لقاء مع الآلهة أم مع الهراء؟!.. عن فيلم Prometheus أو بروميثيوس (2012)

فيلم بروميثيوس
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 أحـمد عبد الرحـيم

بينما يدّعى المخرج البريطانى ريدلى سكوت أن لفيلمه Prometheus أو بروميثيوس (2012) قصة جديدة وهدفًا جديدًا، فإنه ليس إلا فيلمه السابق Alien أو الكائن الغريب (1979) مرة أخرى، بالشخصيات، والجو، والأحداث ذاتها؛ التى تجىء منه، ومن باقى أجزاء سلسلة الكائن الغريب أيضًا (من سنوات 1986، 1992، 1997). صحيح أن بروميثيوس مصنوع بميزانية هائلة، وطموح أعظم، لكنه – على عكس الفيلم القديم – ازدحم بكل ما هو أحمق ومنقوص، حتى غرق فى بحر أخطائه!

يبدأ بحر الأخطاء، أقصد الفيلم، سنة 2089 حين يكتشف عالما الآثار، شو وصديقها هولواى، خرائط قديمة للنجوم تبدو كدعوة للبشرية من خالقيها، ويسميانهم “المهندسين”، كى يزوروهم بمقرّهم فى قمر قاحل بعيد. ينظِّم البليونير العجوز ويلند رحلة إلى ذلك القمر، على ظهر سفينة الفضاء بروميثيوس، تجمع العالمين مع روبوت فضولى يدعى ديڤيد، وقائدة حازمة للرحلة تدعى ڤيكرز. هناك يتم العثور على بناء مجهول به جثة لكائن مقطوع الرأس، وأسطوانات سائل قاتم يدسه ديڤيد فى شراب لهولواى الذى يقيم علاقة جنسية مع شو ليلتها. تكون النتيجة أن يمرض هولواى سريعًا، ويموت، ثم تكتشف شو العاقر أنها حبلى، وتجرى لنفسها عملية ولادة، ليظهر وليدها مسخًا متوحشًا. تظهر كائنات صغيرة، وتقتل بعضًا من فريق الرحلة كالچيولوچى متعاطى المخدرات فيفيلد، ويخمن چانيك، ملّاح السفينة، أن بناء القمر ليس إلا قاعدة عسكرية للمهندسين، خرج فيها سلاحهم البيولوجى (السائل القاتم) عن السيطرة ليدمرهم جميعًا. ثم نكتشف أن البليونير ويلند مختفٍ على سطح السفينة، راغبًا فى مقابلة “المهندسين” ليعرف منهم سر الخلود. يجد ديڤيد غرفة تحكم بها “مهندس” فى حالة تجمد، مع خريطة لكوكب الأرض، فيوقظه ويبدأ فى سؤاله عن سر الخلود، فيقطع “المهندس” رأس ديڤيد، ويقتل ويلند. تهرع شو إلى چانيك، وتخبره أن “المهندسين” ينوون ضرب الأرض بالسائل القاتم عبر سفينة يملكونها. يصدم چانيك هذه السفينة ببرومثيوس، ليموت الجميع عدا شو التى تواجه ابنها الفضائى وقد تضخّم حجمه. ولما يهاجمها “المهندس”، الذى لا يزال حيًا، تطلق هذا الابن عليه، وخلال هروبها تقابل رأس الروبوت ديڤيد الذى يكشف لها وجود سفينة فضائية أخرى لـ”المهندسين” يمكن أن يعودا بها إلى الأرض، فتقرِّر أن يسافرا بها إلى وطن “المهندسين”، أو من خلقوهم، كى يسألوهم لماذا يريدون تدمير البشر. وفى أثناء اشتباك الابن المسخى لشو مع المهندس، يولد كائن يشبه وحش أفلام Alien من بطن المهندس، لينتهى الفيلم، تاركًا إياك مُحاصَرًا وسط جيش من علامات التعجب والاستفهام!

دار فيلم الكائن الغريب (1979) عن المجهول الخطير الذى يتحدى الإنسان، مُمثَّلًا فى كائن فضائى غامض له قدرات متنوعة جعلت له جاذبية كوحش رعب. هذه المرّة، لدينا فيلم عمن خلق المجهول والمعروف؛ والمقصود الله عز وجل، أو الإله، أو – فى فكر هذا الفيلم – الآلهة. هذا يبدو أكثر عمقًا، وجمالًا؛ مع الوضع فى الاعتبار مزج ذلك بالتشويق، والأكشن، والرعب، والخيال العلمى. لكن عزيزى القارئ، لا تتحمّس أكثر من اللازم، فبروميثيوس يعيد أصله القوى المهيب على نحو سيئ؛ مُبدِّلًا الكائن الفضائى الغامض المتوحش بإله غامض متوحش أقل جاذبية ورعبًا، ومُجرِّبًا تسلق جبال الفكر الجاد لا لشىء إلا لينتهى هاويًا من فوقها!

بالنسبة للحبكة، يكرّر بروميثيوس مشاهدًا بعينها من فيلم الكائن الغريب بأجزائه المختلفة، لدرجة أنك ستعيش نوبات déjà vu، أو حيرة بين حاضر وماضٍ متطابقين، كثيرة جدًا؛ خاصة مع لحظات مثل استيقاظ طاقم السفينة من النوم فى كبسولات بعد سفر فضائى طويل، واستكشاف أرض فضائية حالكة مليئة بالأخطار، ومهاجمة وحوش لأفراد الطاقم، وولادة مسخ من بطن آدمية، وانخلاع رأس روبوت الرحلة، وموت جميع الآدميين فى النهاية مع بقاء ناجية واحدة، ثم رحيلها عن المكان فى سفينة فضائية.. إلخ، إلخ. حتى الشخصيات ستصدمك بكونها تقليدًا غير مُسلٍّ لشخصيات الفيلم الأصلى؛ فالإنسان الآلى الذى لا يحب البشر، والعالِمة التى تقود البحث وتمنطق الأمور، والقائد ذو العقلية المتعسكرة الجامدة الذى لا يهمه الاكتشاف بقدر ما تهمه القواعد، والشخصية الدنيوية التى تسير وراء غرائزها، ورجل الشركة المخادع الذى يعلن هدفًا ويضمر آخر.. كلهم هنا، يعيدون أصلهم، وإن كان بنغمة طفيفة الاختلاف، متحركين داخل دراما ركيكة، شبه خرساء. هناك غموض وتشويق ولحظات مرعبة، لكنها لم تحقِّق مستوى متفوقًا، كما أن أسبابها متروكة بلا تفسير يبرِّد نار المتفرج. تتابُع “هيا بنا لندمر سفينة الآلهة إنقاذًا للأرض” بدا كذروة چيمس بوندية مختَلقة فى فيلم يفتقد لذروة أكشن أو دراما. وكل مسألة “أنا حامل فى وحش” كانت أكثر افتعالًا من أن نقتنع بها؛ إنها مثل شىء تم لصقه بالسيناريو عقب انتهاء كتابته، لتلفيق أى سبب يجعل من هذه الإعادة المثيرة للشفقة لفيلم سنة 1979 استباقة متأخرة له!

أما بالنسبة لمعنى الفيلم، فالتساؤل عنه سيقودك أولًا للتساؤل عن معنى عنوانه. فمن هو بروميثيوس؟ إنه إله فى الأساطير اليونانية، أوكل إليه رب الأرباب زيوس تشكيل البشر، لكنه عندما عرف أن الحيوانات نالت هبات أكثر منهم، تحدى إرادة زيوس، ووهبهم علومًا وفنونًا متنوعة، بل غافله وسرق شعلة النار المقدسة من جبل الأوليمب الذى تجتمع فيه الآلهة، كى يهبها للبشر؛ فيتدفئوا ويأكلوا ويستضيئوا. بناء على ذلك، يرى الفيلم أن فريق البحث عن الآلهة هو بروميثيوس الجديد، الذى يريد سرقة النار / الحقيقة، من جبل الأوليمب / مقر المهندسين، كى ينقلوها للبشر. وأن ذلك لن يتم إلا بعيدًا عن الأغراض المادية (كنزعة ويلند للخلود)، وبتضافر كل من القلب المؤمن (العالمة شو المؤمنة بالله)، والعقل العلمى (الروبوت ديڤيد). طبعًا هذا خطاب الفيلم على نحو نظرى بحت، فالفيلم نفسه يعجز كل العجز عن قول ذلك بشكل متماسك، متفرِّغًا لطرح الأسئلة أكثر من إبداع الدراما التى ستحملها، ومتجاهلًا إجابة ولو بعض من تلك الأسئلة التى يمطرنا بها!

فمثلًا: فى مشهد البداية، هناك مهندس ودَّع سفينة فضائية، ثم شرب السائل القاتم ليدمره شخصيًا، ويتحلّل إلى أجزاء تسبح فى ماء الأرض؛ فمن هذا الأخ؟ ومتى يحدث ذلك؟! وما صلته بالفيلم؟! وإذا افترضنا – ما دام المشهد عمدى الإبهام – أن ذلك حدث منذ قرون بعيدة، وأن السائل فى مائنا من يومها؛ فكيف لم تمرض البشرية، وتنجب مسوخًا كما حدث مع هولواى وشو؟ ثم لماذا دسّ ديڤيد السائل لهولواى؟ وما هو ذلك السائل القاتم أصلًا؟! ولماذا يضطر ويلند للتخفى فى سفينته؟ وما معنى مفاجأة كونه والد ڤيكرز؟؟ وما معنى العلاقة الجنسية بين ڤيكرز وچانيك؟ ثم من هم المهندسون؟ وما الذى أصابهم؟؟ وأين ذهبت بقيتهم؟؟؟ وفى النهاية، كيف يقود شو وديڤيد سفينة المهندسين وهما لا يعرفان عن تقنيتهم شيئًا؟! وأى طريق سيسلكان وهما يجهلان مكان وطن المهندسين هذا؟!!

أتحداك أن تطالع الصورة التى رسمها الفيلم عن خالق الإنسان، أو – وفق الأحداث – خالقى الإنسان، وتتوقف عن التساؤل. فهم معروضون ككائنات مُدمِّرة تنام دون سبب لعصور وعصور، ثم تستيقظ بلا ترتيب مسبق كى تستأنف التدمير، خاصة تدمير البشر!! أهم آلهة إذن أم شياطين؟؟ وإذا كانوا يهدفون إلى تدمير الإنسان، فلماذا يتركون له رسائلًا تدعوه إلى مقرّهم؟ بل لماذا لم يدمروه منذ آلاف السنين، وبطرق سهلة؟! وأى تدمير سيحدث والآلهة – كما يعرض الفيلم – خارج نطاق الخدمة، ولم يتبق منهم إلا واحد نائم؟ ثم لماذا التدمير أساسًا؟! فى الأساطير اليونانية، خشى زيوس أن يغتر الإنسان ويحاول منافسة آلهته. فى هذا الفيلم، يبدو الإنسان أكثر تقدمًا من هؤلاء الأرباب؛ الذين يسكنون قمرًا ميتًا لا يحوى إلا أطلالًا قديمة وتكنولوچيا خامدة، وأكثر اتزانًا منهم؛ فنحن لم ندمر أنفسنا على كوكبنا ليتبقى منا مخلوق واحد فقط! وأخيرًا وليس آخرًا، كيف يمتلك هؤلاء الآلهة القوة الكُلّيّة، وسرّ الخلود، بينما هناك تلميح إلى تدمرهم مبكرًا لسبب لم يعلنه الفيلم، بل نرى فى اللقطة الختامية ابن شو وهو يقضى على آخر واحد فيهم بكل سهولة ويسر؟؟!!  

ستلاحظ أن الفيلم يخلط – كما أفلام أمريكية عديدة – بين الله والكائنات الفضائية؛ وكأن الله – سبحانه وتعالى – يسكن الفضاء فى كوكب مجاور، أو هو واحد من الكائنات الفضائية! وذلك ضمن تجاهل ملموس من الفيلم تجاه معطيات الأديان السماوية، بل الأديان السماوية نفسها والتى يتعامل معها وكأنها لم تكن. لكن يمكن تفسير ذلك، مع ترجمة فكر الفيلم كله، فى ظل إيمان الفيلم بالغنوصية، وهو ما يظهر طوال الوقت بشكل أو بآخر.

الغنوصية تيار ومذهب فكرى اهتم بالمعارف الفلسفية الوثنية، وأهمل الوحى الإلهى، متبنّيًا فكرة أن الإله الحقيقى يخفى عن عيون البشر (خالق المهندسين)، ويتجلى بإله سفلى خلق العالم (المهندسين)، لكنه إله جاهل مغرور غايته حبس واستعباد البشر. وترى الغنوصية أن الخلاص الإنسانى فى تعلُّم الأسرار الخفيّة، ومعرفة مصدر الروح (الوصول للمهندسين وخالقهم). لكن ما يقف حائلًا بين البشر وهذا الخلاص هو كونهم مسجونين فى أجسادهم، حيث يعيشون فيها صراعًا بين المادة والروح، ولابد أن يتحرّروا منها كى يبدأ خلاصهم (شو ذات ميل روحانى، وديڤيد الروبوت لا يملك جسدًا إنسانيًا؛ لذلك يعد كلاهما الأصلح للخلاص كما نهاية الفيلم). أيضًا، من تأويلات أسطورة بروميثيوس أنها عن البطل الطيّب الذى رأى أن خلاص الجنس البشرى يكمن فى الوصول إلى المعرفة المقدسة، وجسّدت قصته صراعًا بين القوى الروحية المتمثلة فى علمه وحكمته، والقوى المادية المسيطرة المتمثلة فى زيوس. فى هذا الفيلم، لا يزال الصراع مستمرًا للوصول إلى الحقيقة عبر القوى الروحية (إصرار العالمين شو وهولواى على المعرفة)، ولا تزال القوى المادية (ديكتاتورية ڤيكرز كقائدة الرحلة، طمع ويلند فى الأبدية، اشتهاء فيفيلد للمخدرات..) تعطِّل هذا البحث، بل تخرّبه. أى أن الفيلم يتهم مادية الإنسان بأنها ما يؤخره عن جانبه الجليل وراحته الكبرى، لكن الفيلم – فى الوقت عينه – يشغل البطلة وإيانا بقصة وليد مسخى بلا معنى أو تتمة، ولا يفهِّمنا وجهة نظر المهندسين على الإطلاق، وسط ألغاز أخرى بلا حصر يتلذّذ بابتكارها، ويسعد بعرقلتها لنا، ثم يقدم نهاية تنطق ما يريد قوله على نحو مجرّد، عشوائى الصنعة، يلقى الأفكار فى وجوهنا دون أن يصوغها بشكل مقبول، لنكتشف آخر المطاف أننا تابعنا فيلمًا عن اضطراب الإنسان فى رحلته نحو الحقيقة، مصنوعًا بطريقة لا تقل اضطرابًا!

باختصار، وفّر هذا السيناريو أسئلة تبدو معقدة عن الرب الخالق من أجل رفع مستوى فيلم تشويقى، بينما لم يقدم إجابات على هذه الأسئلة، أو ينجح فى صناعة تشويق أيضًا. مما يعنى أننا أمام فيلم خسر “عنب الشام” و”بلح اليمن”، وليس لديه ما يبيعه!

لا يمكن تقييم أداء تمثيلى فى حالة عدم وجود شخصيات. يكاد يُستثنى من ذلك شخصية مثل ديڤيد (أداء مايكل فاسبندر) والتى حملت أوجهًا تفيض بالإمكانيات؛ فهو روبوت له هيئة بشرية، يغار من الإنسان لكن يرفض أن يكون مثله، كما يعشق المعرفة ولديه طموح شاسع، متشبهًا بشخصية تى. إى. لورانس التى أداها بيتر أوتول فى فيلم المخرج ديڤيد لين Lawrence of Arabia أو لورانس العرب (1962) كشخص يرى نفسه أعلى ممن حوله، ويبغى استكشاف قدراته، والوصول لأوج عظمته. تابعه فى مشهد سرقته للسائل القاتم حين يردِّد جملة لورانس من فيلمه “الأمور الكبرى لها بدايات صغيرة”؛ وبينما قصد لورانس الفيلم بدء هزيمة التكتلات الدولية بتوحد قبائل صغيرة، قصد ديڤيد نشأة الخلق بأسره من مجرد فكرة. لقد كانت شخصية مثيرة للاهتمام، قد تليق بفيلم مستقل، لكنها لم تفعل الكثير فى هذا الفيلم المزدحم بخطوط غير مكتملة، وطلاسم بلا تفسير، ليصبح أداء (فاسبندر)، بعيونه النهمة دائمة الاتساع، وتعاليه المكتوم، مثل غناء جميل يهمس وسط ضجيج. شخصية شو (أداء ناعومى رابيس) بدت فى مجملها لعبًا على شخصية ريبلى بطلة أول 4 أفلام من السلسلة (أداء سيجورنى ويڤر). من الواضح أنهم أرادوا بطلة جديدة للسلسلة بتاريخ مختلف، وسمات متباينة عن بطلة الماضى. فـ”شو” مهتمة أكثر بالمعرفة أكثر من قتال الوحش. وقدمت (رابيس) أداءً مفعمًا بالحساسية والحضور؛ ليؤلمنا عذابها عند الولادة، ويأسرنا خشوعها أمام المعرفة. لكن تلك “المعرفة” صاغت فى النهاية مفارقة بشعة مع الجانب الفكرى المزعوم للفيلم. فضلًا عن المفارقة بين إصرار الشخصية على ارتداء صليبها، والتمسك به فى أحلك المواقف، بينما تدل كل أفكارها على عدم قراءتها حرفًا عن الإله فى الديانة المسيحية، وخلطها الأبله بينه وبين رب الأرباب فى الأساطير الإغريقية؛ وهى مفارقة بشعة أخرى، لكن تثير السخرية!

الإحباط الأكبر كان فى ريدلى سكوت. لقد انتظرت منه كنزًا كفيلم 1979، لكن بنفائس أغلى، وعبر نضج أكبر، لكنى لم أجد إلا فيلم تشويق / خيال علمى هوليوودى عادى، لم يقدِّم المهم أو المتمكن سواء كتشويق أو خيال علمى. عمله هنا مجدب، لا شىء فيه يشير لتواجد مخرج كبير وراء الكاميرا. ستجد صورة مبهرة، وإيقاعًا سريعًا، وأجواء مقبضة، وخدعًا متقنة، لكن ما قيمة كل ذلك دون دراما حقيقية، أو فكر متماسك؟! ثم إنك ستقابل هذه البضائع نفسها فى أفلام خيال علمى أخرى لمخرجين صغار بالمقارنة، فما الذى أضافه سكوت هنا غير اسمه؟! أضف إلى ذلك نظريته عن الإله، ومنشأ الحياة.. إلخ والتى جاءت مضحكة. ناهيك عن الطريقة الغبية التى يربط بها فيلمه بسلسلة Alien. فهذه الاستباقة لسلسلة الكائن الغريب لا تنتهى قبل أن تتبرع لنا بمعلومات “قيِّمة” عن مصدره، فحينما يغتصب كائن نصف بشرى-نصف فضائى، متكوِّن من سلاح بيولوچى، إلهًا غامضًا يحتضر؛ فإن طفل خطيئتهما، الذى يميت الإله فى أثناء ولادته، هو وحش سلسلة أفلام Alien! بلا جدال هذا أسخف حدث أخرجه ريدلى سكوت فى أفلامه كافة. أسخف حتى من المشهد الذى يزيل فيه السفاح هانيبال ليكتر الجزء العلوى من رأس شرطى، كى يأخذ قطعة من مخه ويقليها فى الزيت، ثم يجبره على أكلها فى فيلم سكوت السابق Hannibal أو هانيبال (2001)!!

الشىء الوحيد الذى يمكن وضع صفة “رائع” بعده فى هذا الفيلم هو الخلفيات فاتنة الغموض، بديعة الغرابة، على سطح قمر المهندسين، والتى جسّدت المجهول على نحو مُغْوٍ. إلى جانب تفصيلتى خيال علمى متميزتين الخيال، ومُتقنتَى التنفيذ؛ الأولى هى الجِرَاء الإلكترونية الطائرة التى تستكشف التكوينات البنائية المجهولة، وترسم لها – عن بُعد – تخطيطًا هندسيًّا صغيرًا ومُجسَّمًا. والثانية هى غرفة العمليات الآلية بالكامل، والتى ظهرت فى مشهد توليد شو لنفسها فى إطار جامح الخيال لدرجة مخيفة. 

بروميثيوس (2012) ليس إلا reboot أو إعادة تشغيل لسلسلة الكائن الغريب، حتى يمكن بدؤها مجددًا فى سلسلة أفلام حديثة تستغل القديمة؛ فتنعش اسمها، وتجمع عشاقها، وتروِّج لأفلامها، وهو ما حدث مؤخرًا بوفرة، منذ العقدين الأول والثانى من القرن الـ21، عبر إعادات تشغيل لسلاسل أخرى؛ مثل   Rise of the Planet of the Ape أو نشأة كوكب القرود (2011) مع سلسلة كوكب القرود،  وThe Amazing Spider-Man أو الرجل العنكبوت المذهل (2012) مع سلسلة الرجل العنكبوت، و Man of Steel أو الرجل الفولاذى (2013) مع سلسلة Superman أو الرجل الخارق. ببساطة، هوليوود مثل ويلند فى بروميثيوس، تريد أن تحيا للأبد، لكن عليها أن تبحث عن إله آخر غير الارتداد للسلاسل السابقة، وإعادات الأفلام القديمة، وإلا ستنتهى بالضبط مثل ويلند؛ شخص طاعن السن، خرافى الثراء، ينفق مبالغ فلكية لتجربة حيل فاشلة لإطالة عمره. وعليه، فإن بروميثيوس حيلة فاشلة تكلّفت 130 مليون دولار، وعمل يخلو من المتعة، ولا يمتلئ إلا بالهراء!

……………………

نُشرت فى مجلة أبيض وأسود / العدد 51 / مارس 2016.

 

 

مقالات من نفس القسم