ممدوح رزق
داخل حجرة معيشة تقليدية تجلس امرأة ترتدي جلبابًا، وروبًا منزليًا مغلقًا فوق أريكة، وتنسج الكروشيه.. رجل1 يرتدي بيچاما كلاسيكية، يجلس وراء مكتب، منهمكًا في الكتابة، وبجانبه كومة كبيرة من الأوراق التي انتهى من كتابتها.. رجل 2 يرتدي فانلة وشورت رياضيين، ويمارس تمرينات رياضية خفيفة.. رجل 3 يرتدي جلبابًا أبيض وفوقه عباءة بُنيّة، ويأكل من أطباق عدة فوق طاولة طعام.. رجل 4 يرتدي فانلة حمالات داخلية بيضاء، وبنطلون بيچاما، ويحلق ذقنه أمام مرآة معلّقة على الحائط.. رجل 5 يرتدي سلوبيت، وجورب صوف بلا حذاء، ويدور ببزازة صغيرة في فمه دون توقف، ساندًا رأسه على يده كما لو أنه في حالة تفكير عميق.
يكتب رجل1 بحماس ما يبدو أنها الجملة الأخيرة ثم يضع الورقة التي انتهى منها أسفل كومة الأوراق على المكتب.. يقف وعلى وجهه ابتسامة واسعة ثم يقول للمرأة بسعادة:
ـ خلصت الرواية.
المرأة بنبرة عفوية، تخلو ـ مثل ملامحها ـ من انطباع محدد، ودون أن ترفع عينيها عن الكروشيه الذي تنسجه:
ـ هاتها انشرهالك.
يخرج رجل 5 البزازة من فمه ويصرخ:
ـ أنا إله السرد.
ثم يعيدها ثانية، ويواصل الدوران بنفس وضعية التفكير العميق…
يتحرك رجل 1 بالأوراق إلى المرأة التي تترك الكروشيه فوق الأريكة، وتأخذ الأوراق منه ثم تنهض لتخرج بها من الغرفة.
يعود رجل 1 إلى المكتب ويفتح لابتوب، ثم يبدأ في الكتابة وهو يقرأ ما يدوّنه، كأنما يخاطب الموجودين في الحجرة:
ـ “أصدقائي الفيسبوكيين.. بصراحة ومن غير زعل.. فيه فرق كبير جدًا في المستوى بينا ككتّاب عرب، وبين كتّاب الغرب.. هو نفس الفرق بالظبط بين الأهلي والزمالك، وبرشلونة وريال مدريد”.
تدخل المرأة إلى الحجرة وهي تحمل نسخ الرواية.. تعطي نسخة إلى رجل 2 فيتوقف عن ممارسة التمرينات الرياضية ويبدأ في القراءة.. تعطي نسخة إلى رجل 3 فيتوقف عن تناول الطعام ويبدأ في القراءة.. تعطي نسخة إلى رجل 4 فيتوقف عن حلاقة ذقنه ويبدأ في القراءة.. تعطي نسخة الرواية إلى رجل 5 فيتوقف عن الدوران ويبدأ في القراءة.. تعود المرأة للجلوس على الأريكة وتواصل نسج الكروشيه.
رجل 1 يستمر في الكتابة على اللابتوب وقراءة ما يدوّنه:
ـ “إحنا بس مش فالحين غير في التهليل للجوايز إللي كلها فساد.. مجاملات وتربيطات وتوازنات.. حاجة تقرف فعلًا”.
رجل 2 مخاطبًا المرأة، ونسخة الرواية لا تزال في يده:
ـ أنا هروح أنشر الخبر في الجرنان.
ثم يغادر الغرفة…
يُلقي رجل 5 بالرواية بعيدًا ثم يُخرج البزازة من فمه ويصرخ:
ـ أنا ظاهرة قد لا تتكرر.
ثم يعيدها ثانية، ويواصل الدوران بنفس وضعية التفكير العميق…
رجل 4 وبينما الرواية مفتوحة بين يديه؛ يشير برأسه إلى رجل 1 كي يقترب منه، قائلًا بجدية تامة:
ـ تعال…
ينهض رجل 1 من وراء المكتب ثم يتحرك ليقف بجوار رجل 4.. في الوقت نفسه يتحرك رجل 3 ليقف بينهما بفضول لمعرفة ما سيدور بينهما.. رجل 4 يشير لرجل 1 بإصبعه إلى صفحة في الرواية ويقول له:
ـ ركّز معايا.. بصفتي قارئ محترف أحب اعرفك إن الفقرة دي مش مناسبة للمتلقي العربي.. لازم تاخد بالك من الحاجات إللي زي كدا في أعمالك الجاية.
رجل 1 يهز رأسه بقوة قائلًا لـ رجل 4 بنبرة احترام:
ـ تمام.. حاضر.
رجل 4: عمومًا أنا هدّي الرواية دي 3 نجوم على جودريدز.
رجل 1 (بنفس نبرة الاحترام): متشكر جدًا.
رجل 4: ولا أقولك.. نجمتين كفاية.
رجل 1 (بالنبرة ذاتها وإن كانت مجروحة بخيبة أمل): متشكر.
رجل 4: ولا أقولك.. أنا ممكن أديها 3 نجوم على جودريدز، ونجمتين على “أبجد”.
رجل 1 (وقد تخلّص صوته من خيبة الأمل): ألف شكر.
رجل 3 يجذب رجل 1 من ذراعه بعيدًا عن رجل 4 ويخاطبه بانفعال:
ـ تمام إيه، وحاضر إيه، وألف شكر على إيه!.. متسمعش كلامه، ده مابيفهمش أي حاجة.
ثم يفتح نسخته ويشير لرجل 1 بإصبعه إلى صفحة في الرواية ويقول له:
ـ ركّز معايا.. أنا كناقد أكاديمي أحب اعرفك إن الفقرة دي مش مناسبة للمتلقي العربي.. لازم تاخد بالك من الحاجات إللي زي كدا في أعمالك الجاية، وافتكر إللي قاله “رينيه ويليك”: “إن العمل الأدبي لا يكتمل نجاحه إلا بتجاوب قارئه”.
رجل 1 مندهشًا:
ـ لكن حضرتك قلت نفس إللي قاله القارئ المحترف بالظبط على نفس الفقرة.
رجل 3 :
ـ أيوه بس هو ما اقتبسش من “رينيه ويليك”.
يخرج رجل 5 البزازة من فمه ويصرخ:
ـ أنا أمير الرواية الذهنية.
ثم يعيدها ثانية، ويواصل الدوران بنفس وضعية التفكير العميق…
يدخل رجل 2 إلى الحجرة وفي يده صحيفة، ليتوجه إلى المرأة الجالسة.. يرفع الصحيفة أمام عينيها ويقول:
ـ الخبر نزل.
المرأة بعفويتها الثابتة، دون أن تلتفت له، ومواصلة انهماكها في الكروشيه:
ـ إقراه.
رجل 2 (يقرأ من الصحيفة):
ـ عن دار “عين الخان” صدرت رواية “اعطني الجائزة يا سيد” للكاتب “ظريف العيّاط”، والتي تمزج بين الأبعاد التاريخية والواقعية والاجتماعية والخيالية والسياسية والرومانسية والصوفية، كما تجمع بين الأساليب الكلاسيكية والتجريبية، وكذلك بين تقنيات التداعي الحر وما وراء السرد وتعدد الأصوات، ولاشك أنها رواية مختلفة لكاتب مختلف عن الكتّاب المختلفين الذي يكتبون روايات مختلفة.
المرأة دون أن تبعد عينيها عن الكروشيه الذي تنسجه، وبنفس العفوية السابقة:
ـ كويس.. اديله الجايزة يا سيد.
يترك رجل 2 الصحيفة، ويمد يده وراء ظهره ليُخرج درعًا ذهبيًا صغيرًا من داخل الشورت الذي يرتديه، ثم يشير لرجل 1 بالاقتراب ويقدم إليه الدرع لحظة مصافحته في الوقت الذي يُسرع فيه كل من رجل 3 ورجل 4 بهاتفيهما لالتقاط صور هذا المشهد من زوايا مختلفة بينما يُطلق فم المرأة صفيرًا احتفاليًا وهي لا تزال منهمكة بملامحها الخالية من انطباع محدد في نسج الكروشيه.. تستقر وضعية رجل 2 وهو يمنح الدرع إلى رجل 1 أثناء المصافحة، وعلى وجهيهما ابتسامة واسعة، وعيونهما في اتجاه كاميرتي الهاتفين في يدي رجل 3 ورجل 4، اللذين يقومان كذلك بالتصوير “سلفي” مع رجل 1 ورجل 2 الثابتين على الوضعية ذاتها.
بعد انتهاء التصوير يعود كل شخص إلى ما كان يفعله: رجل 2 يمارس تمرينات رياضية خفيفة.. رجل 3 يأكل من أطباق عدة فوق طاولة الطعام.. رجل 4 يحلق ذقنه أمام المرآة.. رجل 5 يواصل الدوران بالبزازة الصغيرة في أرجاء الغرفة دون توقف، ساندًا رأسه على يده كما لو أنه في حالة تفكير عميق.. رجل1 يرجع للجلوس على المكتب حاملًا الجائزة.. يفتح اللابتوب، ويبدأ في الكتابة، وقراءة ما يدوّنه:
“أصدقائي الفيسبوكيين.. احنا عندنا في الوطن العربي كتّاب موهوبين جدًا، وكتابتهم على أعلى مستوى، ولاشك إن الجوائز العربية المرموقة أصبحت حاجة أساسية ومهمة بالفعل لتقدير الكتّاب المتميزين”.