ما يفعله الصمت بسكينِ صدئ
شحاته حسّان
استَقرَّ الصمت كحكمٍ بالسَجن
استَقرَّ عميقاً وساكناً،
كمياهٍ منسيّةٍ في بِئر نصفِ مردوم
لم يضطرب إزاء الدماءِ التي تقاطرت من جُرح قديم لم يذبل بعد..
النَدبات المُعلقة على الجسدِ كتذكارات تركها الزمن
لا تَجرح عُمقَه المُستتب
دبيبُ النملِ الفارسي على الأرضيةِ المُتسِخة
لا يشوش إيقاعه الراسخ، الذي ينسابُ مع العتمةِ التي تَلُفُ الأشياء والكلمات.
صَمتُ مُفعَم بالرزانة،،
يُشعِلُ الروحَ حنيناً لشيءٍ ما
ربما حكايا الجدة،
ثَمرةُ جُميزٍ ناضجة،
أخطاءً أضاءت الطريق ببروق الابتسامات،
أو ربما اللون الأبيض للضباب حين ترتديه قمة الجبل..
الصمتُ المُسالم
الذي لا يستخدمُ أعواد الثقابِ ليُشعل الحنين
لا يضغط مكبس قداحة فتضطرمُ في الذاكرةِ نيرانَ الذكرىّ
بل يفعل ذلك عندما يتناغمُ إيقاعه مع الحاجة للبكاء
فيهدأ صخب المشي حافياً على حافة الهاوية
يسكنُ فوران الدماغ الناجمِ عن طنين الأسئلة عن معنى/ جدوى/ إجابة نموذجية تُفسر تَعقيد العالم..
حتى رُكام الأحزانِ الذي تُخلفه التَجربة،
يتلاشى غُباره الذي يجعلُ العين "رغم كُل شيءٍ" تدمع..
الصمتُ الذي يهبط تدريجياً من الرأس نحو الحلق
فتنجلي الغُصة التي تُلازم رتابة التنفس
يصبح الحلق أكثر اتساعاً،
حينها تَجد الكلمات مهرباً نحو ملاذٍ آمن،
أو قبرٍ لا تنبشه استفزازات الحمقى،
أو أنها على أطراف الشفاه تُقتَلُ بلطف..
يهوى الصمت بهدوءٍ نحو الرئتان
فيرسلُ ريحاً، تُثيرُ سحاباً له اللون الرمادي لدخان السجائر
فيسقط مطراً،
يغسل أرضاً وَسخَها عَبثُ أقدامٍ مرت يوما ما،
يُطفأ ظمأ الصدر للبكاء ..
يَمر الصمت شفافاً ونقياً نحو القلب
فَيَسكُنُ ألمُ التيهِ في صحارى الخيبة،
يُشفَى جُرح الفقد الصارخ
يَسكُتُ صراخ الهجر غيرِ المُبرر..
حينها..
حينها يلتفُ الوقتُ بكفنٍ مصنوعٍ من شفافيةِ التوقف
لتسمع صوت الزمن جلياً، واضحاً
ينسابُ بطيئاً، منتظماً
كمياهٍ تسقط نحو اللانهاية..
ثُمَّ ..
ثُمّ يحدثُ أن تستفيقَ قبلَ أن تُلقى نفسك في التيار الأبدي، لتقول:
ربما في يومٍ آخر.. لكن ليس الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري