(1)
مع د. ه. لورانس، أو ديفيد هيربرت لورانس بدأت مسيرتي مع الترجمة. كنت أترجم من حين لآخر مقالا قصيرًا، أو قصة قصيرة، أو قصيدة. لكنني في 1989 بدأت ترجمة أول كتاب، وكان كتاب لورانس “فنتازيا الغريزة”، وقد نشرته دار الهلال في 1992. قبلها لم يخطر ببالي قط أن أكون مترجمًا. ولم أحلم قط بمواصلة الترجمة. كان “فنتازيا الغريزة” كتابًا أثار إعجابي، كتابًا في التحليل النفسي يكتبه شاعر وروائي، أي إنه ليس كتابًا في التحليل النفسي بالمعنى العلمي للتحليل النفسي. إنه كتاب يحمل كل شاعرية الشاعر وكل قدرته الروائية؛ كتاب أثار إعجابي، وأثار فيَّ روح التحدي. إنه كتاب صعب، بلغة صعبة، فما بالك حين يكون المترجم في أولى خطواته في الترجمة، ويمكن القول بكل شجاعة، إنه مازال يحبو. ومرات كثيرة كنت على وشك التوقف عن إتمام ترجمته، لكن روح التحدي استيقظت ولم يكن هناك ما يمكن أن يوقف مسيرتها، مهما تكن المعوقات. انتهيت من ترجمته ونشر، وأظن أنه حظي بالكثير من التقدير، التقدير الذي لم أحلم به.
هكذا بدأت مسيرتي مع الترجمة. بعدها فكرت في ترجمة “عشيق الليدي تشاترلي”، خاصة وأنني كنت قد قرأت ترجمة أمين العيوطي، الصادرة عن دار الهلال. وخطر لي أن أقارن النص الإنجليزي بنص ترجمة العيوطي، وكنت في ذلك الوقت أحاول أن أتعلم بقراءة نصوص مترجمة لكبار المترجمين مع النصوص الأصلية. وكانت المفاجأة: ترجمة العيوطي مختصرة جدًّا، مختصرة بشكل مخل، وتشكل الحلم بترجمة الرواية، ولأسباب كثيرة بقي الحلم كامنًا لسنوات وسنوات، حتى عرضت الفكرة على الدكتور جابر عصفور، حين كان رئيسًا للمركز القومي للترجمة، فتردد في البداية وأمام رغبتي الشديدة في ترجمة الرواية، وافق، شفهيًّا، على ترجمتها على أن أترجم نص محاكمة الرواية أيضًا وأن ينشر معها، وبعد خروجي من مكتبه، وأمام ذوقه الشديد في التعامل معي، قررت أنه لا داعي لإحراج الرجل، ربما تسبب له الترجمة مشاكل وظيفية هو في غنى عنها. وحين تغيرت الظروف، بعد يناير 2011، ويونيو 2013، أو توهمت أنها تغيرت، استيقظ الحلم مرة أخرى، وعرضت الفكرة على الدكتور أنور مغيث، وجاء الرفض هذه المرة لوجود ترجمة حنا عبود، وهي في الحقيقة ترجمة سيئة مليئة بأخطاء جسيمة، بأخطاء تشوه النص إلى حد كبير، وسأعرض لأخطائها باختصار في قسم لاحق من هذه المقدمة. ثم عرضت الأمر على الصديقة سوسن بشير لترجمة الرواية لدار آفاق، وكان الترحيب، وها هي الترجمة، وقد انتهيت منها. شكرًا للصديقة سوسن بشير ولدار آفاق.
(2)
نشأ د. ه. لورانس (ولد في 11 سبتمبر 1885 في نوتيجهامشاير- وتوفي 2 مارس 1930 في فينس، فرنسا) في نوتينجهامشاير، وسط ميدلندز في إنجلترا، حيث تدور معظم أحداث “عشيق الليدي تشاترلي”. واستخدم اللهجة المحلية لهذه المنطقة لتقديم فهم أفضل لمكانة الشخصيات وطبقاتها الاجتماعية في أعماله، ويبرز هذا بوضوح في هذه الرواية.
كتب لورانس روايات وقصصًا قصيرة وقصائد ومسرحيات ومقالات وكتب رحلات ورسائل. جعلته رواياته “أبناء وعشاق” (1913) و”قوس قزح” (1915) و”نساء عاشقات” (1920) و”عشيق الليدي تشاترلي” (1928) أحد أهم الكتاب الإنجليز في القرن العشرين.
كان لورانس الابن الرابع لعامل من عمال مناجم الفحم في شمال ميدلندز، وكان أبوه يتحدث باللهجة المحلية وسكيرًا وأميًّا تقريبًا. وكانت أمه من جنوب إنجلترا، وكانت متعلمة ومهذبة وتقية. حصل لورانس على منحة في المدرسة الثانوية في نوتنجهام (1898-1901) ثم غادر المنطقة ليعمل كاتبًا في مصنع، واضطر إلى ترك العمل بعد أول إصابة بالالتهاب الرئوي. وفي فترة النقاهة بدأ علاقة قوية مع صديقته جيسي تشامبرز (1902-1910). وفي 1902 عمل مدرسًا تحت التدريب في إيستوود. وبتشجيع من جيسي بدأ الكتابة في 1905، ونشر أول قصة في صحيفة محلية في 1907. ودرس في الجامعة من 1906-1908 وحصل على شهادة تؤهله للعمل مدرِّسًا، وواصل كتابة القصائد والقصص القصيرة، وكتب مسودة روايته الأولى “الطاووس الأبيض”.
صار وضع إيستوود، وخاصة التباين بين مناطق التعدين والريف البكر، وحياة عمال المناجم وثقافتهم، والصراع بين والديه، وتأثيره على علاقته مع جيسي، تيمات رئيسية في قصصه القصيرة ورواياته المبكرة. وظل يعود إلى إيستوود بخياله بعد مغادرته لها بفترة طويلة.
في 1908 ذهب لورانس للتدريس في إحدى ضواحي لندن، وأرسلت جيسي مجموعة من قصائده إلى محرر إحدى المجلات المهمة، واعترف المحرر بعبقرية لورانس، وبدأت المجلة نشر أعماله، وقابل لورانس مجموعة من الكتاب الصاعدين، ومنهم إزرا باوند. وأوصى محرر المجلة إحدى دور النشر بنشر روايته “الطاووس الأبيض”، ونشرت في 1911، ونشر روايته الثانية، “المنتهك”، في 1912، وحظيت باهتمام إدوارد جارنيت الذي نشر روايته الثالثة، “أبناء وعشاق” في مؤسسته. وفي 1911-1912 أصيب بنوبة ثانية من الالتهاب الرئوي. وقرر التخلي عن التدريس والعيش من الكتابة. ثم وقع في حب فريدة ويكلي، وهرب معها، وكانت زوجة أرستقراطية ألمانية لأستاذ جامعي في نوتنجهام. وذهب الاثنان إلى ألمانيا، ثم إيطاليا، حيث أتم كتابة “أبناء وعشاق”. وتزوجا في 1914 في إنجلترا، بعد طلاق فريدة.
وفي أثناء الحرب العالمية الأولى حوصر لورانس وزوجته في إنجلترا، وعاشا في فقر. وفي ذلك الوقت كتب روايتين من رواياته المهمة، “قوس قزح” و”نساء عاشقات”، ولم تنشر الثانية إلا في 1920. عاشا في كورنول واضطرا في 1917 إلى مغادرة المنطقة، تحت تأثير الاضطهاد بسبب الأصول الألمانية لفريدة، والعيش بقية مدة الحرب في لندن وديربشاير. وفي 1915 التقى، في كمبردج، ببرتراند راسل وأعضاء آخرين من الجمعية السرية المعروفة باسم “الرسل”.
بعد انتهاء الحرب، ذهب لورانس وزوجته إلى إيطاليا (1919)، ولم يعد بعد ذلك إلى إنجلترا قط. وسرعان ما شرع في كتابة مجموعة روايات منها “الفتاة الضائعة” (1920)، و”عصا هارون” (1922)، و”مستر نون”، عمل غير مكتمل لم ينشر إلا في عام 1984. وفي عام 1921 قرر لورانس مغادرة أوروبا والذهاب إلى الولايات المتحدة، شرقًا عبر سيلان وأستراليا. وكتب لورانس “الكنغر” في ستة أسابيع في أثناء زيارته إلى أستراليا في 1922. وفي عام 1925 أصيب بنزيف في الشعب الهوائي، وتبين أنه يعاني من السل.في 1925 عاد لورانس إلى إيطاليا، وفي 1926 شرع في كتابة النسخ الأولى من “عشيق الليدي تشاترلي”. انتقل لورانس، وهو يحتضر تقريبًا، إلى جنوب فرنسا، حيث كتب في 1929 “سفر الرؤيا” (نشر 1931)، وهو تعليق على “سفر الرؤيا” في الكتاب المقدس، ويعتبر تصريحه الديني النهائي.
(3)
وفي 1928 صدرت الطبعة الأولى من “عشيق الليدي تشاترلي”، أصدرتها سرًّا مطبعة إيطالية، لأن لورانس لم يعثر على ناشر بريطاني. وحيث إنه لم تكن هناك حقوق ملكية فكرية على الكتاب، صدرت طبعات عديدة مقرصنة في كل مكان، وخاصة في الأماكن التي لم تكن تخضع للرقابة، منها طبعة في باريس (1929) وطبعة منقحة في إنجلترا (1932)، ولم يطبع النص الكامل للرواية إلا في 1959 في نيويورك وفي لندن 1960 بعد اتخاذ القرارات القانونية بشأنها في المحاكمة الشهيرة بشأن الرواية، ضد دار بنجوين، التي نشرت الرواية، بموجب قانون المنشورات الفاحشة، وقد انتهت بتبرئة بنجوين، وتبرير استخدام الرواية لمصطلحات جنسية كانت محظورة حتى ذلك الوقت. وسمحت هذه القرارات بحرية نشرها وتداولها، وصارت الرواية نموذجًا لعدد لا يحصى من الأوصاف الأدبية للأفعال الجنسية. وقد توج حكم لندن بالسماح بنشر الرواية جهود عدد كبير من الكتاب الإنجليز البارزين الذين كانوا شهودًا، ودافعوا عن الرواية. والرواية تصور علاقة حب جنسي بين حواجز الطبقة والزواج. العشيق حارس طرائد عند زوج العشيقة، أي إنه بتعبير لورانس، على لسان السير كلفورد تشاترلي، زوج الليدي تشاترلي ينتمي “للطبقة الخادمة”، والعشيقة، الليدي تشاترلي، تنتمي “للطبقة الحاكمة”، بتعبير لورانس، على لسان الشخصية نفسها.
كان لورانس يرى دائمًا ضرورة ربط النشاط الجنسي بالمشاعر، وكان خياله يتجاوز دائمًا حدود المسموح به، وكان يخضع للرقابة بالتفصيل. وفي “عشيق الليدي تشاترلي” يصف الأفعال الجنسية بشكل كامل باعتبارها تعبيرًا عن أوجه الحب أو أمزجته. ويستخدم الكلمة العامية التي تدل على الفرج، مما اعتبر صادمًا (بالمناسبة، تكتفي “الموسوعة البريطانية” بوصف الكلمة، بأنها الكلمة العامية المكونة من أربعة حروف [cunt] ولا تذكرها، ويبدو أن ذكر الكلمة كتابة مازال يعتبر خروجًا على الذوق؛ ومن الجدير بالذكر أن الكلمة ترد للمرة الأولى في الصفحة الأخيرة من الفصل الثاني عشر، وأن النسختين اللتين عثرت عليهما من الرواية على النت بصيغة بي دي إف من الرواية، تحذفان هذه الصفحة؛ يبدو أن وقع الكلمة الإنجليزية أسوأ بكثير من وقع مرادفها في العامية المصرية).
(4)
تعكس الرواية، وهي آخر روايات لورانس، إيمانه بأن على الرجال والنساء التغلب على القيود المميتة للمجتمع الصناعي واتباع الغرائز الطبيعية التي تقودهم إلى الحب العاطفي. وقد حظيت الرواية بشهرتها نتيجة وصفها الصريح للعلاقة الجنسية. وما يبقى قويًّا جدًّا واستثنائيًّا جدًّا بشأن هذه الرواية ليس فقط صدقها في تصوير قوة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، بل في حقيقة أنها مازالت واحدة من الروايات القليلة، في تاريخ الأدب الإنجليزي، التي تعالج الرغبة الجنسية للمرأة. وتصور تجربة المرأة ومتعتها في علاقة جنسية مُرْضية وخيبة أملها في علاقة جنسية غير مُرْضية، وكأن هذا لم يكن كافيًا لتكون “عشيق الليدي تشاترلي” إحدى الروايات العظيمة في الأدب الإنجليزي، لكنها تمثل أيضًا انعكاسًا بارعًا وعميقًا لحالة المجتمع الحديث، والتهديد الذي يواجه الثقافة والإنسانية أمام المد المتواصل للتصنيع والرأسمالية.
ورغم شهرة التيمة الجنسية في الرواية، وربما اعتبارها التيمة الأساسية للرواية، أعتقد أن التيمة الرئيسية للرواية هي العلاقة بين أرباب العمل (“الطبقات الحاكمة”) والعمال “الطبقات الخادمة”). ويمكن وضع علاقة العشق الجنسي في الرواية في إطار التيمة الثانية. إنها، رغم كل شيء، علاقة بين ملورز، عامل متزوج من امرأة سوقية، وابن لأحد عمال مناجم الفحم، والليدي كونستنس، أو كوني كما يختصر الاسم عادة في سياق الرواية، ليدي ابنة السير مالكولم وزوجة السير كلفورد، وهو بارون وكاتب حظي بقدر كبير من الشهرة، عاد مشلولًا من الحرب. وربما يكون ملورز والليدي تشاترلي النموذجين الوحيدين اللذين يحملان روح التمرد في الرواية. يعثر ملورز، في عزلته التي اختارها لنفسه، على امرأة حقيقية، بعد حياة بائسة مع امرأة سوقية، وتعثر الليدي على رجل حقيقي، بعد أن سأمت الحياة مع زوجها العاجز، ومع عالم الأفكار المجردة، الجامدة والميتة، وبعد علاقة عارضة وسريعة وغير مُرْضية مع كاتب من أصدقاء زوجها.
تبدأ الأحداث الرئيسية في الرواية في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتصور حياة أرباب العمل، كما تصور حياة عمال مناجم الفحم. وتصور العلاقة بين الاثنين. وتصور زحف إنجلترا الجديدة على إنجلترا القديمة، وطغيان التصنيع على كل شيء، بما فيها، بالطبع، روح الإنسان. تصور الرواية أفكار الجيل الجديد من المثقفين الإنجليز، ممثلين في السير كلفورد ورفاقه، ومواقفهم من الكثير من أمور الحياة، ومنها الجنس بالطبع. وتصور ثرثرة العمال ورضوخهم، رغم الحديث عن بعض الإضرابات، وعن بعض الأفكار الاشتراكية، وعن السوفيت، لكنه حديث عارض تمامًا. وربما تكون السمة المشتركة بين الجميع هي الإقرار بأهمية المال، واعتباره مقياسًا للنجاح. كما تصور الجيل الناشئ وشغفه باللهو. الرواية غنية جدًّا، ومن الإخلال اختصارها إلى تيمة العشق.
(5)
لا أمانع في ترجمة عمل أدبي عظيم ترجم من قبل. على العكس تمامًا، أعتبر تعدد الترجمات الجيدة لعمل أدبي عظيم إثراء من نوع ما، وخاصة إذا كان المترجم يتمتع بموهبة أدبية، وهذه الموهبة في رأيي شرط أساسي من شروط تقديم ترجمة أدبية جيدة. يقدم كل مترجم قراءته للعمل وصياغته الخاصة لهذه القراءة. وعلى هذا الأساس حلمت بترجمة “عشيق الليدي تشاترلي”، رغم وجود ترجمات لها، أو ما يوصف بأنه ترجمات.
ذكرت من قبل ثلاث ترجمات للرواية. الأولى، ترجمة أمين العيوطي، وقد صدرت عن دار الهلال، 1989، ولا أعرف إن كانت ترجمة لإحدى النسخ المنقحة قبل صدور الطبعة الإنجليزية الكاملة للرواية في 1960، أم أن المترجم نفسه قام بتنقيح النسخة الإنجليزية الكاملة. لكن النتيجة واحدة، وهي أنها ترجمة ناقصة، إلى حد بعيد، يبلغ حجمها نصف حجم الرواية الأصلية تقريبًا.
الترجمة الثانية، “ترجمة” رحاب عكاوي، وهي عمل طريف، من الصعب وصفه بأنه ترجمة. لا علاقة للعمل بالأصل، إنها تذكرني بأولئك الكتاب الذين كانت تحكى لهم الحكاية ويعيدون صياغتها بالعربية، بلغة رصينة، ويسمونها ترجمة. حاول رحاب عكاوي، ومن الصعب أن أقول المترجم ولا أعرف كيف أصفه، إعادة كتابة قصة الرواية بلغة تذكرني بلغة الرومانسيين، وبالتالي يبدو العمل وكأنه قصة رومانسية. وبالتالي يمكن استبعاد العمل الذي يسميه رحاب عكاوي “عشيق الليدي تشاترلي: إعداد وتحليل وتقديم”، وهذا الوصف نفسه يستبعد أن العمل ترجمة. والعمل صادر عن دار الحرف العربي، ضمن سلسلة أجمل الروايات العالمية. ويقع العمل في 150 صفحة تقريبًا من الحجم الصغير.
الترجمة الثالثة، ترجمة حنا عبود (ورد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1999)، وهي الترجمة الوحيدة عن النص الكامل للرواية، لكنها تقع في الكثير من الأخطاء، أخطاء لا تنم فقط عن الجهل بالتعبيرات الإنجليزي، لكنها أخطاء تنم عن الغفلة أيضًا. وبالتالي تأتي فقرات كثيرة ملتبسة ومتناقضة مع السياق، وربما غير مفهومة على الإطلاق نتيجة إساءة الفهم والترجمة الحرفية، والغفلة عن السياق. ومن أمثلة هذه الأخطاء:
– يقول لورانس إن والد كوني قام بزيارة خاطفة (لابنته) وبتعبيره paid a flying visit ، لكن حنا عبود يترجم الجملة إلى “دفع والد كوني ثمن بطاقة سفر” (ص 42).
– في موقف ينحني فيه خادم لسيدته انحناءة خفيفة، مثل جنتلمانmade her a slight bow, like a gentleman، يترجم حنا عبود الجملة على النحو التالي: “وجعلها تنحني قليلا، مثل جنتلمان” (ص 83)، وهو فهم للجملة مثير للضحك.
– يتحدث لورانس عن طفلة تنتحب وشخص يسيء معاملتها، وبتعبيره ill-treating a child، وتأتي ترجمة حنا عبود “أحدهم كان يعالج طفلًا عليلًا” (ص 99).
– تخاطب الخالة ابن أختها، السير كلفورد، لتحذره من تمرد زوجته، وتختم كلامها بأنها إذا تمردت عليه “فأنت المسئول you’ll have yourself to thank“،وهي عبارة يترجمها حناعبود “فعليك أن تجبر نفسك على الشكر” (ص 117)، وهو فهم يبدو كوميديًّا.
– كانت الأخت مستاءة جدًّا من الحالة السيئة التي وصلت إليها أختها وحين رأت زوج أختها “كانت غاضبة جدًاshe was up in arms“، لكن حناعبود يترجم الجملة بما يتنافى مع أي منطق، إلى “فعانقته” (ص 122).
– تستمع البطلة إلى أغنية سيئة جدًّا، وهي محبطة (أو حزينة أو منزعجة لما وصلت إليه الأمور في بلادها من تدهور) أو كما يعبر لورانس “her heart in her boots” لكن حنا عبود، بألمعية منقطعة النظير، يترجم التعبير حرفيًّا ليكون “وقلبها في جزمتها”!!
– يتحدث العشيق عن أول علاقة حب له فيقول: إن حبيبته شجعته على القراءة فكان يقرأ ويفكر بحماس شديد أو كما يعبر لورانس like a house on fire لتأتي ترجمة حنا عبود على النحو التالي: “فقرأت وفكرت كما لو كنت بيتًا يحترق”.
– يواصل عشيق الليدي تشاترلي حكايته، ويقول إنه ضاع ببساطة أو احترق أو بتعبير لورانس I simply went up in smoke، لكن حنا عبود يترجم الجملة إلى “وببساطة رحت أدخن”.
– يقول العشيق لليدي “تسعدين نفسك كالمعتاد”، فتسأله: “ألا يسعدك ذلك؟” فيرد: “نعم، يسعدني تمامًا. وأيضًا أطرق الحديد وهو ساخن.” أو كما يعبر د.ه. لورانس smite while the iron’s hot، لكن حنا عبود يترجم التعبير الشائع إلى “يمكن أن أتحول إلى دخان من حرارة الحديد” (336).
أكتفي بهذه الأمثلة. بالإضافة إلى أن المترجم أصر، لسبب ما، على ترجمة حوارات وردت في الأصل باللهجة المحلية لديربشاير، وخاصة على لسان ملورز، إلى العربية الفصحى، حتى لو قال المؤلف إنه تحدث بالعامية، أو انتقل إليها. وهو ما أعتبره عيبًا خطيرًا في الترجمة، لأن اختلاف مستوى حديث ملورز، ويتراوح بين الإنجليزية الرفيعة واللهجة العامية الموغلة في محليتها، له دلالة واضحة في الرواية، وفي الرواية إشارة إلى هذه الدلالة وردت على لسان السير كلفورد في حديث مع الليدي تشاترلي.
هكذا يمكن بشجاعة، أو بجرأة، أو بغرور، سمه ما شئت، أن أقول بثقة إن هذه الترجمة أول ترجمة كاملة إلى العربية لرواية د. ه. لورانس “عشيق الليدي تشاترلي”.
عبد المقصود عبد الكريم