المنطقة المختلة

موقع الكتابة الثقافي art 24
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

منى سليم
منطقة لا تزيد مساحتها عن سنتيمترات قليلة، لكنها تعبئ داخلها كل مساحات الجليد الممتدة بين القطبين، مساحة صغيرة يتزايد صقيعها ـ لا بتساقط الثلج ـ وإنما بانهيال الحزن وتراكمه فوق قمم السنوات، مساحة ليست فوق الأرض ولكن فوق القلب.. هناك حيث هذا السهل الصغير الرابط بين نهديها.
تضم تلك السيدة الصغيرة يديها و تكورهما قبيل النوم لتشغل بهما فراغ هذه المنطقة المختلة وتسأل: “هل الجليد يسكنها لصغر حجم نهديٍ واتساع النهر الرابط بينهما أم لكبر حجم وجعي وانحسار بحيرات الفرح المتكونة على أطرافه هنا وهناك؟”.
تغمض عينيها وتستدعي النوم العصى وتهدهده قائلة: “تعرف عندما يحدث أحيانا ويأتي الفرح المباغت ينقشع الجليد، كطفولة شمس لا تعرف من أين جاءت ولا ما هو مطلوب منها”.
عندها، تتجاسر النهود الصغيرة وتطير من بينها الأحلام حاملة على أحد جناحيها شمس وبالثاني قمر .. فأنا وأنت نعرف حاجة هذه المنطقة المختلة للنور والنار.. فلتنم الآن أيها القلب ولتستمد الدفء بإحياء بعض الذكريات”.
دائما ما كانت أجمل ومضات الدفء تأتي وهي تتذكر أن هذا التواضع بحجم ثدييها لم يكن كله نتيجة طبيعة جسمها ولكن حصيلة حزنها بعد مرورها بأصعب تجربة فراق.. كان هذا الضمور هو أعلى درجات تمردها على فكرة الموت.. إعلان رفضها له.
عندما يدرك هذه الحقيقة يرفع قلبها رأسه فى شموخ.. يشب من بين أصابعها الضعيفة المتشابكة التي تحاول ملء الفراغ كأن داخلها سراً ما .. هدية ما”.
يحدث كثيراً أن تصل الى أعلى درجات الضياع ولا تكفيها يدها أبداً لمقاومة هذه التلال البيضاء فينساب الحلم بين جفونها يحمل لها صوراً لأجمل من عرفت، لأغلى من فارقت، يأتون ويضعون قبلة، فتصبح الحياة جميلة ومبهرة داخل دنيا الأحلام الليلية وتستمر حتى أولى نبضات الصباح”
تخبرها المنطقة المختلة كل ليلة أنها تحتاح حضنًا غير محدود الاتساع والوفاء والخلود، وترد عليها هى موضحة أنه وفق مقتضيات المنطق فهذا الحضن ليس له وجود، من قال إن الأمان والثبات هما الأصل، بل الاختلال والخوف، ولا عزاء لأحاديث الصبر والأمل والرجاء.
عند هذه النقطة، تغمض عينيها وتدعو الله فقط أن يمنحها فأساً صغيراً تجرف به طوال الليل بعض الجليد المتراكم فوق صدرها لتشق طريقاً صغيراً يمر منه الصباح.
..
دائما ما أكون هناك في صمتٍ أراقب، أنظر لها كل ليلة في منامها وأتمنى أن يأتي من يحمل عن يدها المعول وعن قلبها الوجع ويأخذها إليه.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون