للتو.. ماتت نصف حكاية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هاني عفيفي

خيوط الضوء الأزرق الهائمة فى براح الليل الفسيح في نفس النقطة التي التقطت فيها عيونى حينما كانت ماتزال فى مرحلة الطفولة نفس تردد اللون الأزرق الذى كان يومها علي هيئة حد فاصل بين نهاية ليلة ألهبتها الدماء، وبداية مؤكدة لنهار نفثت فيه الشمس جزء من لهيبها، فاللحظة التي مررت فيها أمام مقرهم كانت إبان زرقة الدماء المسالة طوال الليل قبل سوادها، وكأن موجات اللون الأزرق هي الموجات الوحيدة التي تتطابق مع شبكية عيونى كلما مررت من هنا .

كوافد جديد علي المنطقة لم أكن أعرف عن تاريخهم العائلى أى شيء فقررت أن ما رايته عنهم يكفى لأن يكون تاريخا ثقيل الحشايا مدبب الأطراف تماما كنصل السكين التى أصبحت محورا لأداء بحث نفذه العشرات من قوة الشرطة التى حضرت لمعاينة الجريمة العائلية تلك .

أبنوسية بشرتهم كانت تتراوح حدتها بين فرع وآخر علي حسب الأم فقد استخدمت الأم كماعون بالمعني الحرفي للكلمة في داخل ثقافتهم التي أفرزت الجريمة تلك إلا أن عرض الجبهة وكبر منطقة الشارب وفلطحة الأنف كانت صفة شكلية ثابتة فيهم كلهم .

لم تكن للعائلة المستوطنة هنا منذ مدة، أعتقد أنها ليست بالبعيدة مهنة محددة، وقد يكون هذا أحد الأدلة علي أنهم مستحدثون في المكان فى هامش طرأ علي المنطقة أثناء تكونها، ومع مرور مدة ضمنوا كمتن .

اختلاف البدايات عند كل منا يجعل للأسطورة طعم مختلف علي كل لسان يحكيها، فأسطورتهم لدي بدأت وبدأ الوعى بها من هنا من حانوت الحلوى والفطائر الذى كان يملكه أحد أفراد الأسرة، فقد كان رمانة ميزان العالم بالنسبة لى فهو آخر ما تتعلق به عيونى أثناء ذهابى للمدرسة، وأول ما يفتح الشهية لطفل عندما يعلم بأنه مكافأ .

تتشابك النهايات ولكن قد يرغب أحدنا في أن تظل الحكاية مستمرة أكثر من الآخرين فالنهايات قطار لا يمكن توحيد محطته الأخيرة ، فما بين هذا المساء وذاك الصباح البعيد جدا، وما بين خروجى للميدان ثم العالم ومرورى بالحانوت آخر الليل، متخلصا من بقايا ذكريات العالم الخارجى بعد منتصف الليل، ما يقارب الثلاثة عقود، مرت بها الكثير و الكثير من المحطات وانتهت بدايات جمة إلا أن “قابيل” الذى بعثه السجن إلينا من جديد جلس في نفس مكانه المعتاد علي باب حانوته الذى أصبح حانوتين، فى نفس البقعة التى أصبح فيها أخ وحيد لا أخين ليتحول دم المقتول منهما بعد كل تلك السنوات إلى عبوات زيوت سيارات منمقة بعناية فوق أرفف لامعة، فقتل هذا “القابيل”وللمرة الثانية، باقتطاعه نصف التاريخ لابنه، وشيعا سويا على أنغام موسيقى المهرجانات نصف الحكاية التى للتو ماتت .

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون