لي اسمٌ موسيقيّ
رُبّما الشٌّباك الذي كنتُ أجلسُ بجانبِهِ
كان يعُدني بمجدٍ غير عاديّ
كتبتُ على كُرّاساتي
إيمان…
طالبة بمدرسة: إيمان مرسال الابتدائية
ولم تستطع عصا المدرِّس الطويل،
ولا الضحكات التي تنط من الدِّكات الخلفية
أن تنسيني الأمر.
فكَّرت أن أُسمّي شارعنا باسمي
شرطَ توسيع بيوته،
وإقامة غُرف سرية،
بما يسمح لأصدقائي بالتدخين داخل أسِرَّتهم
دون أن يراهم أُخوتُهم الكبار.
بعد هَدم السقوف، لتخفيف العبء عن الجدران
ونَقلِ أحذية الجَدات الميتات والأواني
والعُلب الفارغة التي أخرجتها الأُمهاتُ خارِج الحياة
بعد خدمة طويلة إلى شارع آخر.
يُمكن أيضاً دَهنُ الأبواب بالأورنج
– كتعبيرٍ رمزي عن البهجة-
ووضعُ مقابضَ مخرومة، تُسهِّل على أي واحد
التلصُّص على العائلات كبيرة العدد،
وبهذا لا يكون هناك شخصٌ وحيدٌ في شارعنا.
“التجاربُ الرائدة
تصنعها العقولُ الكبيرُ”
هكذا كان يُمكن أن يصفني عابرون
وهم يتنزهون على الرصيف الأبيض
لشارعٍ يحمل اسمي،
ولكن لكراهيةٍ قديمةٍ بيني وبينه،
تركت أحجارُهُ علاماتِها في رُكبتيّ
ورأيتُ أنه غيرُ جديرٍ بذلك.
لا أذكرُ ..متى اكتشفتُ أن لي
اسماً موسيقياً، يليق التوقيعُ به
على قصائدَ موزونةٍ، ورفعُه في
وجه أصدقاء لهم أسماءٌ عموميةٌ
ولا يفهمون المعنى العميق لأن
تمنحك الصُدفةُ اسماً ملتبساً
يثيرُ الشبهاتَ حولك
ويقترح عليك أن تكونَ شخصاً آخرَ
كأن يسألك معارفُك الجددُ
– هل أنت مسيحيّ؟
أو
– هل لك أصولٌ لُبنانيّة؟
للأسف، شيءٌ ما حدث
فعندما يناديني أحدٌ يعرفني،
أرتبكُ، وأتلفّتُ حولي،
هل يُمكن أن يكون لجسد كجسدي
ولصدرٍ تزدادُ خشونتُه في التنفُّس
يوماً بعد يوم، اسمٌ كهذا؟
ثم إنني أرى نفسي كثيراً،
بين غُرفة النوم والحمَّام،
حيث ليس لديَّ معدةُ حوتٍ،
لإفراغِ ما أعجزُ عن هضمهِ.
أمينة
تطلبين البيرةَ بالتليفون،
في ثقة امرأةٍ تعرف ثلاثَ لغاتٍ،
وتورِّطُ الكلمات في سياقاتٍ مفاجئة.
من أين لكِ كُلُّ هذا الأمان
كأنّكِ لم تتركي بيتَ أبيكِ أبداً
ولماذا لحضورك هذا التخريب
الخالي من القصد
هذه الوطأة
التي تُخرِج حواسّي من عتمتها
وماذا عليّ،
عندما تمنحني غرفةُ الفندقِ
صديقةً كاملةً تماماً
سوى أن أُكوِّر في وجهها
سوقيةً تليقُ بي
وخشونةً أنتقيها.
انبهري إذن
أنا عادلةٌ
وأتركُ لكِ أكثرَ من نصف هواء الغرفة
مُقابلَ أن تريني بدون أشباه
أنتِ التي تكبرين أُمّي بعشرين عاماً
تلبسين ألواناً مبهجةً
ولن تشيبي أبداً.
صديقتي الكاملة تماماً
لماذا لا تخرجين الآن،
قد أُبشِّرُ بدخولي الصناديقَ الرمادية
وأنا أُجرِّبُ أشياءَكِ الأنيقةَ فعلاً.
لماذا لا تخرجين، تاركةً كلَّ هذا الأكسجين لي
قد يدفعني الفراغُ الذي خلفك
لأن أعضّ شفتيَّ ندماً
وأنا أرى فرشاةَ أسنانك
أليفةً .. ومُبلَّلة.
سبتمبر 92
الجَلْطة
إلى أبي
مجرّد نوم
يزمُّ شفتيه على غضبٍ
لم يعُد يذكر سببَه
ينامُ عميقاً
الكفّان تسندان الرأس
فيُشبه جنودَ الأمن المركزيّ،
في عربات آخر الليل
حين يغمضون الأعينَ على رُكامٍ من الصُّوَر
تاركينَ الروحَ للدورانِ المنتظِم
ليصيروا ملائكةً فجأة.
رسمُ القلب
كان يجب أن أصيرَ طبيبة
لأُتابع رسمَ القلبِ بعينيّ
وأؤكدَ ان الجَلْطة مجردُ سحابة،
ستنفكُّ إلى دموع عادية،
إذا توفر قليلٌ من الدفء
لكني لستُ نافعةً لأحد
والأبُ العاجز عن النوم خارجَ سريره الشخصيّ
ينامُ عميقاً، فوق طاولةٍ
في بهوٍ واسع.
صراخ
نساءٌ صامتات
مَلأن الطُّرقةَ التي تؤدّي إليك
وجهّزْن الأجسادَ لطقسٍ
سيزيح الصدأَ المتراكمَ فوق حناجرَ
لا تُجرِّب نفسها
إلا في الصراخ الجماعيّ.
ــــــــــــــــــــــ
دار شرقيات، القاهرة.
طبعة أولى، 1995 .
طبعة ثانية، 2004.