سارة عابدين
نتشابه جميعاً في الليالي المظلمة
(3)
لكنني لا أموت وخلاص
بتخلص الحاجات وتتولد حاجات
جوايا يا حبيبتي بيصرخ السكات
عبد الرحيم منصور
بعدما بدأت في تتبع أساس غضبي الهادر نحو العالم، أصبحت أهدأ، وأكثر قدرة على التعامل مع ذلك الغضب الذي ينتظر ولو لمسة غير مقصودة للجروح القديمة لينفجر.
طيب ماذا عن الفراغ الوجودي واليأس الوجودي؟
هه؟ ماذا عنهما؟
اختبرت ثقل الوجود قبل حتى أن أدرك ما هو الوجود. من وقت لآخر يهدأ الغضب وينفجر، تتحسن العلاقات وتسوء، لكن الفراغ داخلي أبدا لا يمتلئ. أفتقد المعنى ولا أعرف الانتماء، مثل شخص معاق في عالم من الأصحاء.
أكافح منذ الطفولة لأتخطى مفهوم الموت الحتمي، الذي يُفقد كل الحياة معناها. أسأل أمي
“مش احنا هنموت؟ طيب ليه نذاكر؟ ليه ناكل؟ ليه نشرب؟ ليه نلعب؟ ليه نحب؟ ليه نصاحب؟ ما نموت وخلاص”.
لكنني لا أموت وخلاص، أبقى عالقة في الحياة، أحمل وجودي فوق رأسي وأمضي به بلا يقين من أي شيء.
فراغ.. فراغ ثقيل يشبه اللون الأبيض في رواية العمى لساراماجو.. فراغ خانق ويأس لا يهزمه أي أمل، يغمرني كل صباح وكل ليلة. كل هدف وكل رغبة وكل حب وكل صداقة وكل العالم يفقد معناه، يتحول إلى وهم، يتعاظم أحيانا ويتراجع أحيانا، وأنا بين لحظات التعاظم والتراجع لا أعرف من أنا.
يشبه الأمر أزمة منتصف العمر التي تداهم البشر في منتصف الحياة، وتدفعهم للتنقيب في جدوى ماضيهم، ومعنى حاضرهم وهدف مستقبلهم، لكنها ليست أزمة منتصف العمر، إنها أزمة العمر.
أفكر الآن كم هي مؤلمة هذه المشاعر على طفلة صغيرة نحيلة، لا تدرك ثقل ما تشعر به لكنها تشعر به. طفلة بين الثامنة والتاسعة تشعر بلا جدوى وجودها دون أن تعرف معنى اللاجدوى ولا معنى الوجود.
اقرأ أيضاً: