من وجهة نظر القارئ. أهي مثيرة للاهتمام؟ أهي متنوعة بما فيها الكفاية؟ أهي مرتبطة ببعضها وبالحالة التي تود التي الكتابة عنها بشكل معقول؟ ينبغي أن تكون الشخصيات الرئيسية ترغب حقا في الكتابة عنها وأن تعرفها جيداً. وإن عجزت عن ملء سيرة موجزة لكل شخصية رئيسية في كتابك، فإنك لا تعرف ما يكفي عنها لتبدأ الكتابة.

****

يقول علماء الاجتماع بأننا نكوّن انطباعات عن الغرباء خلال الثواني العشر الأولى من لقائهم، وبأن هذه الانطباعات تدوم لوقتٍ طويل. ومع الشخصيات الخيالية، قد يستغرق الأمر أكثر من عشر ثوان (فثمة قراء بطيئون وأيضاً كتّاب مهملون)، إلا أن لذلك الانطباع الأول أهميته. بالتالي من المفيد لك ككاتب أن تتفحص بعناية المعلومات التي تعطيها في أثناء الظهور الأول للشخصية في الصفحة الأولى. وأعني بذلك المظهر الخيالي للشخص، وسلوكه، وأفعاله الأولى، وبيئته، وتاريخه غير المذكور.

****

يمكنك أن تجعلنا نرى الشخصيات الثانوية بأعين غير موضوعية. ومن شأن ذلك أن يمثّل أداة إيجابية للكاتب لأن شخصية وجهة النظر قد تشكّل زاوية لرؤية مظهر الشخصيات الباقية بطريقة لا يلاحظونها هم أنفسهم. فيحصل القارئ على وصف مزدوج: بعض التفاصيل الملموسة إضافة إلى تفسير لتلك التفاصيل يكشف حقائق عن الشخصيتين.

****

كما تشير المجلات المتخصصة بالمنازل باستمرار، فإن بيتك هو امتداد لشخصيتك. إذ يبوح المكان الذي تعيش فيه وشكله بالكثير عنك. وينطبق ذلك على الشخصيات الخيالية وعلينا نحن على السواء. وكما هو الحال مع المظهر، فإن بعض المعلومات التي تكشفها مساكنا هي من اختيارنا، وبعضها الآخر ليس كذلك. فالمراهق الذي يعيش في منزل والديه لم يختر ديكور المنزل، إلا أنه تكوّن من تلك البيئة، وإن لم تكن من صنع يديه. لهذا السبب، عليك أن تولي بعض الأهمية إلى منزل الشخصية، فهو ينقل كمية كبيرة من المعلومات عن خلفيتها.

****

وليست هذه التقنية [أي تلوين وصف شخصية أو مكان بنظرة عين ووعي إحدى الشخصيات] سوى مثال واحد على قاعدة أكبر في كتابة الروايات؛ اجعل كل العناصر تؤدي أكثر من هدف واحد. اختر الملابس للشخصية تعكس ذوقها، أو وضعها الاجتماعي، أو شخصيتها. أظهر لنا رد فعل شخصٍ آخر على تلك الملابس وأنت تصفها، وافعل الشيء نفسه مع المحيط.

****

لا تجعل المقاطع الوصفية طويلة جداً. فالقارئ يتجاهل الفقرات الموسعة من الوصف. عوضاً عن ذلك، أعطه بضع جمل مفيدة تصف فيها الشخصية التي تعرّفه بها، بعد ذلك، مرّر التفاصيل بين سطور الحوار أو الأحداث أو تأملات الشخصية. ولا تتوسّع في الوصف. فالانطباعات الأولى عن الشخصية مهمة، لكنها ليست أكثر أهمية من الشخصية التي سنكتشفها لاحقاً.

 

[المزيد من الكتاب في الأسبوع التالي]

مقالات من نفس القسم