فرانسوا باسيلي
1
جئت ككل الأنبياء والعشاق
من مصر
ومن العراق
ثملت بالحكمة
فامتشقت الكلمة
سيفاً من الورد
يهوي علي الأعناق
المحنية بالمحبة
تقبل بعضها بعضا
قبل النفس الأخير
قلت فلتكن المحبة طائراً
وامتطيت البراق
باحثاً عن عش العشق
سافرت في الكون
لا أرض تثقلني، ولا فضاء
صرت حراً
إلاً من محبة الأعداء
وتمائم الأجداد والآباء
سلاسلٌ من حرير
تخنقني لأبعث في المنفي
فأسير فيه لا أساطير
أمامي أو ورائي
أطير إلي لا سماء
سوي سمائي
أحبوا أعدائكم
قلت أكون محباً أو لا أكون
فأحببت أعدائي
وأجزلت لهم العطاء
أنا الغني الفقير
لن أدخل السماء سوي
من ثقب إبرة
بي حزنٌ كحزن الكواكب
تسبح صامتةً في المجرة
وعلي الأرض بكاء
وبالناس المسرة
دمعٌ وقبلٌ ورغبة
فلتكن مشيئتي
مشيئة المحبة.
2
جئت كأصحاب الكتاب
من مصر القديمة
في فمي الكلمة
والكلمة سرٌ وسراب
حضورٌ وغياب
قلت قد ترفعني الكلمة
وقد تسقطني الكلمة
فالكلمة كَحَرِيرٍ قلَّاب
وكم خدع الحرير العيون
قلت أكون صادقاً أو لا أكون
خبزنا كفافنا
والحق مأكلي وشرابي
حملت كتابي
وأعددت قلبي
ووقفت أمام الباب
أي حسابٍ عليك يا قلب يوم الحساب؟
أي كتاب؟
3
جئت ككل عشاق الحياة
من مصر القديمة
معي المفتاح والمصباح والإله
والإلهة الجميلة أقبلت
لها المحبة والجنون
الإنس والجن يعرفون قدرها
وسرها، فيعشقون
عرفتها في السر والعلن
كأنها أرضٌ ووطن
جسدٌ من عسلٍ ولبن
وروحٌ من نواحٍ وشجن
والمال والبنون
قلت أكون عارفاً أو لا أكون
وقلت لكي أعرف فلأبصر
ما خفي عن الأحداق
وما خفي هو الأعظم
فليعلم من لا يعلم
أن الحق هو العشق
والعشق هو الحق
وقلت لكي أعرف فلأرحل
سافرت في نفسي
لا أهل تثقلني ولا رفاق
لا وداع ولا عناق
الكلمة زوجتي
واللغة خليلتي
فلتكن مشيئتي
فلتكن مشيئة العشاق.
4
قال الشاعر المارق
ملقياً بشعره الممسوس
كعصا، أو كمعصية
أو كحيةٍ رقطاء
كن فيكون الجسد النار
والجسد الماء
كن فتكون الأشياء
وكن فتكون الأسماء
وهوي بالكلمة ورداً
علي جسدي المشلول
فاعلٌ ومفعول
يفسر كل سرٍ
يكشف كل مجهول
بما يقول ولا يقول
فيبعث الصوت في الصمت
والكلمة في الموت
فأقوم حاملاً قبري
لألهج بالتهليل
كم مت وكم قمت
شمسٌ من شمس
عرسٌ في عرس
توجت بشوكٍ وأكاليل
فتحول ماء الجسد إلي خمر
لا شيء عليك كثيرٌ، لا شيء قليل
باركني الإله
فقمت معي مفتاح الحياة
أفتح باب الخلق وباب العشق
قال الخالق الناطق
لو أعياك السعي بغير دليل
ولم تبصر وجه الحق
وطريق الحق طويل
فليكن القلب دليلك
أو فليكن النيل.
5
جئت ككل الحكماء العشاق
من مصر
وقلت أكون عاشقاً أو لا أكون
العاشق الأمين علي ما يصون
كريا لايصون
كريا لايصون
يا رب إرحم هذه الأجساد قرابين
فالفقراء يشبعون
والغرباء يأكلون ويشربون
علي موائد المحبة
الخبز نعمة
والكلمة لقمة
والكلمة صارت جسدا
والجسد صار فارعاً وناصعا
أشعرٌ أم سحرٌ؟
أم سرٌ صار ذائعا؟
قلت لو اعرف ما العشق
لكتبت كتاباً للحائرين
أفسر سر الخلق
لهبط الخالق العاشق طائعا
يفتت ذاته نازلاً وطالعا
خبزاً علي مائدة الرب
فيطعمني يسقيني
أنا من كنت جائعا
وظامئاً إلي نبيذ المحبة
دمٌ في دمٍ
مشتاقٌ إلي مشتاق
أيتها الجميلة الآتية
من بر مصر
اقطفي ما تيسر من تينٍ وعنب
واشربي الليلة ما سيسكب القلب
فلن يكون لنا بعد هذا البعد قرب
وليس في غدنا
سوي الفراق.
6
جئت ككل العشاق السحرة
من مصر دعوت قلبي
عشقٌ يتعتق
نهرٌ يتدفق
فيجرف القادمين الراحلين
نفقٌ بلا آخر، بابٌ لا يغلق
شبقٌ في بشرٍ، وبشرٌ في شبق
من مصر دعوت إبني
قلت أكون ساحراً أو لا أكون
لو اعرف ما السحر
لنطقت دون حاجةٍ للنطق
وقلت أنا السحر أنا المسحور
أنا العقل أنا المنطق
وقال الحق أنا الخالق الذي خلق
قلت اثنان إذن في واحد
أنا وأنت روحٌ في جسد
وجسدٌ في روح
والشاعر الساحر يبوح ولا يبوح
بسرٍ لا يطيق نطقه أحد.
7
قلت أكون شاعراً أو لا أكون
الشاعر الواحد
المخلص الجاحد
أكتب ما يمليه الوحي
وما يمليه خيالي
وأفسر الأيام والليالي
وأكون الشاهد
علي العرس والبؤس في الناس
والمجد في الأعالي
وعلي الأرض دماء
دع كتاب الموت للموتي
ولا عزاء للأحياء والمومياء
لو أعرف ما الشعر
لقلت هو السحر
والسحر رجاء
ما أكذب ما في الشعر من السحر
والشعر بكاء التائهين في الأرض
ونواح الغرباء
اللغة ذريعة
والشعر شريعة
فيؤمن بي المؤمنون
ويؤمن بي الحائرون
ويتبعني الغاوون.