مذكرات ماجدة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

"إني جئتُ اليوم إليكِ بدافع أكبر من العمل معكِ وهو أن أقبّلك"، هذا ما قاله يوسف إدريس لماجدة الصباحي عندما زارها في مكتبها ذات يوم فظنّت أنه يريد أن يتعاون معها أن تنتج إحدى قصصه، لكنه أوضح مقصده من البداية بكل صراحة فصعقتْ وأنهت لقاءها معه، ثم أدركت فيما بعد أنه كان يمزح، لكنهه لم يكن يمزح حين كتب عنها نقدًا قاسيًا، يوحي فيه بأن ماجدة ممثلة حتى في حياتها الشخصية: "ولكن أروع أدوارها في رأيي هو الدور الذي لم تمثله في رواية أو فيلم، هو دورها في الحياة، وهو رائع لأنها هي التي تؤلفه وتخرجه وتعتصر نفسها وتمثله... مكتبها في عمارة الإيموبيليا تحس أنه بلاتوه معد لتصوير مشهد بطلته ماجدة طبعا الجالسة تمثل دور المنتجة اسماً، وتقوم بدور الملكة..."، هذا بعض ما ورد في كتاب صدر مؤخرًا، عن مركز الأهرام للنشر، بعنوان مذكرات ماجدة الصباحي، بقلم الكاتب الصحفي السيد الحراني، الذي كتب من قبل مذكرات مصطفى محمود وجمال البنا، ومؤلفات أخرى تشي بتنوّع اهتماماته وغرابتها، مثل كتاب عن انحرافات صفوت الشريف، وعلى أي حال، ورغم لغة الكتاب البسيطة وأخطائه الكثيرة فإذا كنتَ من محبي سير الأعلام ومذكراتهم فلن تخسر إذا اختلست إطلالة على حياة ممثلة ومنتجة (ومخرجة أيضًا لفيلم واحد) تركت علامتها على تاريخ السينما المصرية، في العصر الذهبي (كما يقولون) لهذا الفن، وفي فترة محتشدة بالتغيرات السياسية ذات الشأن، حتى ولو بدت قصة حياتها أقرب إلى حكاية خرافية من حكايات الأطفال، وأضفى عليها الكتاب هالة أسطورية مشعّة تكاد تقترب من القداسة، كما وردَ على لسانها نصاً: "وأنا أستطيع أن أقول بأعلى صوتي إني قديسة في هذا الوسط الفني، ولو كنا نعيش في عصر الأنبياء لكنتُ إحدى النساء الصالحات أو القديسات." 

الكتاب يحتشد بالحكايات الطريفة والغريبة بدايةً من تجربة أول فيلم تمثله ماجدة، وهي تلميذة في الثالثة عشر من عمرها، من وراء ظهر عائلتها، بهروبها من المدرسة كل يوم للذهاب إلى التصوير لفترة طويلة، وانتهاءً بما تراه في ظلمة غرفة نومها حالياً مما أسمته (أشباح الوحدة)، مروراً بتجاربها وذكرياتها مع العديد من أساطير عالم الفن والسينما، وإصرارها على أن تقتحم مجال الإنتاج وهي شابة صغيرة (أو قطة) على حد تعبير إحسان عبد القدوس عندما طلبت منه شراء قصة أين عمري في أول تجاربها الإنتاجية، ثم قصة حبها وزواجها وطلاقها من إيهاب نافع، الطيار ورجل المخابرات الذي دخل عالم السينما على يديها، وبدت شديدة الحرص في كتابها هذا عن نفي أي شيء قد يسيء إليه، حتى لو كان ما ورد في مذكراته هو نفسه قبل موته فقالت إنها حملت العديد من المغالطات (فطوال فترة زواجنا لم أره يشرب الخمر كما ذكرت تلك المذكرات، بل كان رياضيًا ومداوماً على الصلاة).

قد يتساءل القارئ ألا يستحق هذا النوع من الكتابات اهتمامًا أكبر، فإن حياة كل فنان أو عَلم يمكن لها أن تكون مادة ثرية للغاية لإنتاج كتب غير سردية مهمة تكون أقرب إلى وثائق وشواهد على عصره وتجربته بالقدر نفسه، بعيدًا عن الحرص على تجميل الصور وفلترة الماضي من شوائبه وسيئاته؟ ورغم تساؤلات مثل تلك، فالكتاب يضمن حدا أدنى من المتعة والتسلية ولذة التلصص على ما وراء بريق الشاشة الكبيرة، وبهجة اللحظات الصغيرة التي تفلت على الصفحات بين لحظة وأخرى، مثلما تمسك الطفلة الصغيرة غادة بالمصحف وتسأل أمها ببراءة: “هل هذا هو سيناريو ربنا يا ماما؟”

……………………

*نشر بجريدة القاهرة

 

مقالات من نفس القسم