“لعنة سقطت من النافذة” لمحمود خيرالله.. احتفاء بالأيديولوجيا والطبقة وقصيدة النثر!

محمود قرني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمود قرني

للوهلة الأولى يبدو محمود خيرالله ضمن أسراب الشعرية الجديدة مجاهداً ومتجاوزاً طفولة المعنى في ديوانه الأول “فانتازيا الرجولة”الذي جاء مُحمَّلاً بكل مراهقات الشعرية الجديدة، من إسراف في امتداح اليومي والنأي المتواصل عن كل اشتباك يتورَّط بالشعر مع اللغة، فضلاً عن الاقتناص غير الواعي لشكل الفعل الإنسني ومضمونه وتحويله إلى جزء أساسي من البنية الشعرية.

وفي ديوانه الثاني “لعنة سقطت من النافذة” يبدو محمود خيرالله متجاوزاً لكثيرٍ من مزالقه، حيث حيث تبدو اللغة الشعرية في الدرجة الأولى مبرَّرةً في قوتها وضعفِها في آن واحد، حيث تنتفي قصدية الوظيفة الأدائية التي تحاول ترسيخها قصيدة النثر، بسبب وبدون سبب.

ولعل التجربة الشعرية المكتنزة بالهموم الشعرية الحقيقية والحميمة وغير المفتعلة هو ما أزال أسواراً كثيرةً من طريق التواصل معها، وتبدو الشخوص والسرديات التي استتبعها في القصائد الأولى: إلى تراب العالم، تحت سماء مريضة،  يخرجون إلى الشوارع منكفئين” هي القصائد التي تكثل البنية الحاكمة لهذا الديوان حيث يحاول الشاعر المزج بين عدد من العناصر التي تبدو متناقضة للوهلة الأولى، فيبدو انحيازه الأيديولوجي واضحاً في اختيار نماذجه الاجتماعية البسيطة: الأب والأم و البناؤون و المعلم والبلطجي..إلى آخر هذه النماذج، التي لاتبدو مفارقة ألا مع كونها تدخل معمل الشعرية لإعادة تهذيبها، ولتكون عنصراً من عناصر التجربة إلا أن خيرالله لا يقع في الخطاب المباشر لنقل الصوت الصارخ لهذه النماذج، ولكنه ينجح في تصويب نثريته باتجاه اللا انتماء فتبدو الحيادية في الالتقاط وهي حيادية تنفي عن الجملة الشعرية منبريّتها، وإن كانت الغنائية في بعض الأحيان تظل طاغيةً على بعض الجمل الشعرية، وإن لم تتناقض مع الأجواء العامة لهذه الشعرية، وقد خضعت قصيدتا ” بين طاولتين” ورقصة مدرس صارعته النظافة” للمنطق الشعري الذي تلبَّس القصائد الأربع الأولى من الديوان.

أما فيما تبقى من قصائد الديوان البالغة عشرين قصيدة، فتعتمد على النص القصير والمكثف الذي يحتمي بالموقف الاجتماعي المؤسس أيديولوجياً، وإن أفلتت هذه الخطابات القصيرة من الشاعر بسبب روحه الفضفاضة التي لا تتساوق مع النص القصير، غير الناجز في شعريته، وهو ما جعله يبدو مباشراً وفجاً ووعظيّاَ وإرشادياً في بعض الأحيان، فضلاً عن وقوع  بعض المقاطع في النثرية المحضة، غير المنضبطة شعرياً على نحوٍ من الأنحاء.

محمود خيرالله الذي يبدو خارجاً من ميراث النص العربي القديم استطاع القبض على ملامح شعرية خاصة في ديوانه الثاني” لعنة سقطت من النافذة” وذلك وسط موجاتٍ متلاطمة من النثر متراوح القيمة الذي تقدمه قصيدة النثر في مصر في السنوات القليلة الماضية والراهنة، ولعل هذا التلاطم كان سبباً مباشراً في التعثر الذي تعانيه هذه القصيدة الآن، إلا أنه كان ـ في الوقت نفسه ـ سبباً للانتباه للخطورة المحدقة بالنص بفعل المواصفات غيرالناجزة التي أحاطت به، وأحالته إلى نموذج نمطي مكرور عجز في سنوات عن تجاوز مآزقه الصغيرة والكبيرة في آن واحد، ولعل في بعض الأصوات التي كانت خارجة على هذه الحظيرة النمطيةالتي ضمت القطيع كله، بعض الأمل في استعادة الروح الخاصة والمغايرة لهذا النص الذي يعد بالكثير في مستقبل الشعر العربي وحاضره.  

…………..

 *القدس العربي    11 مايو 2001

عودة إلى الملف         

 

مقالات من نفس القسم