لم نعد نحب الأهلي

غصون حجاج
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 غصون حجاج
وقعت عيناها عليه في شارع محمد محمود، كانوا متجهين صوب التحرير مباشرةً في مسيرة ضخمة، ألا إن الحماس تغير معناه ليصبح ببساطة شديدة “هو”، لا تعرف له اسمًا لكن “تي شيرت” النادي الأهلي كان كفيل حتى تقع في حبه تمامًا كمراهقة في منتصف عقدها الأول، رفعه أحد متظاهري “الأولتراس” على كتفيه حتى بدأ الهتاف، ليشتم “الرجال الذين لا يجب ذكر اسمهم بسوء”، انزعجت في باديء الأمر حيث لم تكن معتادة على هذا النوع من السباب، فرجعت خطوات إلى الوراء كادت أن تترك المظاهرة حتى بدأ “الرجال الذين لا يجب ذكر اسمهم بسوء” تفريق المسيرة من الأمام بقنابل الغاز المسيل للدموع، ثم فجأة رأت الجميع يفر إلى الشوارع الجانبية ففعلت مثلهم تمامًا حيث كانت أول مظاهرة تحضرها فالرعب ملأها عن آخرها بينما تختنق من الغاز ولم يكن معها خل أو كمامة فظلت تجري حتى وجدت نفسها في شارع القصر العيني محمرة العينين.
                                                 ***
اتصلت ندى بعد عودتها إلى البيت بمحمود صديق المدرسة سألته إن كان يعرف أي شيء عن مسيرات “أولتراس الأهلي”، فهي تعرفه جيدًا، أصدقاء منذ الطفولة نشأا سويًا على حب الأهلي ويذهبان إلى المباريات في الاستاد حيث تربط والديهما صداقة قديمة كما إنهما مشتركان في نادٍ واحد، نادي المعادي، ويسبحان معًا من حين إلى آخر هناك، فرد محمود:
– بتهزري؟ أنت كنتي في المظاهرة فعلا؟
– أيوة، بس إياك تقول لحد!
– روحتي من ورا عمو فاروق؟ ده هيعمل منك بطاطس محمرة لو عرف.
ليضحكا سويًا على “الإفيه”، ثم يعدها كالعادة إنه لن يقول لأحد لكن المهم في المكالمة كلها كانت تفصيلة صغيرة زلت لسانه بها عن غير قصد حيث انتفض قلبها أول ما سرد حكاية اشتراكه في “أولتراس أهلاوي” وإنه هو الآخر ينزل معهم المظاهرات لكن تغيب اليوم بسبب إرهاق والده فلم يذهب إلى العمل واصطحبه بسيارته إلى المدرسة بنفسه فلم يكن لدى محمود مخرج أو مهرب ليلحق بالمظاهرة فقد دخل إلى المدرسة متململًا، وأصابه الفتور حينما لم يجد ندى أيضًا، وقال إنه كان سيخبرها بذلك لكنه لم يجد فرصة مناسبة مؤخرًا، لتبتسم ندى وتسأله عن تفاصيل وجه ذلك الفتى وطوله وشعره المجعد الكبير كظل غيمة فوق رأسه.
– تعرفه؟
رد:
– أه طبعا ده عمر داخلية
– عمر داخلية!!
– أه أصله يحب أوي كل ما ينزل يشتمهم
يضحك مستطردًا:
 – أصل عنده تار قديم معاهم، تعرفي إن أبوه إخوانجي؟
– فعلا؟ ميبانش عليه خالص!
– مهو متعقد من كله
وضحك الاثنان ثم فاجأها بالسؤال:
– بس اشمعنى عمر يعني؟
– لا أبدا كان عامل شغل في المظاهرة بس.
– شكل الشغل عجبك جامد
– احترم نفسك!
جلسا يتناقران ويحتدان على بعضهما البعض، ويتناقشان بصوت عالٍ كما العادة ومحمود يجعلها تضحك كثيرًا، واتفقا على نزول المظاهرة القادمة سويًا دون علم أحد من الأهالي بالطبع!
                                                ***
-يعني مفيش بلد غيرها؟
– لأ، لازم أسافر مع أبويا، لو مسافرناش هنـ.. أنت عارفة اللي هيحصل.
                                               ***
تُرغم بذور النباتات أزهارها على الصمود في وجه الرياح، حتى وهي محمية داخل الطين، تُقيدها وحيدة بالخارج، تُجبرها دائمًا على التعايش مع الغبار وسكاكين قاطعي الزهور دون سؤال أو تخيير إذا ما كانت تريد هذا حقًا.
                                              ***
أستيقظُ عصرًا، لا يمل الاكتئاب مني، ولا أنا أمل منه الصراحة، أحببته، فصوص مخي غير قادرة على العيش دونه، ينصح الطبيب بمضاد الاكتئاب، ومضاد للقلق، ومضاد لنوبات الهلع، ومضاد للأرق، ما كل هذه المضادات؟ لماذا لا يوجد دواء مضادٌ للحياة نفسها؟ حيث يُكمل المرء حياته شبحًا مثلًا! أظن النبوءة قد تحققت، إن الفرد دون نفسه هو اللاشيء، يصبح مجردًا من إنسانيته، حيث نفسه هي رأيه وصوته وراحته، وأنا أعيش هنا بلا الثلاثة. فلتعلم أن الفقد موحش. فقد عمر. فقد محمود. ومن ثم فقد الحكاية والقصة تصبح مكررة، تُعيد نفسها كل يوم، حيث لم نعد جميعًا كما كنا.. لم نعد نحب الأهلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون