ونشأت بيننا صداقة أعتز بها… ومنذ شهور تلقيت رسالة من صمويل شمعون يخبرنى فيها بأن هناك مسابقة أدبية كبرى سوف ينظمها مهرجان هاى (وهو من أكبر المهرجانات الأدبية الإنجليزية).. سوف تختار هذه المسابقة أهم 39 أديبا شابا فى العالم العربى (على أن تكون سنهم أقل من أربعين عاما). ولأن بيروت هى عاصمة الثقافة العربية لهذا العام فإن اسم المسابقة بيروت 39.. وقد ذكر لى صمويل أعضاء لجنة التحكيم فوجدتهم شخصيات ثقافية معروفة ومحترمة: عبده وازن وعلوية صبح من لبنان وسيف الرحبى من عمان.. وقال لى صمويل إن اللجنة المنظمة للمهرجان قد وقع اختيارها على لكى أكون رئيسا للجنة التحكيم.. ولما أبلغته بموافقتى كتبت لى رئيسة المسابقة السيدة كريستينا لافوينتى تشكرنى على قبولى رئاسة لجنة التحكيم.
والحق أننى كثيرا ما أعتذر عن عدم المشاركة فى مناسبات وأنشطة ثقافية حتى أوفر الوقت للكتابة، إلا إننى اعتبرت المشاركة فى مسابقة بيروت 39 واجبا ملزما نحو الثقافة العربية.. فما أجمل أن نكتشف من خلال المسابقة أدباء شبانا موهوبين ونقدم أعمالهم إلى القارئ الغربى عن طريق دور النشر الإنجليزية التى وعدت بنشر أعمال الفائزين.. تحمست لأداء المهمة وبعد أيام بعث لى صمويل شمعون بقائمة تضم أسماء حوالى 90 أديبا من مختلف البلدان العربية مع معلومات عنهم وكتب يقول إن هذه قائمة أولية بالمرشحين للمسابقة ستتبعها قوائم أخرى.. ولما استفسرت عن طريقة تقدم هؤلاء الأدباء للمسابقة. قالت لى السيدة كريستينا إن مجلة بانيبال التى يديرها صمويل وزوجته، هى التى ترشح أسماء الأدباء للمسابقة. والحق إننى اندهشت من هذه الطريقة وكتبت إلى كريستينا أسألها إن كانت بيروت 39 مسابقة مفتوحة للجميع أم أنها مقتصرة على اختيارات مجلة بانيبال..؟.. أجابتنى بأنها مسابقة مفتوحة لكنهم عادة يأخذون بترشيحات المجلة والنقاد وأكدت لى أننى باعتبارى رئيسا للتحكيم أستطيع أن أضيف أى عدد من أسماء الأدباء الشبان الذين أرى ترشيحهم للمسابقة.
تحفظت بالطبع على هذه الطريقة وكتبت لها خطابا طويلا: قلت إن المسابقة المفتوحة تعنى بالنسبة إلى أن يستطيع أى كاتب التقدم إليها بنفسه.. ثم كيف نقصر حق الترشيح على النقاد..؟.. من هو الناقد أصلا..؟.. هل هو الصحفى فى المجلات الثقافية أم هو أستاذ الأدب فى الجامعة أم صاحب الكتب النقدية..؟.. وكيف نأمن تحيز النقاد لأسباب فكرية أو سياسية أو شخصية..؟.. وما ذنب الأديب الشاب الموهوب الذى لا يعرفه النقاد..؟.. إن كثيرا من الأدباء المغمورين مستواهم الأدبى أعلى من المشهورين.. وضربت لها مثلا بمسابقة الرواية التى نظمتها مؤسسة أخبار اليوم من سنوات تحت إشراف الأستاذة نوال مصطفى وقد شرفت أنا برئاسة التحكيم فيها وقدمت مع لجنة التحكيم عشرة روائيين مصريين موهوبين، لم يكونوا معروفين للنقاد أو القراء..
دخلت فى مناقشة طويلة مع كريستينا فوافقت فى النهاية على حق الكتاب فى ترشيح أنفسهم.. وسألتها عندئذ: كيف يتقدم الأدباء الشبان إلى المسابقة وهم لا يعرفون بوجودها أساسا..؟.. وهنا اعتبرت كريستينا أن الإشارة إلى المسابقة فى موقع المهرجان الإلكترونى والأحاديث عنها فى بعض الصحف، إعلانات كافية عن المسابقة.. قلت لها إنه فى مصر أكبر بلد عربى. لا يعرف أحد بأمر هذه المسابقة ماعدا بعض الصحفيين… وبعد أخذ ورد ورسائل متبادلة.. وحيث إننى كنت مسافرا بعد أيام إلى إنجلترا لتقديم كتابى نيران صديقة، اتفقت معى كريستينا على أن نلتقى فى لندن لنناقش كل تفاصيل المسابقة.. وقد هدانى تفكيرى إلى أن اصطحب معى فى هذا اللقاء صديقة إنجليزية هى جيسيكا اكس التى تعمل لدى ناشرى الإنجليزى فورث استيت.. وعلى مدى ساعتين دافعت عن وجهة نظرى أمام كريستينا.. كان منطقى واضحا: يجب أن نفتح المسابقة أمام الجميع ولكى يحدث ذلك يجب الإعلان عن المسابقة بطريقة فعالة وواسعة. يجب أن ننشر إعلانات عن المسابقة فى أهم الجرائد العربية فى مختلف البلدان.. وأكدت لكريستينا أن هذه الإعلانات لن تكلفها أموالا كثيرة. لأن الصفحات الأدبية فى الجرائد العربية جميعا سيسعدها بلا شك أن تنشر عن هذه المسابقة المهمة بدون مقابل.. وقلت لها بوضوح:
ــ أرجو أن تعذرينى لأنى ألح على تنفيذ هذه الطلبات.. لقد عرفت فى مصر، على مدى عشرين عاما، مسابقات أدبية كثيرة نتائجها معدة سلفا ولجانا للنشر أعضاؤها بلا ضمير.. ولذلك عندما أتولى مسئولية تحكيم، أحاسب نفسى لئلا أفعل بالآخرين ما عانيت منه طويلا.
تفهمت كريستينا كلامى ووافقت فى النهاية على طلباتى جميعا.. وعدتنى بإعلانات عن المسابقة فى كل أو معظم البلاد العربية، تنشر فى أول شهر يونيو على أن تكون فترة التقدم للمسابقة شهرين كاملين من تاريخ الإعلان.. وبعد اللقاء أدليت بحديث للإذاعة البريطانية عن المسابقة وكتبت كلمة صغيرة ليتم إلقاؤها فى المؤتمر الصحفى الذى سيعقد فى بيروت عن المسابقة.. على أننى بالرغم من توصلى لاتفاق مع كريستينا انتابنى القلق من جملتين نطقت بهما أثناء المناقشة.. فقد اقترحت كريستينا أن تتلقى مجلة بانيبال كل الأعمال المقدمة لتفحصها ثم تقدم ما تراه صالحا منها للجنة التحكيم. وقد رفضت هذه الفكرة الغريبة وقلت لها:
ــ لا يحق لأية جهة أن تقوم بغربلة أعمال المتسابقين قبل تقديمها للجنة التحكيم..
ومرة أخرى أقلقتنى كريستينا عندما قالت:
ــ فى الواقع نحن نحب أن يكون نصف الفائزين فى المسابقة من الأدباء المغمورين ونصفهم من الأسماء المعروفة..
وأجبتها فورا:
لا يحق لنا إطلاقا أن نتوقع أو نرغب فى تركيبة معينة للفائزين.. كل ما علينا أن نطبق قواعد عادلة.. وسوف يفوز من يستحق الفوز..
بعد الاتفاق مع كريستينا.. عدت إلى مصر ثم سافرت من جديد إلى إيطاليا وفرنسا وعدت بعد أسبوعين وحتى يوم 20 يونيو لم تكن السيدة كريستينا قد نفذت حرفا واحدا مما اتفقنا عليه فى لندن. وعندما كتبت أستوضح الأمر لم تعطنى إجابة واضحة.. وهنا.. أرسلت إليها استقالة مسببة. أعلن فيها انسحابى من رئاسة تحكيم المسابقة لأنها لم تنفذ ما اتفقنا عليه وبالتالى فانى أعتبر المسابقة بهذا الشكل ليست مفتوحة ولا عادلة.. حاولت السيدة كريستينا إثنائى عن الاستقالة وقالت انها ستنشر إعلانا أو اثنين فى مصر.. لكننى أصررت على موقفى. وهنا ظهر لأول مرة السيد بيتر فلورنس وهو الذى أسس مهرجان هاى الأدبى منذ 21 عاما. وقد حاول أيضا إثنائى عن الاستقالة وسألنى عما أطلبه بالضبط.. فكررت عليه من جديد ما اتفقت عليه مع كريستينا.. الإعلان عن المسابقة بطريقة فعالة واسعة حتى نفتح أبوابها أمام الأدباء الشبان جميعا.. ولكننى فوجئت به ينضم إلى كريستينا ويعتبر أن المسابقة كما هى الآن أفضل ما يمكن عمله.. وهنا أكدت استقالتى وقلت له مع احترامى الكامل لك ولدورك الثقافى، من حقك أن تنظم المسابقة كما تريد.. ومن حقى أنا أيضا أن أعتبر ما يحدث فيها مناقضا لمبدأ العدالة..
هذا ما حدث فى مسابقة بيروت 39 الأدبية.. وكلها وقائع موثقة لأننى احتفظت بالمراسلات التى أجريتها مع المسئولين عن المسابقة ولأن اتفاقى مع كريستينا فى لندن جرى فى حضور شاهدة هى جيسيكا أكس.. وأنا أكتب هذه الشهادة ليس بغرض التجريح أو الشوشرة. لكنى أؤمن أن من حق القارئ فى الوطن العربى أن يعلم كل شىء عن مسابقة أدبية كبيرة مثل بيروت 39.. ومن حق هذا القارئ أيضا أن يستخلص النتيجة التى يراها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* روائي مصري