عبد اللطيف النيلة
طاردتها مرارا، طامعا في وصالها، لكنها جابهتني بالتمنع والصد. لما أمعنت في مراودتها عن نفسها، قالت لي:
“أصخ بسمعك يا هذا! سأطاوع أناملك إن أنت أتيتني بنفحة إلهام”.
غصت إلى أعماق الينابيع، وتوسلت إلى الإلهام:
“سيدي، رجاءً امنحني نفحة كي أقدمها لحبيبتي فتطاوع أناملي”.
فأجابني:
“لك ما أردت إن أتيتني بقبضة معيش”.
غذذت السير نحو الغابة حيث يقيم المعيش، وتوسلت إليه:
“سيدي، رجاءً امنحني قبضة كي أقدمها للإلهام، فيمنحني نفحة، فأعطيها لحبيبتي كي تطاوع أناملي”.
فرد عليّ:
“لك ما أردت إن أتيتني بلهب خيال”.
صعدت إلى الجبل، وتوسلت إلى الخيال:
“سيدي، رجاءً امنحني لهبا كي أقدمه للمعيش، فيمنحني قبضة، فأعطيها للإلهام، فيهبني نفحة، فأقدمها لحبيبتي كي تطاوع أناملي”.
فأجابني:
“لك ما أردت إن أتيتني بقبس فن”.
رحلت إلى الفن في المكتبات، وتوسلت إليه:
“سيدي، رجاءً امنحني قبسا كي أهبه للخيال، فيعطيني لهبا، فأقدمه للمعيش، فيمنحني قبضة، فأعطيها للإلهام، فيهبني نفحة، فأقدمها لحبيبتي كي تطاوع أناملي”.
فرد عليّ:
“لك ما أردت إن أتيتني بشغف القلب وعناية الذهن”.
أغدقت على الفن، عندئذ، شغف قلبي وعناية ذهني، فمنحني قبسا وهبته للخيال الذي أعطاني لهبا قدمته للمعيش الذي منحني قبضة وهبتها للإلهام الذي أعطاني نفحة قدمتها لحبيبتي. لكنها مع ذلك، لم تطاوع أناملي كما وعدتني، بل انفلتت هاربة مثل ريح مشاغبة. اقتفيت أثرها، فنزلت خلفها إلى أعماق الينابيع، وتوغلت في الغابة إلى أقصاها، وصعدت إلى ذروة الجبل، وداخت عيناي بين رفوف المكتبات.
كانت تجري هاربة مني، تلتفت إليّ من حين لآخر، وتندلع ضحكاتها صاخبة ساخرة، وحين أدنو منها وأوشك أن أمسك بها، تنفلت مني كالزئبق.
لهثتُ خلفها حد التيه والعطش، وأنا أهتف:
“رفقاً بروحي يَتُها القصة!”.