محمد محمد مستجاب: لا أعرف المتاجرة بالأدب

Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته: نسرين البخشونجي

محمد محمد مستجاب كاتب شاب, ورث صنعة الأدب عن والده الكاتب الكبير الراحل محمد مستجاب. يكتب الرواية و القصة و السيناريو و المقال النقدي بنفس البراعة فنال جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة – قسم الإعداد المسرحي عن نص رواية ( مستجاب الفاضل ) للأديب / محمد مستجاب – بعنوان ( الفاضل ) لعام 2007 ثم فائز بمسابقة نادي القصة لعام 2007 عن قصتي ( المجد – الأريكة ).

كما حاصل على جائزة إحسان عبد القدوس في القصة القصيرة عن قصة (التتار) لعام 2008. ثم جائزة –اتحاد كتّاب العرب – القصة عن مجموعة قصص ( وصايا غير معلنة) 2008 و جائزة هيئة قصور الثقافة في القصة القصيرة عن مجموعة قصص (ثعبان يبحث عن مشط) لعام 2008. كما نال جائزة أحسن سيناريو في مسابقة عبد الحي أديب بمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لعام 2009 عن سيناريو فيلم ( حلم حمادة وميمي ). و جائزة يوسف ابورية للرواية الدورة الأولي لعام 2010 ثم جائزة إحسان عبد القدوس في الرواية عن عام 2012. و أخيراً حاصل على جائزة فلسطين الدولية للرواية ” غسان كنفاني ” للسرد القصصي ” الدورة الأولي عام2012 عن رواية ” قرية ليس بها رجل”. هنا حوار معه.

                

أنهيت كتابة الرواية الفائزة بالجائزة 2009، وهي تبدو مثل ملحمة حول الحرية والظلم والثورة هل يعني ذلك إنك استشرفت ثورة يناير ؟

أولا أحب ان اخبرك ان نص الرواية كان عبارة عن قصة قصيرة، ولكن نبهني مجموعة من الاصدقاء والنقاد الى انها مخطوطة لرواية ويجب العمل عليها، ظلت الرواية في درجي، الى ان قامت ثورة يناير، فؤجئت بالكثيرين يتاجرون بنصوصهم وانهم تنبؤا بالثورة في اعمالهم، وعندما اخبرني اكثر من صديق بذلك عن روايتي، لم احب ذلك، فالذي يقول عن عمل هو القاريء، وليس صاحبه، لانني لا اعرف المتاجرة بالادب.

تبدو الرواية بسيطة لكن في عمق النص الحكاية أكثر تعقيداً.. إلى أي مدى تعمدت أن تصنع مستويين للحدث في الرواية؟

في البداية، انا كنت مرعوب ان اكتب رواية، ولم اكن اعرف ماذا افعل، ولم اري امامي اي شيء، وقد اخذت وقت كبير في كتابتها ثم تركتها ثم عاودت الكتابة بها مرة اخري، فقد كنت اريد ان اصنع سيرة شعبية من تلك الرواية، اي العب على نصوص مقابلة مثل حسن ونعيمة او ياسين وبهية، لانني كنت ابحث عن نص مصري 100 في المائة، لكن الاشكالية في طرح الموضوع كانت صعبة جدا، لان مستوي طرح ما يدور في الوطن على ارض نص، دون ان يكون مباشر ولغة يومية بسيطة، سوف تفقده الكثير من قوته، لذا يبدوا انه على مستويين، قصة شعبية وقصة حب، لكن الناحية الاخري هي قصة وطن، يبدو انه مات ولم يعد احد يسأل فيه، وان شعبه مات، اضف الى هذا أنني كنت اريد اكتشاف القوة الكامنة في هذا الشعب، حتي ينتبه اي شخص قادم لهذا، فنحن دولة عظيمة جدا وشعبها يمتلك كل مقومات النجاح، فأنا استطيع ان اقول اننا شعب عبقري، واقصد حركة المجموعة، لكن العبقرية لها اتجاهين يمكن ان تكون عبقرية ايجابية وهذا ما شاهدنا في الثورة، وعبقرية سلبية وهذا ما شاهدنا في اختيارنا للرئيس في صناديق الاقتراع.

“قتلنا صبرية والحمد لله، غسلناها بدموع الخوف، وكفناها بصمت حكمتنا، وأطلقنا خلفها بعض الصراخ كلحن أساسي للوداع، وسار هارون في جنازتها ساكنا، منحني الرأس، كابي النظرة، دامع العيون”..هل تموت الأوطان حين تغيب عن شعبها روح الثورة؟

بالتأكيد.. انظري الى مصر قبل 25 يناير وبعدها، فأنا يوم 11 فبراير ونحن نحتفل برحيل مبارك اخبرتهم ان عمري الآن 26 عاماً، اي انني صغرت عشرة سنوات، هو العمر الذي سرق مني، وهذا ما لا يريد ان احد يفهمه الجميع يبحث عن الاشياء المادية، لكن سرقة الزمن والعمر، ليبس للاشخاص بل للاوطان هذه كارثة الكوارث.نحن كنا نتحايل على الحياة كي يمر يوم، صحيح تعمل لكن جيبك ليس به نقود، تُعالج ولا تخف، تحب ولا تتزوج، تحارب ولا تنتصر.. هكذا تسرق الاوطان، لان السرقات المادية يمكن تعويضها، اما عمر الوطن المسروق والمسلوب فلا احد يستطيع ان يعوضه.

“والميدان: جسده النحيل الأسمر، الذي يود أن يبدو سليماً قوياً، وعيونه الرملية التي تتعاشق مع أشعة الغروب، فتريق على شاطئه حمره حزينة باكيه” استخدمت الرمزية في نصك فصنعت من الوطن صبية جميلة و من ميادين الثوار رجل قوى و من الأنظمة القمعية عائلة..حدثني عن ذلك.

كما قلت لك: كنت اريد صنع سيرة شعبية وجزءاً من السيرة انها من الواقع وتعيش مهما مر من سنوات، بالإضافة الى انها لكل انسان على مستوي العالم وفي اي زمان، تلك كانت الافكار الاساسية في النص، فاذا كنتي تريدي ان تلبسي الرواية الواقع، فتصبح صبرية مصر وهارون شعب مصر وعائلة الجربان مبارك وحاشيته، فهذه نظرة صائبة لكنها ضيقة للنص، لان النص الروائي في رائي نص لكل الشعوب المتاشبهة على مستوي الكون، بمعني انك ستجدين هذا في الارجنتين والمكسيك ومعظم شعوب افريقيا، فالظلم لا يتجزأ لكنه يختلف في طرقه، كذلك البطولة لا تتجزأ لكنها تختلف، والحب وهكذا.

“الحزن شيء غامض شديد الوضوح، جارح شديد الرقة، بذئ شديد الاحتشام، هامس بالغ الصراخ، بليد قوي الذكاء” جملة مكتوبة بمجموعتك “باب للدخول” هي تقريباً نفس لغة الرواية شعرية و حالمة هل ترى أن اللغة أضافت للسرد؟

بالتأكيد، فأنا اعلم ان الرواية نص وتشكيل لغوي قبل اي يكون تجربة ابداعية او حدوته تحكي وتروي، لذا كنت أريد لغة غير عادية وان كانت تبدو في بعض الاوقات قديمة او فخمة، لانني احكي حكاية، سيرة من لحم ودم، حياة على الأرض بكل تفاصيلها واشخاصها، لان الواقع المعاش اكثر قسوة مما يكتب، وانا كنت احاول ان اجاري الواقع بكل جبروته وكل قسوته، لذا كنت اريد ان ادخل معركة لغوية قبل ان احكي الحكاية.

مزجت الغرائبية بالواقعية في روايتك و استخدمت ذات الأسلوب في مجموعتك ” ثعبان يبحث عن مشط” إلى أي مدى تجد هذا الأسلوب يضيف لروح النص؟

مستجاب الاب هو المؤسس الأول لذلك، لكن نقادنا رحمهم الله يحبون ان نكون في الدرجة الثالثة دائما، وهذه عقدة الخواجة، اي يجب ان يقول ان شبه هذا، او اقتبس هذا، لكن ان نكون نحن الدرجة الأولي، فلا.

واتذكر كلمة قالها جابر عصفور بعد رحيل مستجاب وأكده الدكتور حامد أبو احمد “كيف نترجم ماركيز ولدينا مستجاب”، وانا لم افعل شيئا، انا كنت احب ان ارسل رسالة لمستجاب الاب انه كان على صواب، واننسي اسير على نفس الدرب، اما بالنسبة للنص، فأنا لم ادخل اي شيء جديد غير انني يجب ان اجذب القارئ واجعله مستيقظ لكل كلمة في النص، لانه لو غفل اما ان اضحك عليه واما ان لا يفهم ما هو مكتوب، ومن ناحية اخري، مازال القاري واقع في قراءة او سماع الحدوتة، لا يريد التشظي ولا يريد الخروج عن القضبان، وانا احب ان اضع القارئ امامي لان النص له، فأنا اقول له هذه حكايتك، وهذه مصيبتك وهذا طريقه نجاتك لو تمسكت بها.

فى روايتك بعض المقاطع “الإيروتكية” هل هي لعبة دمج السياسة بالجنس؟

السياسة فن، ونحن عندما نضعها على الأرض تتحول لجنس، شخص يدور ويلف حولك، يعاكسك ويغيرك حتى تقع في شباكة، وفي النهاية اما ان يتزوجك رسمى او عرفي، انا اضحك، لم اكن اقصد هذا بالضبط فالجنس شيء أساسي لكني عند الكتابة لا أفكر فيه مطلقا… مثلا الفصل الذي يمارس فيه هارون الجنس من جنينه صبرية هو من باب أن تمده بالشجاعة وإيقاظ روحه مرة أخري بعد ما كانت تسخر منه. لكني لم اقصد جنس فج ومباشر.

هارون بطل الرواية..هل يشبهك؟

أنا هارون… جملة كانت تتردد داخلي اثناء كتابة الرواية او بعد الانتهاء منها او عندما احاول قراءتها للحذف او الاضافة، فالمرار الذي حمله هارون على كتفه بعد قتل صبريه وخذلان القرية له، لا يوازي المرار الذي حملته بعد رحيل والدي وفقدي حبيبتي، لقد ظللت حزيناً جدا من العالم حولي، ولم تخرج روحي ألا عندما نزلت ميدان التحرير في ثورة يناير، ثم ألتقيت بحبيبتي .

“قرية ليس بها رجل” اسم صادم.. هل تغازل به القارئ العادي ؟

لا.. البعض عندما يقرأ الاسم يعتقد انها رواية عن الجسد او الجنس، حتي لجان القراءة في المسابقة قالت هذا، لكنهم عندما قرأوا الرواية لم يجدوا هذا، والعنوان وان كان يبدو صادم، الا انه حقيقة فالنص قام عليها وهي جملة تقولها صبرية لذا كان يجب ان تقتل، وعندما ماتت يتأكد هارون ان الكلمة حقيقة وانها فعلا قرية ليس بها رجل، لان الجميع خائف ويأكلهم الجبن، لذا كان يجب على هارون ان يوقظهم بعصاه للقيام بالثورة والاطاحة بعائلة الجربان، حتي يستطيع ان يزيل تلك الصفة عن هذه القرية التى يعيش فيها.

حدثنا عن علاقتك بوالدك الكاتب الراحل محمد مستجاب و كيف أثر فيك؟

كانت علاقتي بوالدي، علاقة ناقر ونقير، شد وجذب دائم، وكأننا طرفي نقيض، شمال يمين، فاذا طلب شيء مني، ارفضه او انفذه بضيق، لكن الحقيقية انني كنت انفذه من وراء ظهره، ألا انه بعد رحيل مستجاب وجدت انني خسرت كثير بهذا، فأنا انفذ كل ما كان يطلبه او يتمناه، لأنه كان انسان حقيقي جدا، ووجهة نظره في الحياة صحيحة، فيكفي انني تعلمت منه كيف استقبل شمس الصباح وكيف اتعامل مع الكون حولي، فهو صح مائه في المائة واي نجاح لي الآن هو من مستجاب الأب، فهو يمد يده ليّ من قبره كل فترة، ليس لي بل لكل الناس الذين يعرفونه، فانا افرح جدا عندما يتصل بي احد في انه وجد ضالته او علاجه في احد اسطر مستجاب، لقد كان رجلا عظيما.فهو يقول لك اسمع موسيقي كذا، اقرا هذا، زور اقاربك، تكلم هكذا، اذهب وشاهد هذا. وذلك كي تتعلم، لأنه لم يجد تلك الاشياء في حياته المبكرة، لقد عاش حياة قاسية جدا جدا، لذا كان يندهش عندما تكون تلك الاشياء حولنا ولا نستخدمها بطريقة صحيحة.

لو كان على قيد الحياة الأن هل كنت ستستشيره فى ما تكتبه قبل النشر؟

كنت سأستشيره على مستوي الافكار فقط، انما عرض الاشياء عليه فأنا لا أجرؤ على هذا، مستجاب كان لديه بعض الاسس التى لا يحيد عنها، واتذكر انني كنت قد كتبت معالجة تلفزيونية وعرضتها عليه، اعجب بها، وقال لي: لا تعرضها على الكثيرين حتي لا يسرقوها، لكني كنت اخشي ان اعرض عليه مقال او قصة.

تكتب القصة القصيرة و السيناريو و الرواية.. أيهما أقرب لروحك؟

كل كتابة لها طعم، وهذا يعود للموضوع الذي اريد ان اطرحه، فأنا لم اكن افكر ذات يوم في كتابة قصة او رواية، حلمي الكبير هو السينما و التلفزيون، لكن مجالهما صعب للغاية، بسبب الشللية و المكائد، فلا يجب ان تتحصن بمبادي مستجاب وانت تدخل هذا العالم، لكني استمتع فقط بما افعله، واتمني ان اركز الفترة القادمة للدراما سواء سينما او تليفزيون.

واعترف أن أصعب كتابة اقابلها هي القصة، كل شيء تريد ان تقوله في سطور قليلة، قوة الكلمة يجب ان تكون حادة، الفكرة يجب ان تكون واضحة، اما الرواية فهي الجحيم الذي اعانيه بحق، ولدي الان بعض الافكار التى اريد ان اطرحها، فاذا كنت انحاز للقصة الا ان الرواية قادرة على صنع التاريخ.. اما السينما والتلفزيون فهو القدرة على الدخول لكل الناس.. وسوف افعلها قريبا بإذن الله.

الجوائز الأدبية هل تضيف للكاتب أم تأخذ منه؟

هذا سؤال ليئم.. لانني لم اجد امامي احد ينظر علىّ بسبب مستجاب، ووصلتني اتهامات من البداية ان هذه اعمال او قصص مستجاب، لذا كتبت كثيرا وفي جميع المجالات وكنت ارسل العمل للجوائز باسم محمد محمد احمد، اي ليس به مستجاب، لكني اجد الصحافة تعنون الخبر باسم مستجاب، نعم اعاني من اسم مستجاب، لكني اخشاه بشدة.الجوائز هي الطبطبة التى تأتي في وقت لا احد ينظر عليك، وانا كنت اريد ان اجذب النقاد والقراء بعيدا عن مستجاب، فأنا كتبت للأطفال, رواية وقصص ومقالات وكتبت مسرح وسيناريو، كل ذلك كي تعترف بي الاسرة، ثم يعترف بى العالم، لان اي شخص يحاول ان يجرحني، ارد عليه مثلا مستجاب لم يكتب سيناريو او رواية للاطفال.لقد عانيت من اسم مستجاب، مع انني كنت اتصور انه سوف يفتح لي الابواب، الا انه اغلقها في وجهي، واتذكر احد كبار كتابنا وهو يصرخ في: لا نريد مستجاب اخر يستولي على كل شيء، انها الموهبة ونحن هنا نحارب الموهبة بشدة، لذا أستخدم الكثير من الحيل للنشر او للتقدم لجائزة، واحاول ان اذكر دائما، وانا اهدي اي نجاح حصلت عليه لولدي محمد مستجاب فأنا صناعة مستجابية مائة في المائة، ومع ذلك اشعر انني ابلد تلميذ في مدرسة مستجاب.. رحمه الله عليك يا والدي.

نلت جوائز عديدة عن أعمالك الأدبية لكنك فضلت النشر الحكومي..لماذا؟

أولا أعترف بأني لا أعرف الطريق للنشر الخاص إطلاقا، ثانيا أنا أريد أن يكون كتابي بجنيهين أو ثلاث كي يصل للقارئ العادي.

ولماذا صار هناك نجوم في سماء الأدب بينما ظل آخرون في الظل؟

صاروا نجوماً لأن لديهم القدرة على الكتابة و التسويق في نفس الوقت. أما أنا فلا أجيد هذه اللعبة, و أفضل أن أجاهد على الورقة البيضاء.

مقالات من نفس القسم